بقلم مرتضى العبيدي
كعادتها، تسعى مجلة الفكرية إلى طرح القضايا الحارقة التي تشغل الرأي العام في فترة من الفترات. وقد ارتأت أن تخصّص ملف عددها الأخير إلى موضوع الإعلام والدور الخطيرالذي يلعبه في مرحلة الانتقال الديمقراطي. وقد كتب الأستاذ مصطفى القلعي في افتتاحية العدد ما يلي: “مجلة الفكرية حريصة على الالتصاق بقضايا الشأن العام في تونس. إنّها لا تنفكّ عن إثارة المواضيع الإشكالية الحارقة التي لا بدّ من طرحها دون تأجيل. قضيّة الإعلام ودوره في مرحلة الانتقال الديمقراطي قضيّة الساعة اليوم منذ تسريب الكتاب الأسود المخصّص للإعلام والإعلاميين من قبل الرئيس المؤقت منصف المرزوقي. ” وقد تعاونت المجلّة في إنجاز هذا الملفّ مع مركز تونس لحرية الصحافة الذي أخذ على عاتقه منذ تأسيسه على يد ثلّة من الصحافيين إحصاء الانتهاكات اليومية التي يتعرّض إليها الإعلاميّون عند ممارستهم لمهنتهم والتشهير بها، فجاءت شهاداتهم بليغة ودقيقة وموثّقة. فكتب الأستاذ محمد العروسي بن صالح رئيس تحرير جريدة الشعب سابقا مقالا بعنوان “حتى لا يتواصل حديث الطرشان” خصّصه لدراسة التعطيلات التي وضعتها حكومتا النهضة أمام تفعيل المرسومين 115 و116 المنظمين لقطاع الإعلام. كما تعرّض الفاهم بوكدّوس في مقاله إلى “السمات العامّة للانتهاكات الصحفية في تونس” شفعه بتوصيات لتجاوز ما نحن فيه من نقائص على المستويين التشريعي والعملي. وتساءل الأستاذ محمود الذوادي حول جاهزية الإعلام لمواجهة الإرهاب، ولعلّ سؤاله يجد اليوم مشروعيته بعدما تجنّدت عدّة وسائل إعلام لتبييض وجه الإرهاب وتبريره بعد العمليات الأخيرة للإرهابيين. وشرح أبو سلمى في مقال آخر كيف أنّ الهشاشة المهنية للصحافيين تكون وسيلة لجلبهم إلى بيت الطاعة والحدّ من حريتهم في تناول الأخبار ومعالجتها، ووجّه نداء إلى الهياكل المعنية للإسراع بمعالجة الوضعيات الحرجة والهشّة للصحافيين لغلق الأبواب أمام المال الفاسد كي لا يفعل فعله في القطاع خاصّة والبلاد تستعدّ لانتخابات رئاسية وتشريعية
ثمّ تناولت ثلاثة مقالات بالدرس، الكتاب الأسود الشهير الذي وصفه مصطفى القلعي بأنّه “مساهمة الرئاسة في تعطيل المسار الانتقالي”، بينما رأى فيه الأستاذ ناجي البغوري ضربا من “سياسة تلميع الصورة مع مراعاة فارق التوقيت” وقال عنه الصحفي نصرالدين اللواتي أنّه “الكتاب الأسود لليوم الأبيض” وهو حسب رأيه من قبيل إفساد “قضية نزيهة بحنكة وحرص ومهارة”.
وزيادة على الملف، خصّصت الفكرية جزء من مساحتها للمتابعات الثقافية. يوما بعد يوم وعددا بعد عدد تُثبت هذه المجلة أنّها تنحت لنفسها مكانا متميّزا في المشهد الإعلامي التونسي الذي وإن عجّ بالعناوين فإنّه مازال يفتقد إلى الدوريات الجادّة ذات المادّة التحليلية العميقة.