مازالت العملية الإرهابية التي جدّت في نادٍ ليلي يقع على ضفاف البوسفور، والتي راح ضحيتها 39 شخصا من بينهم 27 أجنبيا، تتصدّر عناوين الصحافة العالمية، خاصّة وأنه لم يتم بعد اعتقال منفّذها ولا حتى التعرّف على هويّته. وقد جدّت العملية في وقت من المفروض أن تكون حالة التأهّب في أقصى درجاتها، نظرا لرمزية المناسبة في حدّ ذاتها، وخاصّة بعد التهديد الصّريح لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، الذي أصبح يعتبر تركيا أرض جهاد، نظرا لمشاركتها في الائتلاف الدولي ضدّ داعش. أضف إلى ذلك أن الدماء التي سالت في العمليّتين الإرهابيتين اللّتين استهدفتا كنيسة قبطيّة في مصر وسوقًا لأعياد الميلاد في برلين لم تجفّ بعد.
أمّا الجديد في هذه العملية فهو تبنّيها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما لم يحدث في العمليات السّابقة حتى وإن كانت السلطات التركية وأجهزة مقاومة الإرهاب وجّهت أصابع الاتّهام في البعض منها لهذا التنظيم. فقد جاء في البيان الذي أصدره التنظيم إثر العمليّة ما يلي: “مواصلة للعمليات المباركة التي تخوضها “الدولة الإسلامية” ضدّ تركيا حامية الصليب، دكّ أحد جنود الخلافة الأبطال أحد أشهر الملاهي الليلية حيث يحتفل مسيحيون بعيدهم الشركي”.
2016 سنة دامية في تركيا
وقد شهدت تركيا خلال السنة المنقضية ما لا يقلّ عن 14 عملية أودت بحياة أكثر من 300 شخص من بينهم عدد من السيّاح الأجانب. واعتادت الشرطة التركية على توجيه إصبع الاتّهام إلى أحد طرفين حسب المستهدف في كل عملية: فإذا ما كانت قوّات الشرطة والجيش هي المستهدفة، فالتهمة توجّه مباشرة إلى حزب العمّال الكردستاني، وإذا كان المستهدف المناطق السياحية أو السيّاح، فالتهمة توجه إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وقد أكد عبد الباري عطوان هذا التوجه لدى داعش عند نقله لحديث أجراه مع أحد قادته، ضمّنه في أحد كتبه الصادرة أخيرا باللغة الانكليزية، إذ أكّد هذا الأخير ما يلي: “تركيا لن تجرؤ على محاربتنا، فهناك اتفاق غير مكتوب بيننا، إذا هاجمتمونا سننقل الحرب إلى عمقكم الجغرافي، وسندمر صناعة السّياحة التي تدرّ عليكم 36 مليار دولار سنويا”. وهو ما جعل هذه الأخيرة توجّه أصابع الاتهام إلى تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي في العمليات التالية خلال السنة المنقضية:
ففي الثاني عشر من جانفي، استهدفت عملية إرهابية المارّة بشارع السلطان محمد بإسطنبول وهو من المراكز السياحية والتجارية الكبرى في المدينة، راح ضحيتها 12 سائحا ألمانيا. وفي 3 مارس، جدّت عملية مماثلة في شارع الاستقلال وهو من أكبر المواقع التجارية كذلك، توفّي خلالها أربعة أشخاص. وفي 28 جوان كان مطار اسطنبول هو المستهدف في عملية خلّفت 47 قتيلا من بينهم عدد من الأجانب. وفي 20 أوت، استهدفت عملية إرهابية حفل زواج وخلّفت ما لا يقل عن 50 قتيلا، وأخيرا عملية رأس السنة التي استهدفت نادي ليلي. فالواضح إذن أن القطاع السياحي كان هو المستهدف في جميع هذه العمليات وهو من أكثر القطاعات حيوية في الاقتصاد التركي وأكثرها جلبا للعملة الصعبة، وهي تعتبر سادس وجهة سياحيّة في العالم بمعدل أربعين مليون سائح سنويا. إلا أنّه وبعد تكرّر العمليات الإرهابية، اعتبرت ما لا يقل عن 15 دولة تركيا مكانا غير آمن ونصحت رعاياها بعدم اختيارها كوجهة سياحية. ويأتي ذلك في وضع تعرف فيه مؤشرات الاقتصاد التّركي تراجعا ملموسا بما فيها نسب التنمية مقارنة بما كانت عليه خلال العشرية الأولى لهذا القرن.
اتّهام “العمّال” الكردستاني بالإرهابي للتضليل على قضيّة الشعب الكردي
أمّا الطرف الثاني الذي توجّه إليه السلطات التركية إصبع الاتّهام فهو حزب العمّال الكردستاني الذي تصنّفه، مثلها مثل الدول الغربية، ضمن التنظيمات الإرهابية. وقد نسبت له تسع عمليات خلال سنة 2016، تبنّى منها عملية وحيدة في حين تبنّت منظمة أخرى تدعى “صقور الحرية بكردستان” عمليّتين اثنتين. وتمثّلت معظم هذه العمليّات في تفجير سيارات مفخّخة أو في عمليات انتحارية استهدفت جميعها مقرّات للشرطة أو للجيش أو حافلات نقل خاصّة بهم. وتصنيف حزب العمّال الكردستاني ضمن التنظيمات الإرهابية يرمي أساسا لطمس الطبيعة الحقيقية للمعركة، ألا وهي معركة الشعب الكردي من أجل حقه في تقرير مصيره، وللتستّر عن مسؤولية حكومات حزب العدالة والتنمية المتعاقبة منذ 2002 في تعطيل مفاوضات السّلام التي شرعت فيها مع ممثّلين عن الشعب الكردي والتي كانت في كل مرّة تجد ما يكفي من الذرائع لتعطيلها أو إبطالها.
زد على ذلك أنّه ومنذ بداية العدوان على سوريا، ومشاركة تركيا فيه إلى جانب القوى الامبريالية الغربية، استغلّت هذا الوضع لتنفرد بالشّعب الكردي في سعي محموم لإخضاعه نهائيا في غفلة من الجميع. فلم تكفّ الطائرات التركية خلال كامل هذه الفترة عن شنّ الهجمات القاتلة على مواقع الأكراد مخلّفة في كل مرّة أعداد لا تحصى من القتلى والجرحى. لذلك فهي تجتهد في البرهنة على وقوف التنظيمات الكردية وراء كل العمليات التي يكون هدفها قوات الشرطة أو الجيش.
سنة جديدة دامية رغم أن تركيا وتنظيم الدولة كانا يقفان في نفس الخندق ممّا يجري في سوريا. فكيف سيكون إذن العام الجديد وقد أصبح العداء بين الطّرفين واضحا وبعد أن استباح قادة داعش أرض تركيا واعتبروها أرض جهاد؟ إنّ هذا الوضع ليعطي مصداقية لمطالبات القوى الديمقراطية في تركيا الحكومة بعدم إقحام البلاد في أتون الحروب الدّائرة في المنطقة والعودة إلى طاولة المفاوضات بخصوص المسألة الكردية والاعتراف بحقّ الشعب الكردي في تقرير مصيره.
مرتضى العبيدي