تعود جريد صوت الشعب لمتابعة نشاط الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في بداية سنة إدارية جديدة ستكون صعبة على التونسيات والتونسيين ليس فقط في المجال الاقتصادي والاجتماعي بل في علاقة بأوضاع الحريات وتنامي مخاطر الإرهاب. وتعتبر الرابطة كمنظمة حقوقية وطنية معنية مباشرة بتفاعل جملة هذه الأوضاع وبمخرجاتها وبكيفية التصدي لأي تراجع في بعض المكاسب على قلّتها، والملاحظ أن الرابطة منشغلة أيضا بأوضاعها الداخلية ونقصد مهام تطوير أدائها والتأسيس لإدارة عصرية بما يعزّز مكانتها ويدعم دورها النضالي في الساحة الحقوقية.
ولإطلاع القراء على واقع نشاط الرابطة وبرنامجها المستقبلي أجرينا الحوار التالي مع السيد جمال مسلّم رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
1. السيد جمال مسلم هل يمكن أن توصّف لنا مردود الرابطة بعد انقضاء 90 يوما من انعقاد المؤتمر السّابع للرابطة؟
بعد مرور 90 يوما من إنجاز مؤتمرها السابع وانتخاب هيئة مديرة جديدة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ورغم قصر هذه الفترة فإن ذلك لا يمنع من تشخيص نقاط الضعف ونقاط القوة.
أوّل ما سيبقى علق بالذاكرة تلك الأزمة العابرة التي ارتبطت بتوزيع المسؤوليات حيث قضّينا في البداية أكثر من أسبوعين في فضّ بعض الإشكاليّات المتعلّقة باختلاف بتقسيم المهام صلب الهيئة المديرة المنتخبة، وقد اعتبرنا تلك الاختلافات مسألة طبيعية وصحيّة لكونها انحصرت في حدود التعبير عن وجهات النّظر وعدم المساس بالمبادئ أو التشكيك في الروح الديمقراطية للمؤتمر السابع. ولا نخفي أن هذا التعثر استقطب الاهتمام بشكل متفاوت فالأصدقاء عبّروا عن حيرتهم وخشيتهم من أن تتعرض صورة الرابطة للاهتزاز وقد لمسنا حرصهم على محاصرة العوامل التي ساهمت في تغذية حدة هذا الخلاف، وفي المقابل لاحظنا بداية تشكل حملة تشكيك موجّهة لإضعاف الرابطة تحت مسميات كثيرة. ونعتقد أن كل مناضلي الرابطة وأصدقائهم في الحركة الديمقراطية ساعدوا على تجاوز هذه الصعوبة استنادا إلى وعي جماعي من كافة أعضاء الهيئة المديرة بقيمة رهانات المرحلة المستقبلية وعلى هذا الأساس تم التوجّه مباشرة إلى العمل.
المرحلة الأولى خصصت للنظر في الأوضاع الداخلية، حيث واجهتنا مشاكل عدّة منها ظروف العمل، أوضاع الرّابطة الإدارية والتّنظيمية والاتّصالية.
الرّابطة رغم كونها عميدة المنظّمات الحقوقية الوطنيّة وفي العالم العربي، إلاّ أنها لم تجد الوقت الكافي زمن الاستبداد لوضع تقاليد في العمل الإداري المنظم والعصري واعتماد خطة اتصالية تتناسب مع حجم مهامها وطبيعة أهدافها. ونحن الآن شرعنا في تحسين هذه الأوضاع وظروف العمل، ونأمل أن تكون أفضل في قادم الأيّام حيث واصلت الهيئة المديرة الحالية جهود تسوية الديون المتخلّدة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مكتب مراقبة الأداءات إضافة إلى الخطوة الهامة المتمثلة في اقتناء مقر جديد…)
والجدير بالملاحظة أن تعثر النشاط في البداية مردّه أيضا غياب الإطارات الكافية للاهتمام بالإدارة التنفيذية للرابطة وفي انتظار حسم هذا الموضوع وتوفّر الموارد لذلك فقد قمنا بعدّة اتصالات واشتغلنا على عديد الأوضاع والملفات، ومنها مهام رصد الانتهاكات فالهيئة المديرة أصدرت عديد البيانات بخصوص أوضاع الحريّات وبعض المناسبات (اليوم الوطني للمعاقين، اليوم العالمي لحقوق الإنسان…) تابعنا عدّة قضايا وتحرّكات، سواء منها من مشمولاتنا أو متعلّقة بقطاعات أخرى.
الرابطة قامت أيضا باتصالات بجهات رسمية عديدة منها وزارات الداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية لتطوير آليات التعاون وتفعيل مذكرات التفاهم وكذلك مع فعاليات المجتمع المدني على مستوى وطني ومع المنظمات الاقليمية والدولية المقيمة في تونس، ورغم هذا الجهد بقيت بعض الأنشطة معلقة في انتظار تحديد طبيعة وعدد أقسام النشاط بموجب الصياغة النهائية للنظام الداخلي الذي سيعرض للمصادقة عند انعقاد الدورة القادمة للمجلس الوطني ونقصد بأقسام النشاط ما هو موجه لمجالات الحريات والمرأة والعلاقات الداخلية والخارجية وغيرها إضافة إلى تمثيلية الرابطة بالهيئات الحقوقية العربية والدولية.
2. هل تتّفقون مع بعض التقييمات التي تعتبر أوضاع الحريات في تراجع؟
لا مجال للمقارنة بين أوضاع الحريات اليوم وما قبل 2011، زمن الدكتاتوريّة.
صحيح أنّ هناك بوادر ضغط على بعض الحريات (الحراك الاجتماعي) أحكام صدرت ضدّ شباب في محطات نضال وطنيّة (شباب قليبية) محاكمة شباب الثورة، شباب الجريصة، وهي عموما أحكام لا تتماشى مع طبيعة الوضع الانتقالي الذي نعيشه ونسعى لتكريسه، وهي أيضا بمعنى من المعاني شكل من أشكال التراجع.
الرابطة تابعت هذه الأحكام وسجّلت بعض التراجعات والانتهاكات وطالبنا بأن يتم احترام الحراك الاجتماعي السّلمي وهو حق يجب حمايته: تحركات المفروزين أمنيا، عمال الحضائر، المعطلون عن العمل والمطرودون من المصانع…من حق هذه الفئات أن يطالبوا بتحسين أوضاعهم، فكلنا نعرف أن الوضع تردّى وتدهور وازداد فظاعة (تدهور المقدرة الشرائيّة، استشراء الفساد في أجهزة الدّولة وغياب بدائل تنموية قادرة على إشاعة الاستقرار وتكريس الديمقراطية بكل أوجهها…)
ولكن السمة البارزة عموما هي احترام الحريات الفرديّة، فالانتهاكات ليست ممنهجة، رغم تسجيل بعض التجاوزات (على الصحفيين أو في السجون) والرابطة ترصد وتتحرك وترد الفعل.
3. تشهد الساحة السّياسية تجريما مبالغا فيه للحراك الاجتماعي فهل تملك الرّابطة مخطّطا لمواجهة هذه الانتكاسة؟ وهل توجد محاولات جدّية للعمل المدني المشترك؟
لاحظنا في المدّة الأخيرة ردود فعل غير مقبولة ومبالغ فيها إزاء التحركات الاجتماعية المطلبية. والرابطة، وهي تتابع هذه التحركات وطرق مواجهتها الأمنيّة، فهي تتمسّك بحقّ كل تونسيّة وكلّ تونسي على المطالبة بحقه وتحسين أوضاعه بالطريقة السلمية التي يراها (اعتصام، مسيرة، إضراب… وهي حقوق دستورية ثابتة ومن دعائم أي نظام ديمقراطي)
بخصوص مساندة هذا الحراك أمضينا بيانات متعددة مع مجموعة من المكونات المدنيّة، ومن المنتظر، وفق عدّة مؤشرات (منها أساسا غياب حلول ومعالجات ملموسة من قبل الحكومة) أن تتصاعد وتيرة هذه التحركات، والرابطة ترصد وستعمل على بعث شبكة للعناية بالحراك الاجتماعي.
4. الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بصدد توسيع علاقات الشراكة مع جهات رسمية عديدة، متى يقع تحويل هذه المشاريع إلى برامج وأنشطة حقيقية؟
رغم الرصيد النضالي الهام للمنظّمة الحقوقية، والتجربة العمليّة طيلة هذه السنين، يبقى العمل العلمي والممنهج هو ما يعوز المنظمة، وهي نقيصتها الكبرى. في هذا الاتجاه هناك بعض المشاريع بدأنا في تنفيذها وأخرى في انتظار تفعيلها في الأيام القادمة. وقد قمنا بلقاء مع وزير الدّاخليّة لإمضاء اتفاقيّة تمكّن الرابطة وفروعها بزيارة مراكز الاعتقال لرصد أوضاعها والانتهاكات إن وجدت. وبمجرّد مباشرتنا لهذا العمل بداية هذه السنة سنقوم بإصدار تقارير حينيّة وفوريّة بما يضمن احترام الحرمة الجسديّة والتوقّي من ممارسات التعذيب والانتهاكات التي قد تمارس في حق المعتقلين.
كما سبق للرابطة منذ سنتين إمضاء اتفاقيّة مشابهة مع وزارة العدل تمكّننا من زيارة السجون وقد أصدرت الهيئة المديرة السابقة تقريرها السنوي الأول ونحن في انتظار تقارير ستصلنا من فروعنا وسنصدر على ضوئها تقريرا شاملا ونأمل أن يقترن هذا الجهد ببرنامج تدريبي، ونحن بصدد وضع برنامج تدريب في منهجيّة الزيارة باعتماد دعائم تمكّننا من إصدار التقارير وتضمن احترام المنهجية العلمية في التعامل مع هذا النشاط
وفي جانب آخر لنا اتفاقية مع وزارة الشؤون الاجتماعيّة تسمح لنا بزيارة مراكز الرعاية الاجتماعية التي تأوي فئات ذات احتياجات خاصة وينضاف ذلك إلى تمثيلية الرابطة باللجان المحلية والجهوية المكلفة بإسناد المنح المالية القارة للمعوزين والعلاج بصنفيه ونعتبر هذا التواجد مكسبا لا يجب التفريط فيه باعتبار ما يتيحه من فرص التعاطي مع قضايا الفقر والتهميش .
ونذكر أيضا اتفاقيّة مع وزارة التربية لزيارة المبيتات، لمراقبة الأكلة الجامعية، الصحة، وكلّ ظروف الدراسة لدى الطلبة.
من الممكن أن نفكّر في اتفاقيّات ومذكرات عمل في علاقة، ليس بالحقوق المدنيّة فقط، وإنما حقوق حياتيّة (اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة…) مع الجهات الغير رسميّة، مع شركائنا: سلسلة من الاتفاقات لإنجاز مشاريع لقاءات واتفاقات، الإعانات العدليّة خارج وداخل السجن عبر تقديم الدعم القضائي بتسخير محامين لزيارة بعض السجون مع المنظمتين: العالميّة والتونسيّة لمناهضة التعذيب.
5. الرابطة من أكثر المنظمات الحقوقية المعنية بنشر ثقافة حقوق الإنسان بموجب انتشارها الواسع ورصيدها النضالي فهل تملك الرابطة رؤية لهذا المجال من النشاط؟
في مجالات العمل المختلفة التي باشرناها نحن بصدد إثبات أنّ الرابطة لديها رؤية وخطّة (برنامج تدريب وتكوين، إصدار تقارير…)
من جهة أخرى في مجال التنظيم، الرابطة بعد المؤتمر السابع لديها إمكانيات هامة في الشباب. وفي هذا الإطار هناك عمل دؤوب للتماهي بين الشباب الجديد وقدماء الرابطة، سنقوم ببرنامج تمرير المهارات والكفاءة لمراكمة التجربة لتكون ثقافة ليصبح بإمكان “تعييره”.
في مجال الجندرة وحماية النساء من العنف، هناك برنامج كبير لتكوين الكفاءات، لجمع وحشد الدعم: برنامج ولقاءات على مستوى وطني لإصدار قانون لتجريم العنف ضدّ النساء
وفي إطار الشراكة قدمت الرابطة مقترحات: منها اعتماد المقاربة الحقوقية في صياغة البرامج والقوانين وتنفيذ برامج تكوين لنشر ثقافة حقوق الإنسان.
6. قدمتم منذ فترة تشخيصا سلبيا حول الأوضاع المالية للرابطة، هل تغير هذا الوضع وما هي آفاق التعاون مع الجهات المانحة والمنظمات الاقليمية في المجال الحقوقي المتصل بأهداف الرابطة.
في خصوص الوضع المالي بفضل جائزة نوبل تمكّنّا من شراء مقر وتمويل مستلزمات عقد مؤتمرنا الأخير. ولكن عموما الوضعية لم تتغيّر بشكل جذريّ من حيث الإمكانيات المالية، فقد ورثنا التزامات هامّة والرابطة مطالبة بإسداء هذه الديون
الوضع المالي لا يسمح لنا في الوقت الراهن بانتداب مدير تنفيذي أو مسؤول على الاتصال أو مسؤول على المشاريع: لدينا فقط وعود تمويل في قادم الأيام. وسنعمل مستقبلا على تطوير عقود البرامج مع المؤسسات والهياكل التي تربطنا بها اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتنفيذ برامج مشتركة للتدريب.
7. علمنا أن الرابطة تستعد لعقد الدورة الأولى للمجلس الوطني في نهاية شهر جانفي 2017، فماهي طبيعة الأولويات التي سيقع التركيز عليها؟
الرابطة في المؤتمر السّابع قررت أن يكون أوّل خطوة ومهمّة للمجلس الوطني هو المصادقة على النظام الدّاخلي، وهو إجراء على غاية من الأهمية حيث سيمكّننا النظام الداخلي من بعث أقسام (حفظ ذاكرة الرابطة، المرأة، الاتّصال…)
بخصوص أولوياتنا، نحن نعمل على مأسسة العمل. الرابطة في الأصل منظمة حقوقية خاضعة لقانون الجمعيات جمعيّة ولكن بموجب دورها وموقعها وطبيعة مهامها تحتاج لقواعد عصرية في النشاط، واقعها الحالي يجعلنا نقر بأن نشاطها لا يحتكم للعمل المؤسّس ولإدارة تنفيذية. وعملنا في المستقبل سيكون وفق خطط علميّة ومختصّ، ليسهل علينا التدخّل الفوري والناجع والملائم.
زيادة على النظام الداخلي، المجلس الوطني سيصادق على وثيقة التوجهات المستقبليّة للرابطة التي ستمثل أرضية النضال الرّابطي ومدخلا للتدريب للمنخرطين الجدد هذا إضافة إلى الجانب الاتّصالي، ونأمل أن نلمس نتائجه في القريب العاجل.
“صوت الشعب”: العدد 227
حاوره: شريف خرايفي