نحن نعرف أنّكم تتساءلون في كلّ يوم: من أين يأتيهم الإلهام؟
سنخبركم: آلامنا هي التي تتبخّر في كلّ مرّة لتصير غيوما، وتنزل قصائد وأغنيات
هذا هو مصدر إلهامنا، وهو لا يأتينا على شرفات النّزل الفاخرة المطلّة على المحيط، ولا يأتينا في أرائك صالونات الثّقافة التي لا يعرفها البسطاء وعمّال “الحْزام”، ولا يأتي من مقال مدفوع الأجر يكتبه ناقد تحت الطّلب وتنشره جريدة صفراء
الإلهام عندنا يأتي من شقوق البيوت المتداعية في حيّ مظلم، ومن آهة ضعيفة آخر اللّيل من عامل نظافة، ومن حنجرة طالب يرفع شارة النّصر في وجه القمع، ومن تمايل سنبلة مع أنفاس فلاّح ظمآن، ومن حشرجة مكتومة في صدر بائع المناديل الورقيّة… أو من أيّ شيء تخلّفونه خلفكم دون أن تعيروه اهتماما..
ليس لأنّنا لم نستطع أن نصعد إلى الشّرفة الفاخرة مثلكم، بل لأنّنا لا نريد.
لأنّنا اخترنا روح الفنون الصّافية المنحازة للعمّال والفلاّحين والمهمّشين في هذا العالم..
لذلك سنكمل حياتنا هكذا: نكتب حكاياتهم البسيطة على فايسبوك
نكتبها بالدّهان على الحيطان المتداعية، وبسكّين مقصّ الأظافر على جذوع الأشجار وبأسناننا وبالحجارة والمنيّ والبول والرّيق البارد وعصيّ الرّعاة…
سنكتب بدخان السّجائر كما يفعلون في الرّسوم المتحرّكة، سنكتب بالغيوم البيضاء التي تبعثرها الطّائرات، سنكتب بأصابعنا البردانة على واجهات البلّور بعد أن ننفخ عليها بعض البخار من بين شفاهنا المشقّقة، سنكتب بالوشوم على أجسادنا النّحيلة
سنكتب بالقمح الذي نزرعه كلّ عام في سمرة أراضينا
سنكتب بتجاعيدنا إن لزم الأمر
سنكتب بأيّ شيء تخلّفونه خلفكم
فاتركونا وشأننا إذا…
خذوا كلّ أوراقنا وأقلامنا إن شئتم، وظلّوا هناك..
شرفاتكم العالية التي تفاخرون بها اليوم، ستسقط ذات يوم.
وليد التليلي:
صوت الشعب: العدد 227