اعتبر الجيلاني الهمامي عضو مجلس الشعب عن الجبهة الشعبية في حوار خص به الصباح أن رئيس الجمهورية عندما تكلم عن مسألة عودة الإرهابيين من بؤر التوتر لم يتكلم بصفة اعتباطية، وإنما نتيجة علمه بمفاوضات ونقاشات جارية، علما أن الجبهة الشعبية ترفض عودتهم وتطرح أن يندرج النقاش في المسألة في إطار المؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب قصد تحديد المسؤوليات، أي من كان وراء تسفير هؤلاء الشباب؟
من جهة أخرى اعتبر الهمامي أن حكومة الوحدة الوطنية هي رهينة حدث سياسي كبير يقع بصفة فجئية في تونس حتى تنهار مؤكدا في السياق ذاته ضعفها وعجزها، وفيما يلي نص الحوار:
*خلقت مسألة عودة الإرهابيين من بؤر التوتر جدلا واسعا كيف تنظر إلى المسألة؟
-هذا الموضوع ليس تونسي بحت، عودة الإرهابيين تهم أكثر من بلدبالنظر للتحولات الجارية في منطقة الشرق لاسيما في سوريا والعراق. على الميدان هناك عودة للانتصارات تحققها الجيوش النظامية في سوريا وفي العراق. فالنزاع المسلح الموجود في سوريا يذهب باتجاه حل جديد وهو محل تفاوض الآن بين القوى العظمى. وهناك نية لطي صفحة النزاعات في هذين البلدين وفي إطار الصفقة العامة هنالك نقطة هامة ألا وهي معالجة ملف المجموعات الإرهابية التي تم استقدامها من بلدان العالم أجمع للقتال.
لا بد من حل لهؤلاء وسيقع تبعا لذلك إلقاء المسؤولية على الشعوب. ورئيس الجمهورية عندما تكلم عن المسألة لم يتكلم بصفة اعتباطية، وإنما نتيجة علمه بمفاوضات ونقاشات جارية وتصريحه كان بمثابة جس نبض. الجبهة الشعبية ترفض عودة هؤلاء ولابد أن تطرح المسألة وتناقش في إطار المؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب لتحديد المسؤوليات:أي من كان وراء تسفير هؤلاء الشباب؟
*اعتبرت بعض الأطرافأن تصريح راشد الغنوشي حول عودة الإرهابيين (اللحم إذا نتن عليه باماليه) من بؤر التوتر مستفزا كيف ترى موقف الحركة من عودة الإرهابيين؟
-هذه التصريحات تندرج في إطار توجه المخاتلة لتمرير الملف وتقديمه بهذا الشكل الذي يعتمد على الأمثال الشعبية التي تظهر وأنها أمثلة بريئة لكنها في حقيقة الأمر مشحونة برأي سياسي إيديولوجي. بلغة أخرى لتبرير وتشريع عودة هؤلاء لمجرد أنهم أبناء هذا الوطن حتى يقع صرف النظر على حجم المعاداة وحجم الخراب والتدمير الذي يضمره هؤلاء الأشخاص للوطن.
نحن لا نستغرب مثل هذا التصريح من راشد الغنوشي الذي يأتي في سياق كل التصريحات التي أدلى بها فيما يتعلق بالإرهابيين على غرار أنهم حملة ثقافة جديدة للبلاد. هذا التصريح تبريري، لتمرير والتخفيف من حدة ومن خطورة عودة هذه المجموعات إلى تونس.
*نحتفل بعد غد بمرور ست سنوات على الثورة برأيك لماذا بقيت دار لقمان على حالها: أين الإشكال لماذا لم يتحقق شيئا من الشعارات التي رفعت على حد تأكيد البعض؟
-من الواضح انه لم يتحقق شيئا لأنه تم الغدر بالثورة مباشرة بعد القيام بها. المنعرج الخطير والحقيقي بدأ منذ انبعاث هيئة بن عاشور التي وضعت أسس الانحراف الحاصل في البلاد بصورة كلية، لنقف على أن الحصيلة بعد ست سنوات هو هامش من الحريات بات اليوم مهددا. كما أن الشعارات التي طرحت والتي كانت ذات مضمون اقتصادي واجتماعي لم يتحقق منها شيء بل بالعكس فالبلاد تسير في الاتجاه المعاكس، والنتائج نلمسها في نسب البطالة التي ارتفعت،كما زادت معدلات الفقر والتهميش في الجهات فضلا عن أن الخدمات العمومية تردت أكثر كما زادت الأزمة الاقتصادية حدة. اليوم البلاد أضحت في عجز حقيقي، فحتى لو توفرت اليوم الإرادة في شخص ما لتجسيم مطالب الثورة فان هناك اليوم صعوبة في تطبيقها.
*هل أن المسؤولية يتحملها صناع القرار؟
-طبعا بدءا من حكومة الباجي قائد السبسي، فالخيط الرابط بين جميع الحكومات هو اختيارات اقتصادية اجتماعية للمنظومة القديمة التي تحاول بطرق شتى ومتنوعة أن تطبق تلك التوجهات التي كانت سببا في اندلاع الثورة وبأشياء أكثر افتضاحا. فالهرولة اليوم نحو المديونية ونحو خدمة مصالح فئات ضيقة في البلاد وعصابات مالية اقتصادية أكثر مما كان حاصلا في عهد بن علي، جعل المنظومة السياسية الحاكمة منذ حكومة الباجي قائد السبسي إلى اليوم هي المسؤولة عن ذلك.
*هناك جبهة سياسية اليوم بصدد التشكل تضم كل من حركة مشروع تونس والاتحاد الوطني الحر وبعض قيادات حركة نداء تونس: كيف تنظر إلى هذا الالتقاء لاسيما أن بعض الأطراف تتوقع فشله لان التقاءهم ليس على نفس البرامج وإنما لغاية معينة؟
-المشهد السياسي بصفة عامة لم يستقر بعد ويعيش حالة من الضبابية الكبيرة ومازالت القوى السياسية جميعهاتبحث على كيفية تنظيم صفوفها. هذه الأحزاب تسعى إلى التوحد من اجل بعث قطب سياسي كبير يؤثر في البلاد ولكن اعتقد أن مثل هذه المحاولات مآلها الفشل لسبب بسيط وهو انه في السياسة قبل أن تبحث مع من ستتحالف وتتفق ينبغي أن تبحث حول ماذا سيتم الاتفاق؟. المعمول به في هذه الحالة هو العكس تماما.
*يرى بعض المتابعين للشأن العام أننا نحتاج اليوم إلى تشكيل جبهة سياسية تطرح نفسها كبديل في ظل انحصار المشهد السياسي على قوتين هما النهضة والنداء ما رأيك؟
-نحن نحتاج اليوم إلى برنامج اقتصادي اجتماعي وإلى مشروع بديل وليس إلى تحالف سياسي، فمفتاح الإشكال له طابع مضموني ولا يتعلق بكم الأحزاب والمجموعات التي ستتفق مع بعضها.
*ما رأيك في أداء حكومة الوحدة الوطنية؟
-أداؤها لا يختلف في شيء عن أداء الحكومات السابقة حتى أن أداءها يعتبر أضعف من حكومة الحبيب الصيد رغم أنها طرحت نفسها كبديل لنقائص الحكومات السابقة. بعد تقريبا نصف سنة من العمل هذه الحكومة لم تتقدم شيئا في الإشكاليات الكبرى لا في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي، أما سياسيا فقد بقيت الحكومة تقريبا هي هي، إذ لم تنجز شيئا. وضعف أدائها كان متوقعا بحكم تركيبتها ومنطلقاتها فهي حكومة فاشلة وعاجزة.
*يتوقع البعض أن عمر هذه الحكومة سيكون قصيرا مقارنة بسابقاتها ما رأيك؟
– نعم صحيح، هذه الحكومة هي رهينة حدث سياسي كبير يقع بصفة فجئية في تونس حتى تنهار.
* عقب اغتيال الشهيد محمد الزواري تعالت بعض الأصوات من الجبهة الشعبية مطالبة بتجريم التطبيع مع إسرائيل كرد فعل على هذه العملية أليس ذلك من المفارقات لاسيما أن المجلس نفسه هو الذي رفض تجريم التطبيع؟
-لأن المجلس هو مؤسسة تنعكس فيها الأحزاب والمكونات السياسية الموجودة في تونس. الأحزاب السياسية التي هي ضد تجريم التطبيع منذ فترة التأسيسي تمسكت بموقفها، وقد انضاف إليها نداء تونس الذي له نفس التوجه. واعتقد أن تونس بعد الثورة أصبحت مرتعا لعديد المؤسسات الاستخباراتية الأجنبية ليس فقط الموساد الصهيوني.
الائتلاف الحاكم في سياسته الخارجية ليس صاحب القرار السياسي وغير قادر، من موقع ضعف وخوف على اتخاذ هذا القرار السيادي، واعتقد أن الكثير منهم في أعماق أعماقه ومن الناحية الأخلاقية يحبذ مثل هذا القرار لكن مصلحته السياسية تحول دون تنفيذ مشاعره.
*لا يزال ملف اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي يراوح مكانه وهناك تصريحات من بعض نواب الجبهة تعتبر أن بعض الأطراف السياسية سعت لطمس حقيقة الاغتيال إلى أين تسير الأمور؟
-الباجي قائد السبسي في آخر تصريح له اعتبر أن حركة النهضة لديها معلومات عن اغتيال الشهيد شكري بلعيد، واعتقد أن تصريح رئيس الجمهورية بدأ يلامس الحقيقة، ولكن المطلوب منه أن يكون في مستوى الوعود التي قدمها وأن يكون وفيا لتلك الوعود. هو وعد بأن يتحمل مسؤوليته في كشف الحقيقة حول اغتيال الشهيد شكري بلعيد لماذا اليوم يقدم عشر الحقيقة؟
رئيس الجمهورية يعرف أن حركة النهضة لديها صلة ما باغتيال الشهيد بلعيد ويعرف انه على مستوى القضاء هناك آليات تشتغل لطمس الحقيقة.
* تجزم بعض الإطراف أن من يحكم اليوم هي حركة النهضة، ما رأيك؟
-حركة النهضة هي جزء من الائتلاف الحاكم وقد تغلغلت فعلا في الإدارة وفي الكثير من فعاليات الدولة وتمارس في ضغوط كبيرة لتعطيل وفرض بعض القرارات كما تمارس في ضغوطها على نداء تونس في ضوء المشهد السياسي العام من أجل أن يدوم هذا الائتلاف ويتواصل.
ونداء تونس يسكنه خوف شديد من حالة الفراغ أي أن يخرج من الحكم فهو مضطر اضطرارا رغم انفه أن يبقى تحت سلطة حركة النهضة، وبهذا المعنى نعم حركة النهضة تتحكم في القرار السياسي.
*ترى بعض الأطراف أن الجبهة الشعبية قد تقلصت شعبيتها وقد حادت عن أهدافها ويحمّل البعض المسؤولية في ذلك للناطق الرسمي باسم الجبهة حمة الهمامي حيث يرون أن رصيده قد تآكل بسبب تبنيه نفس الخطاب،هل توافق هذا الطرح؟
-لا القضية ليست قضية خطاب، الجبهة الشعبية لم تغير أهدافها العامة، الجبهة تنادي بإجراء تغيير عميق في البلاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ومازالت تشتغل على تلك الأهداف. يمكن أن تكون شعبية الجبهة قد تقلصت قليلا رغم انه لا وجود لمؤشرات أو أرقام تؤكد ذلك. الجبهة في ضوء مصاعب المشهد السياسي العام لم تتقدم كثيرا لديها عاهة تنظيمية داخليا فهي لم تتوصل إلى حد الآن إلى تنظيم صفوفها كما ينبغي حتى تنطلق في العمل الميداني مع عموم الشعب. خطاب الجبهة ليس سببا في الصعوبات التي تعترضها فهي لا تمتلك خطابا شعبويا وإنما هو خطاب مبني على برنامجها. قضية الخطاب هي مسألة تفتعل من أجل تشويه الجبهة ومهاجمتها.
أجرت الحوار: منال حرزي– الصباح 12 جانفي 2017