هل الإرهابيّ هو ذاك الذّي قاتل وقتل فقط؟ أم أنّه أيضا ذاك الذّي ساند وأمدّ بالمال والغذاء والدّعم الفنيّ والتقنيّ والأدبيّ والروحيّ؟
هناك انخراط هادئ في برنامج دوليّ يسعى إلى الحفاظ على “نواة” الإرهاب الدّاعشيّ محميّة في ثلاّجات النّظم العربيّة العميلة
من أشرف على تخزين الأسلحة هو نفسه الذّي أشرف على معارك في سورية والعراق وهو نفسه من أشرف على تسفيرهم من تونس ومن سيعيدهم إليها
من ضمن مكامن الفروق بين المسائل الاستراتيجية وتفاصيل السير اليومي لحياة المجتمعات، هو أنّ حلّ الإشكاليّات الاستراتيجية لا يتمّ عبر الاكتفاء بتطبيق النصّ القانونيّ خارج السياق العام للإشكاليّة المطروحة.
وبالحديث عن موضوع رجوع الإرهابيّين، علينا ألاّ نكتفي بتقديم تلك الإجابة الجافّة التّي تعرض بكلّ بساطة أنّ هؤلاء سيطبّق عليهم قانون الإرهاب من قبل المحاكم التونسيّة. فهذه نصف إجابة لسؤال عظيم ومخيف: هل يمتلك القضاء التونسيّ، أو هل هو قادر على امتلاك أيّ صنف من المؤيّدات والحجج التّي يمكن بواسطتها إدانة هذا أو تبرئة ذاك أو تنسيب الإدانات والبراءة تجاه هذا وذاك، بخصوص أفعال حدثت أو لم تحدث في سوريّة…تلك الأرض التّي لا سلطان لقضائنا عليها ولا علاقة ديبلوماسيّة لنا معها ولا تعاون قضائيّ أو أمنيّ يجمعنا بسلطاتها؟
الإجابة هي حتما بالنّفي. وحين يمثل الإرهابيّون العائدون أمام القضاء التونسيّ، والحال تلك، ما هي نوعيّة الأحكام التّي ستصدر غير تلك المخفّفة للعقوبات أو المبرّئة؟
وهذا بالذّات ما يدركه قادة مونبليزير الذّين يزوّدون أتباعهم بتبريرات تجعلهم يتناولون موضوع الإرهابيّين العائدين بنسبيّة يزعمون إلحاقها بمبادئ حقوق الإنسان البريئة تماما ممن أجندتهم. كلّ ذلك يحصل رغم إدراكهم الواعي بأن لا شيء يجعلنا نعفي حتّى عن البعض من هؤلاء الإرهابيّين بما أنّ مجرّد التوجّه إلى سوريّة من أجل الإلتحاق بإحدى الجماعات هناك صار جرما لا حجّة تنفيه.
وسوف يجيبون بأنّ للقضاء قول فصل في إدانة هذا أو تبرئة ذاك…وهل للقضاء حجج يمكن له أن يعتمد عليها -هنا في تونس-غير حجّة السّفر إلى ميادين القتال أو عدمه؟ هل الإرهابيّ هو ذاك الذّي قاتل وقتل فقط؟ أم أنّه أيضا ذاك الذّي ساند وأمدّ بالمال والغذاء والدّعم الفنيّ والتقنيّ والأدبيّ والروحيّ وصولا إلى مجرّد الدّعم بالحضور وإعمار المناطق التّي تمّ ترحيل أهلها الأصليّين لإعطاء مشروعيّة إقامة “الدولة الإسلاميّة” لشعب “مسلم” على أرض “بلا شعب مسلم”.
لا تبرير لطروحات قادة حركة النّهضة في هذا الموضوع غير الإنخراط الدّفين صحبة رئيس الجمهوريّة وأتباعه في أجندة الغرب الرّامية إلى إبقاء مسار الثّورة التونسيّة تحت سياط النّظام القديم-الجديد العميل وسيوف المنظومة الظّلاميّة المرتمية بين أحضان من تدّعي محاربتهم.
وفي هذا الإطار أيضا يأتي تلويح رئيس الجمهوريّة بأنّ المجال لا يزال مفتوحا للتعامل مع الإرهابيّين العائدين من سوريا بصيغ غير تلك التّي تحشرهم في سجون العدالة التونسيّة، الأمر الذّي يزيد من فضح الإنخراط الهادئ في برنامج دوليّ يسعى إلى الحفاظ على “نواة” الإرهاب الدّاعشيّ محميّة في ثلاّجات النّظم العربيّة العميلة، إلى حين الضغط مرّة أخرى على زرّ إعادة الحياة إليها عند الحاجة المستقبليّة إلى ذلك.
المهمّ في كلّ هذا، هو أنّ الإرهابيّين العائدين من سورية تمرّسوا على القتال كما لم تتمرّسه قواتنا النّظاميّة، لأنّ مجالات التدريب النّظريّ لا يمكن أن ترقى إلى ما يمكن أن تقدّمه ميادين القتال الفعليّ من خبرة التعامل مع السلاح والدّم والمناورة. ولنا أن نتخيّل ما وصل إليه الارهابيّون التونسيّون العائدون من إتقان لفنون حرب الشّوارع وتكتيكاتها بعد سنوات من المواجهة اليوميّة مع أحد أشرس الجيوش العربيّة (مقارنة بنظرائه العرب طبعا).
هؤلاء، وقبل عودتهم، سيحفظون عن ظهر قلب الخرائط المؤدّية لمخازن الأسلحة المدفونة هنا وهناك في تونس. لأنّ من أشرف على التخزين هو نفسه الذّي أشرف على معاركهم في سورية والعراق وهو نفسه من أشرف على تسفيرهم من تونس ومن سيعيدهم إليها…أي أنّهم في تواصل معه. وعندما تحين ساعة الصّفر الجديدة وانتهاء المحاكمات إلى التبرئة أو العقوبات المخفّفة، سيتوجّه كلّ إرهابيّ -غير مسجون أو خارج لتوّه من السّجن- إلى نقطة تخزين الأسلحة ليتزوّد منها بما طاب له قبل الانتشار في شوارعنا جاهزا متمرّسا مطمئنّا.
هذا هو السيناريو الذّي علينا التّحضير لمواجهته ونحن نتحدّث عن عودة الإرهابيّين العائدين من خارج الحدود، فالمسألة على غاية من التعقيد والخطورة.
وليد سلامة