في كل عام، ما أن تتهاطل الأمطار والثلوج في منطقة الشمال والوسط الغربي، وخاصة في ولاية جندوبة، حتى تتحول هذه النعمة إلى نقمة، وتحل المصائب والكوارث. ففي هذه السنة ماتت الطفلة رانيا نتيجة البرد، وانقطعت الطرقات، والمسالك وعزلت القرى المجاورة لعين دراهم وفرنانة وغيرهما من المدن وافتقد السكان لأبسط الضرورات التي تمكنهم من مواجهة البرد.
لقد كانت موجة تهاطل الثلوج هذه السنة معلومة مسبقا. ومع ذلك حصل ما يحصل كل عام ولم تتخذ الحكومة الاحتياطات المناسبة، بل إنها تحدثت كما تحدثت الحكومات السابقة عن ضعف الإمكانيات والصعوبات، ولجأت إلى تقديم بعض الفتات للأهالي بعنوان “المساعدة”، في انتظار سنة جديدة وكوارث أخرى يذهب ضحيتها الفقراء.
إن المشكل كله ليس في تهاطل الأمطار والثلوج، خاصة إذا كانت كمياتها معقولة، بل إن الأمطار والثلوج في هذه الحالة، من المفروض والمنطقي أن تكون، كما قلنا أعلاه، نعمة للفلاحة، وحتى للسياحة، وإنما المشكل كله في السياسة العامة التي تسلكها الرجعية الحاكمة والتي تجعل بلدنا عاجزا عن مواجهة أبسط التحديات.
فمن جهة لا توجد بنية تحتية صلبة، (طرقات، جسور…) ولا تجهيزات متطورة للتدخل في الوقت المناسب وبالنجاعة المطلوبة ولا مواد كافية لتغطية حاجات الأهالي من غاز وحطب، ومؤونة وأغطية وأدوي. ورغم أن السلطات على علم بكل هده المشاكل التي تتجدد كل سنة، فإنها لم تفكر في معالجة الأمر جذريا، وظلت تتعامل معها بشكل ظرفي وسيء للغاية دون مراعاة لمعاناة السكان.
ومن جهة أخرى، فإن ما يزيد الطين بلة، هو البؤس الاجتماعي الذين يعيش فيه أهالي منطقة جندوبة وكامل منطقة الشمال الغربي، بسبب تفاقم البطالة والتهميش وغلاء الأسعار، بما في ذلك غلاء أسعار الحطب المستعمل للتدفئة (المتر ب 6.500د) وسوء التغذية والخدمات الصحية والتربوية، والحالة السيئة للمساكن، والطرقات والمسالك، وهو ما يجعل الأهالي في حيرة من أمرهم كل سنة، مع اقتراب فصل الشتاء.
وسواء تعلق الأمر بالمستوى الأول أو بالمستوى الثاني، فإن المسؤولية كلها تعود إلى نظام الحكم، وإلى اختياراته الطبقية، الاجتماعية، التي تخدم مصالح الأقلية الثرية من المجتمع كما تخدم مصالح جهات معينة دون جهات أخرى، وتهمل مصالح غالبية المجتمع والجهات، بحثا عن تكديس الأرباح بأيسر الطرق وفي أسرع وقت ممكن. وهذا الواقع الذي كان سائدا قبل الثورة، استمرّ بعدها لأن السلطة الفعلية، الاقتصادية والسياسية، ظلّت بيد الرجعية.
إن ولاية جندوبة، مثلها مثل ولايات الشمال الغربي الأخرى، تزخر بالثروات الطبيعية والطاقات البشرية، القادرة على أن تجعل منها جهات متطورة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وبالتالي فإن ما تعيشه من بؤس وفقر وتخلف، ليس قضاء وقدرا، وإنما هو نتاج طبيعي لسياسات واختيارات سطّرها البشر لخدمة مصالح فئوية ضيقة.
ومن هذا المنطلق فإن ما تعيشه منطقة الشمال الغربي، وغيرها من مناطق البلاد من أتعاب وأوجاع، سيتواصل طالما أن نفس السياسة متواصلة، ونفس الأقلية الطبقية، باقية في الحكم. إن نفس الأسباب تعطي دائما نفس النتائج، مهما كانت المساحيق التي تطلي بها هذه الأقلية سياساتها واختياراتها، حسب الظروف والأوضاع.
وبالطبع فإن هذا لا يعني “تكتيف اليدين” وانتظار التغيير وكأنه سيسقط من السماء، بل لا بد من العمل من أجل التسريع به، وهو ما يقتضي من حزبنا ومن الجبهة الشعبية، مزيد الالتصاق بهموم الشعب لتحسين أوضاعه اليومية من جهة ولفّه من جهة أخري حول برنامجهما الذي من شأنه ان يحدث التغيير الجوهري المنشود ويحول استحقاقات الثورة الي واقع ملموس.
ان الثورة التي قام بها الفقراء ينبغي ان تعود ثمرتها الي الفقراء.