ما إن انقشع غبار معركة 07 مارس 2016 وانطفأت عدسات الكاميرات التي غطّت زيارة رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية وأعضاء الإئتلاف الحاكم حتى عادت العزلة والنسيان لتلف بن قردان ومشاغلها التنموية وتتبخر الوعود التنموية التي وزّعتها حكومة الإئتلاف الرجعي الحاكم جزافا في خضم حمى “كلنا بن قردان”.
بن قردان؛ اعتصام يخفي اعتصاما آخر
عادت بن قردان إذن لتواجه مصيرها المحتوم بمعبر رأس جدير الخاضع لأهواء وموازين القوى بين الفصائل الليبية المتصارعة في الغرب الليبي ومصالح بارونات التهريب الموزعة على كامل تراب الجمهورية والمتركزة بالمعابر البحرية والبرية والجوية وما التّركيز على معبر رأس جدير في رسم خارطة التهريب في بلادنا سوى محاولة لجعل بن قردان الشّجرة التي تخفي غابة التهريب والفساد الممتدّة على كامل مساحة البلاد والتي تنخر مختلف دواليب الدولة وأجهزتها.
ما إن تيقّن مواطنو ومواطنات بن قردان من زيف الوعود التنموية للائتلاف الرجعي الحاكم ومن الخلفية الدعائية الفضفاضة لزيارات مسؤوليه إلى الجهة حتى أطلقوا اعتصام “سيب بن قردان تعيش” منذ يوم 28 نوفمبر 2016 احتجاجا على منع السلطات الليبية التجار التونسيين من التزود بالسلع والبضائع والدخول بها إلى الأراضي التونسية، على الإتاوة المفروضة على التونسيين من الجانب الليبي رغم إلغاء الحكومة التونسية للإتاوة المفروضة من جانبها على الليبيّين ووضع حدّ للمعاملة المهينة التي يتعرّض لها التونسيون في القطر الليبي.
ومما زاد الوضع احتقانا حسب عادل ناجي الناطق الرسمي باسم الاعتصام “غياب التفاعل الجدي والمسؤول مع مطالب الجهة من قبل السلط الجهوية والمركزية رغم مرور أكثر من شهر ونصف على انطلاق الاعتصام وأكثر من ثمانية أشهر على غلق معبر رأس جدير من الجانب الليبي”.
غياب الدولة يفسح المجال أمام “الديبلوماسية الخاصة”
أمام عجز الدولة الذي أصبح مزمنا وغياب الرؤية الاستراتيجية في التعامل مع الوضع الليبي تكثفت المبادرات الفردية والجمعياتية للتواصل مع الجانب الليبي ممّا عمّق أزمة الثقة بين متساكني المناطق الحدودية والدولة التي تتحمّل كامل المسؤولية في دفع مواطني ومواطنات هذه المناطق إلى البحث عن حلول لمشاكلهم خارج إطار الدولة التي أمعنت في ظل الحكومات الرجعية المتعاقبة بعد الثورة في التسويف والوعود والتعامل مع هذه المناطق كخزان انتخابي لا غير، ومن بين هذه المبادرات الفردية مبادرة النائب عن حركة النهضة أحمد العماري الذي يبدو أنه استغلّ شبكة علاقاته الممتدّة على جانبي الحدود، ولا سيما مع بعض الفصائل الليبية، للتوصّل إلى اتّفاق ينص على:
– السماح بمرور الأدوية والمواد الغذائية التونسية الصنع على أن لا تتجاوز قيمتها 1000 دينار تونسي.
– السماح بمرور المنتوجات الليبية الصنع أو المستوردة والوقود على أن لا تتجاوز كمّيته 150 لترا وعلى أن لا تتجاوز القيمة الجمليّة للسلع 4000 دينار ليبي.
كما تضمّن الاتفاق جملة من التوصيات المرفوعة للحكومتين الليبية والتونسية مثل؛
– إلغاء الجانب الليبي للإتاوة المفروضة على المسافرين التونسيين أسوة بالحكومة التونسية التي رفعت الإتاوة على المسافرين الليبيين منذ يوم 03 نوفمبر 2016.
– مطالبة الحكومة التونسية بإيجاد بديل عن تسجيل السيارات الليبية على جوازات سفر الليبيين.
– مطالبة الحكومة التونسية بإيجاد حل لجهاز التفتيش الآلي “السكانار” الذي تم تركيزه بالمعبر منذ شهر جوان الفارط بتكلفة 4,5 مليون دينار الذي مكّن الأسلاك الأمنية والديوانة التونسية من اختزال وقت تفتيش السيارات والتفتيش بدقة عالية.
لئن استبشر أهالي بن قردان ببنود الاتفاق التي تحاول تنظيم انسيابيّة السلع بالمعبر بين الترابين التونسي والليبي فإن التوصيات الواردة بالوثيقة لا سيما منها المتعلقة بالجانب الأمني والمرفوعة للحكومة التونسية تثير أكثر من سؤال يتعلق بمصلحة الأطراف الليبية في التخفيف من الإجراءات الأمنية في المعبر وجراح 07 مارس لم تندمل بعد وملابسات فرار الإرهابيين وفي مقدّمتهم سيف الله بن حسين إلى التراب الليبي لم تكشف بعد وشبكات تهريب السلاح وتسفير الإرهابيين إلى ليبيا ومنها إلى سوريا لا تزال غامضة بفعل فاعل سياسي يمارس الضغط من داخل الائتلاف الرجعي الحاكم لطيّ هذه الصفحات المؤلمة من تاريخ تونس .
إئتلاف يميني مفلس يصدّر أزمته ويعيد إنتاج أزمة المناطق والفئات المهمشة
يتيقن التونسيات والتونسيون يوما بعد آخر أن حكومة الإئتلاف اليميني الرجعي الحاكم بقيادة النداء والنهضة ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة الانقلاب على تطلّعات الشعب التونسي في الكرامة والعدالة الاجتماعية التي بلغت أوج توهجها في ثورة 17 ديسمبر _ 14 جانفي، فنفس السياسة المتوحشة تكشر عن أنيابها حينا في وجه احتجاجات المهمشين والمفقرين لتختفي حينا آخر أمام تصاعد وتيرة الإحتجاجات الشعبية لتحل محلها الإبتسامات الصفراء والخطابات المرتعشة التي تقر بشرعية المطالب وتشتكي من قلة الإمكانيات ودقة المرحلة مع بعض المدحيات في الثورة التونسية والهجائيات في الأطراف التي تساند هذه الإحتجاجات.
تقود حكومة يوسف الشاهد المراحل الأخيرة لتحويل البلاد التونسية إلى مجرد سوق للسلع و الخدمات و رؤوس الأموال التي غصت بها أسواق القوى الرأسمالية الكبرى في العالم و تتبجح بأنها تحقق نجاحا منقطع النظير في استقطاب الاستثمارات الأجنبية و تبشر جموع المعطلين والمفقرين بأن “الرخاء ينتظرهم في المنعطف الأول من الطريق” وبأن سنة 2017 ستكون سنة الإقلاع على حد تعبير رئيس الجمهورية الذي سبق وأن بشرنا بأن سنة 2014 ستكون سنة “الدوخة” من العجائب التي سينجزها حزبه ببرنامجه الذي سهر على إنجازه عشرات الخبراء وهي نفس الترهات التي سمعها الشعب من الحزب الفائز في انتخابات 2011، لتتكفل الوقائع والتجربة الملموسة بكشف حقيقة برامج الحكومات المتعاقبة بعد الثورة التي انتهجت نفس السياسات التي أودت ببن علي بل إنها قدمت من الخدمات والتنازلات للقوى الإمبريالية وملحقاتها الرجعية بالمنطقة ما لم يتجرّأ بن علي نفسه على تقديمه.
بعد سبات عميق استفاقت حكومة الإئتلاف الرجعي الحاكم لترسل وفدا وزاريا إلى بن قردان تعكس تركيبته مدى استهتار حكومة يوسف الشاهد بالمشاكل التي ما فتئت تدفع سكان المناطق الحدودية للاحتجاج فالفريق الوزاري يتكون من العناصر التي تم انتدابها من ساكن قرطاج لتكون الجهاز الدعائي لحكومة يوسف الشاهد وهو ما لمسه الرأي العام في كل أزمة تمر بها الحكومة ولا سيما خلال الأزمة الأخيرة مع الاتحاد العام التونسي للشغل ومع المحامين وما قدومهم إلى بن قردان إلا للعب نفس الدور ألا وهو امتصاص الصّدمات عوضا عن العمود الفقري لحكومة يوسف الشاهد النداء والنهضة.
ما يمكن أن نخلص إليه، أنّه على أهالي بن قردان وأشقّائهم بالمكناسي والرقاب وماجل بالعبّاس والرديف وسائر المناطق المهمشة، وعلى المعطلين عن العمل والمفقرين أن لا ينتظروا شيئا من هذا الإئتلاف الرجعي الحاكم الذي لا همّ له سوى تجريم المطالب الشعبية وتحميل تكلفة الأزمة للطبقات والجهات التي لا مسؤولية لها في اندلاعها، بقدر ما عليها أن تواصل نضالاتها وتميّز من هم أصدقاء الشعب ومن هم أعداؤه.
بقلم حبيب الزموري
صوت الشعب: العدد 229