مازال الجدل قائما في هذه الأيام حول المنشور عدد 4 الصادر عن رئاسة الحكومة في 16 جانفي الماضي المتعلّق بتقييد عمل الموظّفين الحكوميين في التصريح وتقديم المعطيات إلى الصحفيّين ويدفع إلى مخاوف حقيقية من إعادة تشييد جدار الخوف الذي سقط إثر 14 جانفي 2011 والحدّ من حرية التعبير التي يعتبرها العديد المكسب الحقيقي المتبقّي إلى حد الآن.
ولم يأت البلاغ التوضيحي ليوم 27 جانفي، بجديد إذ قالت رئاسة الحكومة فيه أنه لا يعدو سوى تنظيما وتيسيرا لعمل الصحفيّين وأنها لن تمسّ بأي حال من الأحوال بحريّة التعبير، وأن هذا المنشور لا يعدو سوى “تذكير بما تتضمّنه مدوّنة سلوك وأخلاق العون العمومي الصادرة سنة 2014” والتي تمنع الموظّف من تقديم أية معلومة تخصّ مهمته دون إذنٍ مسبق من رئيسه المباشر.
زياد دبار: تحرّكات قادمة في صورة عدم سحب المنشور
وحول هذا المنشور قال زياد دبار عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين لصوت الشعب إنّ موقف النقابة يبقى واضحا وهو المطالبة بسحب هذا المنشو، كما أضاف أنه وبغضّ النظر عن وجوده منذ مدّة فهنالك إشكاليتان قانونية وأخلاقية وتتمثل الإشكالية القانونية في أنه يتعارض مع القانون الأساسي المتعلّق بالنفاذ إلى المعلومة على الرغم من أنه يبقى منشورا داخليا ليست له نفس قيمة القانون.
وأضاف “أمّا بالنسبة إلى الجانب الأخلاقي فهو يعيق عمل الصحفي مشكّلا ضربا لحرية التعبير ويأتي في هذا الإطار ما حدث يوم الثلاثاء 31 جانفي 2017 حيث أراد زملاء مراسلون بالقصرين القيام بعمل صحفي في المستشفى الجهوي للقصرين حيث رفض المدير مدّهم بالترخيص”.
الأمر الذي يستشف منه وجود عراقيل سببها هذا المنشور فإن كان هذا المسؤول على سبيل المثال سيرفض التعاون حتى يأذن له رئيسه المباشر الذي سيستشير بدوره من هو أعلى رتبة حتى نصل إلى الوزير الذي سيستشير بدوره رئيس الحكومة مما ينتهي بنا إلى حلقة مفرغة وعبثية.
عديد السياسيين لا يؤمنون بحرية التعبير
ولم ينفي زياد دبّار علاقة هذا المنشور بحادثة دخول الصحفي الصهيوني إلى تونس التي سيتحمّل مسؤوليتها الصحفيون التونسيون مضيفا “نحن نعرف ولنا قناعة تامة طبيعة عديد السّاسة التونسيين الذين لا يؤمنون بالديمقراطية ولا تمثّل حرية التعبير لهم سوى أداة لنقد الخصم إن كان السّياسي في المعارضة أو نقد المعارضة حال تواجده في الحكم ونحن ندرك أنه هنالك مشكل حقيقي في تعامل الحكومة مع حرية التعبير مع العلم بأن النقابة لم يتم الاتّصال بها للتوضيح”.
كما أكّد دبار أن هذا المنشور هو خطأ فادح صادر في توقيت سيّء جدا بعد تقدّم تونس في ترتيب مستوى منظمة الشفافية الدولية بالمقارنة مع 2015 و2016 التي تعتمد عدّة مقاييس منها النّفاذ إلى المعلومة، وصدور مثل هذا المنشور خطأ فادح على رئاسة الحكومة إصلاحه، ومشدّدا على أن النقابة ستقوم بتحركات قادمة إذا لم يتم سحبه.
محمد الهادي الطرشوني: صدور هذا المنشور في هذا الوقت يعتبر غباء ولخبطة
أما محمد الهادي الطرشوني الكاتب العام المساعد للنقابة العامة للإعلام فقد صرّح لصوت الشعب إن القانون هذا موجود ضمن مدوّنة سلوك الموظف العمومي ولم يكن الضوء مسلّطا عليه إعلاميا وكان على الحكومة قبل إصدار هذا المنشور أن تراجعه معتبرا حرية النفاذ للمعلومة حق لا يمكن التّنازل عنه يندرج ضمن حرية التعبير والصحافة التي تمّت دسترتهما، ويبقى الحق في النفاذ إلى المعلومة مضبوطا بقانون أساسي ممّا يعني أنه أعلى مرتبة من هذا المنشور الصادر.
وعقّب الطرشوني قائلا “الغريب أنه في نفس الوقت الذي يبحث في مجلس نواب الشعب إصدار تشريعات تخصّ حماية المبلّغين عن الفساد فإن رئاسة الحكومة تفاجئ الجميع ممّا يعكس نوعا من اللخبطة والغباء في صدوره في مثل هذا الوقت بالذات، علاوة أنّه يمسّ بأحد مبادئ مسار الانتقال الديمقراطي الذي بدأ منذ ستة سنوات ويمسّ من صورة الدولة التونسية التي قطعت أشواطا كبيرة في حرية النشر والتعبير”.
الصحفيّون لن يعودوا إلى مربّع ما قبل الثورة
وقال الطرشوني إن الكاتب العام للنقابة العامة للإعلام محمد السعيدي قد دعا الصحفيين على صفحته على الفايسبوك، إلى عدم التعامل مع هذا المنشور الآن مضيفا أن الصحفيين لن يرضوا بالرجوع إلى مربع ما قبل الثورة ولن يرضوا بالتنازل عن حقهم إلّا أن الحذر واجب وعلى المجتمع المدني الوقوف ضدّ هذا المنشور، كما يجب على الحكومة مراجعة موقفها، معتبرا أن التوضيح الذي قدّمته هو جزء من اللخبطة لم يأت بجديد وكان من الأحرى عدم إعادة إظهار هذا المنشور وأن تجلس مع الهياكل المهنية الممثّلة للقطاع والمجتمع المدني للنظر فيه خصوصا وأنه منشور سابق من 2014 قائلا “نحن مع التنظيم ولكن دون المسّ من حرية التعبير وحرية الصّحافة والنشر”.
منشور مخالف لقانون الحق في النّفاذ للمعلومة
يذكر أن هذا المنشور يتنافي مع القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرّخ في 24 مارس 2016 المتعلّق بالحقّ في النفاذ إلى المعلومة الذي ينصّ أن “هذا القانون يهدف إلى ضمان حقّ كلّ شخص طبيعي أو معنوي في النفاذ إلى المعلومة”.
كما ذكر نفس القانون أنه “لا يمكن للهيكل المعني أن يرفض طلب النفاذ إلى المعلومة إلاّ إذا كان ذلك يؤدّي إلى إلحاق ضرر بالأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية فيما يتصّل بهما أو بحقوق الغير في حماية حياته الخاصة ومعطياته الشّخصية وملكيّته الفكرية”.