إن ما يفسّر حدّة ردود الفعل المذكورة، من القوى الديمقراطية والتقدّمية، هو ما حفّ بهذا التّحوير الجزئي للحكومة من تصريحات وما صاحبه من تعيينات. وهنا نقصد ما جاء في تصريحات يوسف الشاهد وقبله تصريحات وزيرة المالية من نيّة واضحة في التّسريع بنسق تنفيذ الإجراءات التقشّفية المعادية للشعب والوطن التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والتي من شأنها أن تعمّق التّبعية والبطالة والفقر والبؤس في صفوف الطبقات والفئات الكادحة والشعبيّة. كما نقصد ما تمّ من تعيين لأحد أعضاء المكتب التنفيذي لنقابة الأعراف، لتعويض الوزير المُقال، على رأس وزارة تُعنى بالوظيفة العمومية وبالمؤسّسات العمومية، الأمر الذي لا مغزى له سوى توجّه الحكومة، ومن ورائها الائتلاف الذي يدعمها، نحو تكريس ذلك التوجّه الخطير. فـ“الزنقة وقفت بالهارب”، كما يقول المثل الشّعبي، ولم يعد أمام هذه الحكومة العاجزة والفاشلة سوى التّكشير عن أنيابها والمضيّ قدما في تكريس خياراتها المعادية للشعب والوطن بشكل فجّ ودون مساحيق حتى يرضى عليها أولياء نعمتها الذين يحدّدون لها ما تفعل وما لا تفعل، خدمة لمصالح لوبيات الفساد والتّهريب في الداخل والشّركات والمؤسّسات المالية في الخارج.
وما من شك في أنّ هذا التوجّه لن يحلّ الأزمة بل سيعمّقها كما بيّن حزبنا والجبهة الشعبية ذلك أكثر من مرّة. وما من شكّ أيضا بأن هذا التوجّه سيوسّع دائرة الغضب الشّعبي بسبب النتائج الاجتماعية الكارثيّة المنجرّة عنه سواء في مستوى التشغيل أو المقدرة الشرائية أو الخدمات الصحية والتربويّة ومختلف المرافق العمومية الأخرى. وهو أمر نلحظه كل يوم، فالاحتجاجات الاجتماعية تتكاثر وتتصاعد وتيرتها في مختلف الجهات، ولا يجد الفريق الحاكم من جواب على هذه الاحتجاجات غير عصا القمع، وهو ما من شأنه أن يغذّي النقمة ويدفع نحو انفجارات أقوى وأشدّ كما حصل في الماضي وأدّى إلى ثورة 17 ديسمبر 2010 ـ 14 جانفي 2011 التي يعمل الائتلاف الرجعي الحاكم على الالتفاف عليها وعلى ما حقّقته من مكاسب خاصة في مجال الحرّيات.
وأمام هذا الوضع فإنّ المسؤولية كلّها تُلقى على عاتق القوى الديمقراطية والتقدمية، السياسية والاجتماعية، لتتصدّى لهذا النهج الخطير الذي يسلكه الائتلاف الحاكم لمزيد رهن البلاد لدى الدوائر الأجنبية الاستعمارية وتعميق الفقر والبؤس في صفوف الطبقات والفئات الكادحة والشعبية والالتفاف على مطالبها المادية والمعنوية، والرّجوع بالبلاد إلى مربّع القمع والاستبداد.
وبالطّبع فإنّ الجبهة الشعبية التي يمثّل حزبنا، حزب العمال، أحد مكوّناتها الأساسيّة، هي المطالبة أولا بتحمّل مسؤوليتها التاريخية في مثل هذا الوضع. إن المجال مفتوح أمام الجبهة الشعبية التي ما انفكّت الوقائع تؤكّد صحّة مواقفها، وتكسبها ثقة متزايدة في صفوف الشعب، لتبيّن وتقتنع أنها الحامل للبديل الذي من شأنه أن يحقّق آمال الملايين من الناس الذين قاموا بالثورة ولكنهم ما زالوا لم يقطفوا ثمرتها. وهو ما يتطلّب من الجبهة الشعبية أن توفّر جملة من الشروط الأساسية: تحديد أهدافها العامة بشكل واضح، وتدقيق برنامجها ليقدّم الحلول الملموسة والمقنعة للأزمة التي تهزّ البلاد، وضبط سلوكها السّياسي اليومي مطالب وشعارات وأشكال نضال وتحالفات، والانخراط دون تردّد في النضال الاجتماعي والشعبي لنيل شرف قيادته بصورة فعليّة ولفّ غالبية الشعب حولها، أي الجبهة الشعبية، وحول برامجها، وهو الشرط الذي لا يمكن من دونه تحقيق أي تغيير فعلي لصالح بلادنا ومجتمعنا وشعبنا.
إن الوقت له، في هذا السياق، أهمية حاسمة، وعلى الجبهة الشعبية أن تتكيّف بالسّرعة المطلوبة مع متطلّبات الواقع، وأن تعدّل ساعتها على نسق تطوّره.