صوت الشعب صوت الحقيقة
تؤدّي المستشارة الألمانية “أنجلا ميركل” زيارة إلى بلادنا يوم 3 مارس، ومن المؤكّد وفق البرنامج الرسمي المعلن أنّ الوافدة ستحظى ببروتوكول يتجاوز الإطار المألوف لنظرائها من قادة دول عربية وغربية.
فزيادة عن مشاوراتها مع رئيس الحكومة وكذلك رئيس الجمهورية ستؤدّي زيارة إلى مجلس نواب الشعب يوم الجمعة القادم لإلقاء كلمة بالإمكان منذ الآن تحديد مضمونها الذي لن يخرج عن الاسطوانة الممجوجة للإشادة زيفا بـ”التجربة التونسية” والاستعداد لدعمها…
وبعيدا عن مثل هذه الادّعاءات وقناع التخفي وراء الانتصار لتونس وشعبها لا بدّ من الوعي بتوقيت هذه الزيارة وأهدافها الحقيقية والتّنبّه منذ الآن إلى نتائجها وآثارها على تطوّر الأوضاع ببلادنا ضمن محيطنا المغاربي والعربي.
فالسيدة “ميركل” ستحلّ ببلادنا يوما واحدا بعد زيارة مماثلة إلى الشقيقة “مصر” والملفت للانتباه أنّ جدول أعمال الزيارتين متطابق ولا يتجاوز حدود “التباحث في مسألة مكافحة الهجرة وعودة طالبي اللّجوء الذين رفضت مطالبهم…”
والملفت أيضا أنّ تنقّلها هناك وهنا وبمثل جدول الأعمال هذا ينمّ عن انشغال أوروبي واسع بهدف التّنصّل المخزي من تحمّل أعباء السياسات المدمّرة للدول الاستعمارية الكبرى بأوروبا وغيرها، ذلك أنّ تنامي ظاهرة الهجرة واتّخاذها هذه الأبعاد الكارثية في الوطن العربي وأفريقيا ومناطق أخرى من العالم ليست سوى نتائج مباشرة لسياسات القوى العظمى العدوانية القائمة على نهب ثروات الشعوب ودعم الإرهاب وشدّ أزر الأنظمة الفاسدة والعميلة.
والحقيقة أنّ زيارة بهذا العنوان ليست سوى تصديرا وقحا لمشاكل إضافية لبلدان تعاني أزمات اقتصادية خانقة وهزّات اجتماعية متنامية مثلما هو الحال في بلادنا ومصر أيضا. ومعلوم أنّ هذا التصدير يترافق مع تراجع خطير على مستوى القيم الكونية والقوانين الدولية والاتفاقات المبرمة المتعلقة بحقوق الإنسان وحسن المعاملة للمهاجرين وطالبي اللّجوء.
فجميع الوقائع تؤكّد بأنّ زيارة “ميركل” وطرحها لموضوع الهجرة ليس سوى مواصلة لمشاورات وقعت أثناء تنقّل يوسف الشاهد إلى ألمانيا منذ أسابيع قليلة إذ أُعلِن آنذاك أنّه رفض عودة 1500 مهاجر. والعودة السريعة إلى هكذا موضوع لا تجد تفسيرها إلاّ في إصرار المستشارة على تحقيق مطلبها والتّخلّص من الآثار السلبية لمعظلة “المهاجرين” على حظوظها في الانتخابات المرتقبة بألمانيا. فأهداف القدوم الحقيقي لـ”مركل” هو تحسين شروط بقائها وبقاء حزبها في الحكم والتناغم مع موجة العداء العنصري الفاشي المتنامي بأوروبا وأمريكا التي قدمت الانتخابات الرئاسية فيه باكورة “النجاح” من خلال استعمال ورقة الانغلاق والعداء للمهاجرين.
والحقيقة التي يتوجّب الوعي بها أنّ الائتلاف الحاكم ببلادنا تحت ضغط اشتداد أزمته الاقتصادية والمالية وبالنّظر إلى سقوطه المريع تحت وصاية الدوائر المالية النهّابة والدّول الامبريالية الكبرى يبدو على استعداد كبير لعقد صفقات مشبوهة لتحويل تونس إلى قبلة احتضان واسعة لجحافل المهاجرين من تونسيين وغيرهم بما في ذلك الضالعين في الجرائم الإرهابية بكل من سوريا والعراق وغيرهما.
