(الجزء الأول)
حسين الرحيلي
منذ 1956 إلى منتصف الثمانينات كانت التغطية الصحية والعلاج مسؤولية الدولة مباشرة من خلال مختلف المؤسّسات الصحّية العمومية من مراكز الصحّة الأساسية، المستشفيات المحلية والجهوية إلى المستشفيات الجامعية، وتكوّنت تبعا لذلك ثلاثة أقطاب صحّية جامعية في البلاد:
-
القطب الصحي الجامعي بالشمال
-
القطب الصحي الجامعي بالوسط
-
القطب الصحي الجامعي بالجنوب
كما كانت التغطية الصحّية ومنذ إحداث الصندوق الوطني للتضامن الاجتماعي سنة 1960 إجبارية لكلّ من يعمل من خلال نظامين مستقلّين بذاتهما:
-
نظام للتغطية الصحية متعلّق بالصندوق الوطني للتّقاعد والحيطة الاجتماعية
-
نظام للتغطية الصحية متعلّق بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي
وكان هذان النظامان يموّلان من خلال مساهمات العمّال وأرباب العمل وفق الجدول التالي:
نظام التغطية الصحية |
نسبة المساهمة |
الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعيةCNRPS |
|
الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS |
|
متقاعد CNRPS |
3 بالمائة |
متقاعد CNSS |
0 بالمائة |
وانطلاقا من نسب المساهمة يتبين الفارق الكبير في تمويل التغطية الصحية للصندوقين، ممّا خلّف تفاوتا كبيرا في مستوى الخدمات المسداة وكذلك في قدرة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على تقديم خدمات أفضل وتغطية صحية متنوعة. أمّا الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية وانطلاقا من ضعف المساهمات فإنّ خدماته الصحية بقيت مرتبطة بمؤسسات الصحة العمومية، وبمدى التزام الدولة بتمويل القطاع، ممّا أثّر على الخدمات المسداة لمنخريطه وفتح المجال واسعا لسلعنة الصحّة.
وبمرور الزمن وارتفاع كلفة العلاج وتخلّي الدولة عن دورها المحوري في تمويل قطاع الصحة، وتطبيقا لشروط الإصلاحات الهيكليّة الشاملة التي خضعت إليها البلاد تحت ضغط إملاءات القوى الاستعمارية والمؤسّسات المالية التّابعة إليها والتي تتمحور حول تخلّي الدولة عن أدوارها في التنمية والخدمات العامة، لصالح القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية أصبح قطاع التغطية الصحية من القطاعات التي تسيل لعاب المستثمرين من خلال تحويل الصحة إلى سلعة تباع وتشترى. فأعدّ قانون التأمين على المرض وتوحيد أنظمة التغطية الصحية في نظام واحد أساسي إجباري وتحويل الأنظمة الأخرى مثل التأمين الجماعي إلى مجرّد أنظمة تكميليّة لهذا النظام الأساسي. فتمّ تأسيس الصندوق الوطني للتأمين على المرضCNAM وفق قانون 02 أوت 2004، ودخل حيّز التطبيق سنة 2007، لاقتسام موارد التغطية الصحّية بين مختلف مسدي الخدمات الصحية والطبّية بالقطاع الخاص.
فما هو الصندوق الوطني للتأمين على المرض وكلّ المنظومات المرتبطة به ومصادر تمويله؟
1 – تعريف المصطلحات:
-
الصندوق الوطني للتأمين على المرض: هو مؤسّسة عمومية لا تكتسي صبغة إدارية، تتمتّع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والمنظم بمقتضى الأمر عدد 321 لسنة 2005 المؤرخ في 16 فيفري 2005 ويرجع الصندوق بالإشراف إلى وزارة الشؤون الاجتماعية.
يقوم الصندوق بالمهام التالية:
-
التأمين على المرض
-
جبر الأضرار الناتجة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية بالقطاعين العمومي والخاص
-
إسناد منح المرض والوضع التي تخوّلها أنظمة الضمان الاجتماعي
ويعتبر التأمين على المرض الموكول إلى الصندوق نظاما قاعديا أساسيا إجباريا للخدمات العلاجية، وكل الأنظمة الأخرى مثل التأمين الجماعي هي أنظمة تكميلية لهذا النظام القاعدي.
ويضمن هذا النظام القاعدي الإجباري التكفّل بمصاريف الخدمات الصحية المسداة بالقطاعين العام والخاص اللازمة طبيا للمحافظة على صحة المضمون الاجتماعي وأولي الحق منهم، باستثناء المصاريف الناجمة عن حوادث الشغل أو الأمراض المهنية التي تخضع إلى تشريع خصوصي.
كما وجب التذكير أنّ التكفّل بالخدمات الصحية المسداة وجب أن تكون مقدَّمة من طرف متعاقد مع “الكنام”.
-
المضمون الاجتماعي: هو كل شخص منخرط بأحد أنظمة الضمان الاجتماعي الذي يشملها تطبيق نظام التأمين على المرض وهي بالخصوص الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (CNRPS) والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CSS)
-
المنتفع بالتأمين على المرض: كل شخص تتوفّر به شروط التمتّع بالخدمات الصحية المسداة في إطار نظام الكنام سواء كان:
-
المضمون الاجتماعي
-
القرين غير المطلّق وغير المنتفع بعنوان نشاطه بتغطية قانونية إجباريّة ضدّ المرض
-
الأبناء القصّر في الكفالة والبنت مهما كان سنّها ما لم تكن في كفالة زوج أو لم تكن لها تغطية صحّية
2- منظومات استرجاع المصاريف:
طبقا للأمر عدد 1367 لسنة 2007 مؤرخ في 11 جوان 2007 فإنّ “الكنام” يتكفّل بمصاريف الخدمات الصحية بعنوان النظام القاعدي للتأمين على المرض حسب إحدى الصيغ التالية:
1- المنظومة العلاجية العمومية:
من خلالها تضمن المنظومة العلاجية العمومية التكفّل بمصاريف الخدمات الصحية المسداة من قبل الهياكل الصحية العمومية ومصحّات الصناديق الاجتماعية والهياكل الصحية الأخرى المتعاقدة مع الصندوق. ويتولى الصندوق خلاص هذه الهياكل الصحية العمومية مباشرة وفق صيغ وتعريفات يتّفق عليها مسبقا مع وزارة الصحة. كما يتولّى المضمون الاجتماعي دفع الفارق التعديلي، وهو الفارق بين مصاريف العلاج والخدمات الصحية والمبالغ المتكفّل بها من طرف الكنام. ويتحدّد السقف المالي طبقا لقرار من وزارة الشؤون الاجتماعية (الإدارة العامة للضمان الاجتماعي) وفق التمشّي التالي:
– بالنسبة إلى الأجراء: فإنّ السّقف هو ما يساوي معدّل أجر ونصف من الأجور المصرّح بها خلال السنة المنقضية.
– بالنسبة إلى المتقاعدين: السقف يساوي مبلغ جراية ونصف
– بالنسبة إلى العملة غير الأجراء: فإنه يساوي أجرة شهر ونصف من الدّخل الشهري للشريحة المصرّح بها.
2- المنظومة العلاجيّة الخاصّة
في إطار هذه المنظومة، فإنّ المضمون الاجتماعي مطالب باختيار مسبق لطبيب العائلة الذي يكون المرجع في تلقّي الخدمات الصحّية المسداة وهو الذي من حقّه توجيه المضمون الاجتماعي ومن هم في كفالته إلى مسدي خدمات آخرين عند الضرورة.
كما لا يشترط اللّجوء إلى طبيب العائلة في الحالات التالية فقط: أمراض النساء والأسنان والأمراض الثّقيلة والمزمنة.
3- منظومة استرجاع المصاريف:
في إطار هذه المنظومة يتولّى المضمون الاجتماعي خلاص مسدي الخدمات العلاجية المتعاقدين مع “الكنام” سواء بالقطاع العمومي أو الخاص ويتولّى استرجاع هذه المصاريف مباشرة من “الكنام” وفق التّعريفات التعاقدية ونسب التكفّل وسقف المبالغ المسترجعة.
وتحدد نسب استرجاع المصاريف من خلال المنظومتين السالفة الذكر كما يلي:
الخدمة المقدمة |
نسبة الاسترجاع |
العيادات الطبية وعيادات القابلة |
70 بالمائة |
الأعمال الطبية والقابلة |
80 بالمائة |
الأعمال شبه الطبية |
70 بالمائة |
التصوير بالأشعة |
75 بالمائة |
التحاليل البيولوجية |
75 بالمائة |
طب الأسنان |
50 بالمائة |
الأدوية الحياتية |
100 بالمائة |
الأدوية الأساسية |
85 بالمائة |
الأدوية الوسيطة |
40 بالمائة |
3- التمويل
يمول الصندوق الوطني للتأمين على المرض من مساهمات العمل والأعراف وفق النسب التالية:
نسبة الاشتراك القديمة |
نسبة الاشتراك الحالية |
الفارق |
المجموع القديم |
المجوع الحالي للإشراك |
|
الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعيةCNRPS |
الأجير: 1 % المؤجر: 1 % |
الأجير: 2.75 % المؤجر: 4 % |
1.75 3 |
2 |
6.75 |
الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS |
الأجير: 1.32 % المؤجر: 3.43 % |
الأجير: 2.75 % المؤجر: 4 % |
1.43 0.57 |
4.75 |
6.75 |
متقاعد CNRPS |
3 % |
4 % |
1 |
3 |
4 |
متقاعد CNSS |
0 % |
4 % |
4 |
0 |
4 |
وبناء على هذا الجدول، يمكننا القول إنّ نسبة المساهمة الجملية (6.75) تعتبر ضعيفة بالمقارنة مع طبيعة الخدمات الصحية المسداة وكذلك انطلاقا من كون هذا النظام التأميني الصحي هو نظام قاعدي أساسي وإجباري، وبالتالي فهو يشمل كلّ المنخرطين في منظومات التغطية الاجتماعية بمختلف صناديقها.
كما يلاحظ أنّ المتقاعدين هم أكثر تحمّلا لأعباء تغطيتهم الصحية رغم أهميتها بالنسبة إلى الأغلبيّة التي يتقدم بهم السن. كما أنّ نسبة المساهمة للمتقاعدين من نظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ارتفعت من صفر إلى 4 %، وهي نسبة كبيرة بالمقارنة مع مستوى الجرايات في القطاع الخاص.
كما أنّ نسبة الترفيع في نسبة مساهمة الأجراء كانت كبيرة بالمقارنة بالأعراف، وهو ما يعبّر مرّة أخرى عن الطابع الليبرالي للسلطة التي تسعى دائما إلى تحميل العمال وفقراء الشعب أعباء التغطية الصحية.
(يتبع)