لطفي الوافي
بشكل يكاد يكون يوميا، يتواصل انتشار التهاب الكبد الفيروسي المعروف باسم “البوصفّير” الذي راح ضحيّته عدد من التلاميذ وأصاب العشرات منهم في كثير من مدارسنا. وهو ما أجّج حالة من الاحتقان والاستياء لدى الأولياء.
ورغم ارتفاع وتيرة الاحتجاجات التي شهدتها عدد من جهات البلاد إلاّ أنّ الحلول الجذرية في مواجهة هذه الآفة، التي أودت إلى حدّ الآن بحياة أربعة أطفال، مازالت غائبة في ظلّ غياب شبه تام للدولة واكتفاء المسؤولين بالتّصريحات والوعود التي لم تترجم إلى تعاط جدي مع “معضلة” تهدّد جيلا بأسره.
وسجّل معدل الإصابة ارتفاعا لافتا خلال الشّهرين الماضيين، أغلبها لدى التلاميذ، ما اضطرّ الأولياء في عديد الجهات التي انتشرت فيها العدوى إلى منع أطفالهم من مزاولة الدراسة، في انتظار أن تقوم حكومتهم بالتدخّل لإيجاد الحلول اللاّزمة.
وإذا علمنا أنّ أعراض التهاب الكبد الفيروسي بأنواعه الثلاثة “أ” و”ب” و”س” لا تظهر لدى 90 ٪ من المصابين، فإنّه يصبح أكثر خطورة وإمكانيّة انتشار العدوى تتضاعف بوتيرة أوسع وأسرع.
ومن الملاحظ أنّ الفيروس ينتشر خصوصا في المدارس الواقعة في القرى والأرياف، التي تفتقر إلى أبسط الخدمات الضرورية، على غرار “العباسيّة” من معتمدية ماجل بلعباس بالقصرين و”الرحمات” من معتمدية قبلي الجنوبية و“بئر علي بن خليفة” من ولاية صفاقس أين تسبّب هذا الوباء في وفاة الطفلة “مريم زهمول”، ما دفع حوالي 11 محاميا من ولاية صفاقس إلى تشكيل لجنة دفاع ستتعهّد برفع دعوى قضائيّة مدنيّة وتقديم شكوى جزائية ضدّ كلّ من وزيرة الصحّة سميرة مرعي ووزير التربية ناجي جلول، بتهمة الإهمال والتقصير في حماية حياة الأطفال من الأوبئة.
إنّ التدخّل لن يكون ناجعا إلاّ بتوسيع نطاق خدمات الفحص والرعاية والعلاج واتّخاذ تدابير وإجراءات وقائيّة للحدّ من سريان المرض عبر الشّروع في تعميم قنوات التّطهير في الجهات المتضرّرة وتوفير المياه الصّالحة للشّرب حتى لا يضطرّ المواطنون إلى استهلاك مياه غير صحيّة. إضافة إلى ذلك يجب القيام بعمليّة مسح صحيّ يشمل كلّ مدارس الجمهورية للحدّ من انتشار المرض وتقديم العلاج والرعاية الصحيّة المجانيّة للمصابين. كما أنه من الضروري توفير دورات مياه تتوفر فيها كلّ شروط الصحّة في كلّ المدارس وتنظيم حملات تحسيسية وتوعويّة حول كيفيّة الوقاية من التهاب الكبد الفيروسي تكون موّجهة أساسا إلى الأطفال وإلى الإطار التربوي.
وتجدر الإشارة إلى أنّ انعدام قنوات الصّرف الصحي وتلوّث مصادر المياه أو انعدامها في بعض المناطق المحرومة من الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى انتشار هذا المرض الخطير الذي يهدّد حياة الفئة الأكثر هشاشة وهم الأطفال.
وهو ما يستدعي تدخلا عاجلا وناجعا، ليس لعلاج المصابين فحسب، بل لمعالجة الأسباب الحقيقّيّة والمباشرة الكامنة وراء تفشّي هذا الوباء. ولعلّ أبرزها إهمال الدولة للجهات الداخليّة وانعدام مسؤوليتها تجاه المواطن والمدرسة والطفل.