حاتم بوكسره
أصدرت مؤخّرا وزارة الشؤون الثقافية بلاغها المعتاد كل سنة حول الفضاءات الثقافية الخاصة التي تنوي الترشح للحصول على منحة مساعدة في التجهيز والتسيير. ولم يأت هذا البلاغ بجديد حول المقاييس المعتمدة رغم تعالي أصوات العديد من أصحاب الفضاءات المسرحية المنادية بضرورة مراجعة مقاييس الدعم ومنحها أكثر شفافية وأكثر تقييما جديا بعيدا عن اجتماعات المحاصصة التي تصوغها لجان لم تقرأ الملفات المعروضة عليها ومازالت تتعامل مع الفضاءات بمنطق المنّة والصدقة.
ومازلت الوزارة تصمّ آذانها عن كل المقترحات التي تقدم لها من فضاءات تعيش صعوبات منذ اللقاءات الأولى التي قام بها وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين مع بعض المبدعين في فضاء التياترو في سبتمبر الفارط والتي لم تثمر شيئا سواء على مستوى التصور أو على مستوى القرارات.
دعم للفضاءات أم إذلال للفنّانين؟
ويُذكر أنّ وزير الشؤون الثقافية قد قرّر في سبتمبر المنقضي تخصيص دعم استثنائي لمساعدة الهياكل التي تمرّ بصعوبات في التمويل والنشاط ووسائل العمل، حيث سارعت معظم الفضاءات بتقديم ملفاتها نظرا إلى الأزمة التي تعيشها ليتبيّن فيما بعد أنّ الدعم الموعود لا يتعدّى العشرة آلاف دينار على أحسن تقدير كما أنّه ليس منحة للتسيير. إذ تمت عنونته منحة للنشاط لمدة سنة في حين أنّ النشاط الواحد تتجاوز كلفته هذا الرقم في الكثير من الأحيان.
كما يجبر الفنانون مديري الفضاءات الذين تسلّموا عقودهم على توقيعها أمام عدسة الكاميرا في حركة مذلّة ومهينة أشبه باستلام المساعدات التي كانت توزّعها شعب حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحلّ على العائلات “المعوزة”.
من رفض المنحة إلى تقديم البديل
هذه المنحة لم يرفضها سوى فضاء “مسار للفنون” و”سينما مسرح الريو” الذين طالبا في بيان وجّه إلى وزارة الشؤون الثقافية في 20 سبتمبر 2016 بـتطبيق القانون فيما يخصّ دعمها للفضاءات والمراكز الثقافية الخاصة على مستوى التسيير والإنتاج والتجهيز والتهيئة والتوزيع وبوضع معايير واضحة وموضوعيّة تحدّد طرق وقيمة المنح القارة التي يجب أن تستجيب إلى برنامج محدّد ولحجم نشاط الفضاء وتمكّن للفضاء من استقلاليّة اختياراته دون خطر الخضوع إلى ضغوطات ربّما تأتي عند ترك المنح خاضعة للقرارات الاستثنائية.
إثر ذلك، قدّم كلّ من “مسار” و”الريو” مقترحا إلى الوزارة سمّياه “مشروع تمشي ومقاييس عقد- برنامج لدعم الفضاءات الثقافية الخاصة” تنشر جريدة “صوت الشعب” بصفة حصرية تفاصيله:
الإشراف والتّقييم:
تشرف على مراقبة وتقييم الفضاءات لجنة خاصة بالفضاءات الثقافية مكونة من اختصاصيين أصحاب تجربة في تنشيط الفضاءات ومختصّين في كل الفنون من مسرح سينما فنون تشكيلية أدب وموسيقى ورقص وهندسة معمارية تنظر في الملفات وتزور الفضاءات وجوبا. كما تناقش منشطيها وتعاين أنشطتها ووضعيتها لتتخذ بعد التقييم المبني على الملف والمعاينة والنقاش قرارها في تحديد قيمة المنحة ومدة التعاقد على البرنامج (من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات يقع تجديدها سنة قبل انتهاء كل عقد بعد تعديله أو مواصلته).
التّصنيف:
يقع تصنيف الفضاءات حسب نشاطها وكفاءة فريقها العامل وحجمها وإشعاعها وتجهيزاتها وقدرتها على استيعاب الأنشطة من مسرح وموسيقى وندوات وتنشيط وتكوين وسينما ومكتبة ومعارض فنون تشكيلية.
مقاييس تقييم الملف:
تقييم للملف ومتابعته مسبقا ولاحقا من نفس اللجنة:
النشاط: 40 نقطة
تمنح منه 10 نقاط بصفة آلية لكل فضاء كائن في حي شعبي أو في المناطق الداخلية أو الريفية.
وفي حالة حصوله على كامل نقاط النشاط فتسند النقاط المتبقية من العشرة نقاط الآلية لإتمام النقاط التي لم يتحصل عليها من بقية الأبواب الأخرى.
التشغيل 10 نقاط
استثمار والكراء 10 نقاط
التجهيز 10 نقاط
الركح وعدد المقاعد 10 نقاط
الإشعاع والمكانة والاتصال 10 نقاط
الخسائر الناجمة عن الإنتاج أو استقبال العروض أو الصيانة أو التهيئة أو التضخم 10 نقاط
ملاحظة: تقع إعادة النظر وتعديل المنحة باعتبار التضخم المالي والزيادة في الأجور حسب الاتفاقيات الجماعية.
تضمّن هذه المقاييس في إطار عقد برنامج حسب الأهداف وتتابع اللجنة تنفيذ بنود العقد وصرف التمويلات التي وقع الالتزام بها كل سنة للنظر في مدى تحقيق الأهداف المتفق عليها.
يمكن تعديل المنحة المرصودة من طرف اللجنة بناء على أيّ إخلال بالالتزامات المتعاقد عليها وذلك بحجب جزء من التمويل المرصود خلال تلك الفترة أو تعديل المنحة بالنسبة إلى بقية فترة التعاقد كما يمكن زيادة التمويل بالنسبة إلى الفضاءات التي تعهدت بكل التزاماتها وتعرضت إلى صعوبات أو أضافت أنشطة مهمّة إلى برامجها وأعلمت بها اللجنة في آجال محددة مسبقا.
آليّات الطعن:
يمكن الطعن في قرارات اللجنة من طرف الفضاءات في أجل لا يتجاوز شهرا بعد إعلام الفضاء كتابيا بقرار اللجنة.
تخصّص جلسة استماع بحضور فريق الفضاء أمام اللجنة أو من يمثلها في أجل لا يتعدى الخمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الطعن الكتابي ويعتمد ختم مكتب الضبط المركزي لوزارة الشؤون الثقافية في تحديد الآجال.
في صورة عدم التوصل إلى حل بين اللجنة والفضاء صاحب الطعن يرفع الملف إلى وزير الشؤون الثقافية الذي يلتزم باستقبال طرفي النزاع معا في جلسة واحدة في أجل لا يتجاوز الشهر والبت فيه في نفس الجلسة.
في حالة عدم احترام آجال الطعن يصبح قرار اللجنة نافذا.
عند عدم استجابة اللجنة للرد على الطعن في الآجال المحددة تبقى المنحة المرصودة على حالها.
في حالة عدم البتّ في النزاع من طرف وزير الشؤون الثقافية في الآجال المحددة تبقى المنحة المرصودة على حالها.
دار لقمان بقيت على حالها
يُذكر أنّ هذا المشروع تمّ تقديمه إلى الوزارة من أكتوبر 2016 بعد أن عبّر وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين عن رغبته في مقترح بديل لمنظومة الدعم الحالية. إلاّ أنه لم يراوح أدراج مكتب الضبط المركزي بالوزارة منذ أكثر من أربعة أشهر دون أية ردة فعل تذكر، مع العلم أنّ هذا الوزير أعلن عن نيته إنشاء 200 فضاء ثقافي في كامل الجمهورية دون تغيير في طرق وآليات الدعم البالية. فكيف ننشئ فضاءات جديدة في حين أنّ الفضاءات الحالية غارقة في مشاكل التسيير والتجهيز؟ وإن كانت الفضاءات الموجودة تمر بأزمات تهدد بقاءها فكيف سنضمن استمرارية الفضاءات الجديدة؟ وهل ستدعم بنفس الطريقة؟ الإجابة قد تكون قابعة في أدراج مكاتب مغلقة صلب وزارة تصاغ فيها القرارات بصفة أحادية.