أصدر وزراء خارجية تونس ومصر والجزائر في اجتماع لهم يومي 19 و20 فيفري الجاري بيانا أطلقوا عليه اسم “إعلان تونس الوزاري لدعم التسوية السياسية الشاملة في ليبيا”، تضمّن جملة من الأفكار ستطرح على رؤساء الدول الثلاثة للنقاش والمصادقة قبل عرضه على أطراف النزاع الليبية. وينصّ الإعلان على أهمية الحوار بين اللّيبيّين بدعم من دول الجوار الثلاثة بهدف تحقيق المصالحة الشاملة مع الحفاظ على وحدة ليبيا ورفض الحل العسكري والتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية الليبية.
الإعلان يدعو كلّ مكونات المشهد الليبي دون اقصاء بما في ذلك المجموعات المسلّحة إلى الحوار للخروج بالبلاد من الأزمة ويعتبر القرار 2259 الصادر عن مجلس الأمن في 23 ديسمبر 2015 المرجعية القانونية الدولية للتسوية السياسية واتفاق الصخيرات بمثابة الإطار السياسي للحل مع إمكانية إجراء تعديلات على بعض بنوده استجابة إلى شروط بعض الأطراف.
إعلان يخدم تيّارات الإسلام السّياسي
مثلما هو معلوم لدى المتتبّعين للشأن الليبي أفرزت الانتخابات الليبية الأخيرة أغلبية ليبرالية أنهت حكم الإسلاميين بعد أن خبرهم الشعب الليبي لفترة من الزمن ليست بالقصيرة. لكن هؤلاء وبدعم من القوى الإقليمية (السعودية- تركيا- قطر) عادوا إلى المشهد بالتعاون مع الميليشيات التكفيرية المسلحة (ميليشيات مصراتة- مجموعات عبد الحكيم بلحاج وغيرها) لينسفوا كل إمكانية للاستقرار ويعرقلوا تشكيل أيّ حكومة خارجة عن سلطتهم. وهم يخوضون اليوم حربا ضروسا في الأحياء المجاورة لمدينة طرابلس بهدف طرد حكومة فائز السراج واحتلال مقرّاتها وفرض أمر واقع جديد على الميدان.
لكنّ إعلان تونس لم يأخذ في الاعتبار حالة موازين القوى التي أقرّها الشعب الليبي من خلال الانتخابات المذكورة ولم يذهب في استثناء المجاميع الإرهابية من المشاركة في الحل السياسي المرتقب بضغط من رئيس حركة النهضة الذي لعب دورا أساسيا، من خلال دبلوماسيته الموازية بلقاء ممثلين عن إخوان ليبيا والرئاسة الجزائرية في منزله…، في تثبيت هذه المشاركة دفاعا عن حضور الإسلاميين في المشهد السياسي القادم في ليبيا.
إعلان تونس يلاقي الرّفض الخارجي
للأسباب آنفة الذكر لاقى إعلان تونس اعتراض القائد العسكري خليفة حفتر الذي يسيطر على أغلب الجغرافيا الليبية بما في ذلك الهلال النفطي واستطاع تجميع أوسع الليبيين حوله بما في ذلك القبائل المناصرة للعقيد القذافي وبعض العسكريين الموالين له. خليفة حفتر يرفض مشاركة المجموعات المسلحة في أيّ حل مستقبلي ولا يرى غير محاربتها وتحرير ليبيا من غطرستها ويعتبر إعلان تونس مبيّضا لجرائمها.
من جهة أخرى أعلن مستشار الرئيس “ترامب” للسياسة الخارجية وليد فارس أنّ واشنطن ستتعامل مع المؤسسة العسكرية الليبية بقيادة الجنرال خليفة حفتر ومع برلمان طبرق المنتخب الذي يرأسه عقيلة صالح. وأكد مستشار الرئيس الأمريكي أنّ هذا الأخير سبق له أن انتقد خلال حملته الانتخابية سياسة إدارة أوباما تجاه ليبيا من زاوية النتائج التي أفرزتها والمتمثلة في سيطرة الميليشيات المسلّحة على عديد المدن والقرى الليبية من ضمنها ميليشيات إرهابية مؤكّدا أنّ الإدارة الجديدة تدعم من يمثّل الشعب الليبي بدرجة أولى ومن يقاتل الإرهابيّين سواء كانوا تنظيمات على غرار تنظيم “داعش” الإرهابي أو ميليشيات تحمل نفس الفكر بدرجة ثانية.
دبلوماسيّة مترهّلة
إعلان تونس يعكس حالة الوهن التي عليها الدبلوماسية التونسية التي باتت مرتهنة لرؤية حركة النهضة لحلّ الأزمة، وهي رؤية غلافها الخارجي التوافق والتعايش استئناسا بزواج المتعة بين نداء تونس وحركة النهضة الذي أصبح بمثابة “التجربة الناجحة” التي يجب التسويق لها وتصديرها إلى الأشقاء في ليبيا على أنها حل سحري صالح لكل الشعوب التي تعيش نزاعات سياسية مماثلة، أما جوهرها فهو تمكين الحركات الإسلامية من بسط نفوذها على الحكم في إطار شراكة مع القوى الليبرالية.
الدبلوماسية التونسية تبدو منهكة وعاجزة عن الحفاظ على توازنها ووضوح بوصلتها لأنها سجينة مصالح حزبية ضيّقة لا علاقة لها بمصالح البلاد. إنّ الانقسامات التي يعيشها حزب نداء تونس وتراجع كتلته البرلمانية إلى المرتبة الثانية والحاجة الماسة إلى التحالف الندائي النهضاوي لتصريف أزمة الحكم هي التي فرضت على الرئيس السبسي الإذعان لقرارات حزب حركة النهضة ورؤيته لحلّ الأزمة الليبية. بل والسكوت عن تجاوزاته وأنشطته الموازية التي تضرب في العمق هيبة الدولة. فزعيم حركة النهضة الشريك في الحكم يتصرّف كرجل دولة رغم أنه لا ينتمي إلى الحكومة وليس نائبا في البرلمان ولا علاقة له بالسلطة التنفيذية. الدبلوماسية التونسية بقدر خضوعها لإملاءات القوى الخارجية وخاصة الدول الخليجية (قطر والسعودية) المنشغلة بالملف الليبي ولمصالح الحليف الأكبر في الائتلاف الحاكم وأعني حركة النهضة بقدر ماهي منزعجة من الدبلوماسية الموازية التي تأتيها أطراف من المعارضة مهما كانت تدخّلاتها منسجمة مع مصالح تونس وأمنها وخادمة للحكم نفسه (الموقف من لقاء محسن مرزوق مع خليفة حفتر في مدينة بنغازي).
إعلان تونس الوزاري قد يقود إلى نتائج عكسية سواء في علاقة بردود الفعل من الداخل الليبي الذي ذاق ذرعا بممارسات المجموعات المسلحة واعتداءاتها الإرهابية على الليبيين ولا يرى أيّ مشروعية لتشريكها في تجاوز الأزمة لأنها جزء من هذه الأزمة، وفي علاقة “بالصديق” الأمريكي أيضا الذي يحمل أجندة مغايرة تقضي بمواجهة الحركات الأصولية واجتثاثها أو في علاقة بمستقبل العلاقة مع الدولة اللّيبية الجديدة، حيث يشكّل حضور المجاميع التكفيرية في الحكم خطرا مباشرا على الأمن والاستقرار في تونس سواء عبر ضخّ المساعدات المالية للإرهابيين أو تسهيل تسلّلهم أو مدّهم بالأسلحة أو إيوائهم في حالة الهروب من تونس.
علي البعزاوي