شهدت مدينة جبنيانة بداية من يوم 15 فيفري الحالي عودة العديد من الأهالي إلى اعتصام الكرامة 2 بعد تعليقه آخر السنة الماضية بناء على اتفاق ممضى بين مكونات المجتمع المدني والحقوقي والسلطة الجهوية. وللعلم فإنّ شباب جبنيانة قد خاض إلى حدود السنة الفارطة اعتصاما دام أكثر من 90 يوما بمقر المعتمدية تخللته عديد التحركات بمساندة وتأطير المجتمع المدني بالجهة نتج عنه اتّفاق صلب أعمال المجلس المحلي للتنمية وبمباركة كافة مكوناته وإمضائهم على الإشراف والمتابعة بما ينصّ على التدخل المباشر والفوري للدولة في وضعيات صحية وملفات اجتماعية وقروض صغرى وتشغيل في القطاع الخاص والعام لقلّة قليلة بحسب الشغورات والصلاحيات الموكولة إلى والي الجهة آنذاك في العمل البيئي والحراسة ضمن أشغال المجلس الجهوي بصفاقس.
وفعلا فقد وقع تفعيل تلك الاتفاقات باستثناء ملف التشغيل. وكالعادة عصف تغيير الفريق الحكومي ومعه الولاة والمعتمدين بأحلام عائلات عماد الشطي وجهاد البدوي وكل المعتصمين والمعتصمات. ففي الوقت الذي كانت فيه اللجنة الجهوية للتفاوض بولاية صفاقس والمتكونة من الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والمجتمع المدني والحقوقي تنتظر موعدا نهائيا مع الوالي الجديد لتفعيل آخر بنود الاتفاق فوجئ الجميع بتنصّل السلطة على لسان المعتمد الجديد عرفات الحاجي سليل طلبة الحزب المنحل عبر تبليغ المعتصمين بأنّ المجلس الجهوي قد انعقد بعد وأنه لم يخصّص أيّ نصيب لجبنيانة في التشغيل.
هذا بالإضافة إلى تعيين سائق بمستشفى جبنيانة دون صدور أيّ مناظرة جهوية معلنة بالجهة في الغرض. وقد ثبت للجميع أنّ هذا السائق له قرابة عائلية بالمدير الجهوي للصحة بصفاقس. حالة من الغليان تولّدت عند المعتصمين ولدى أغلب أهالي مدينة جبنيانة التي تعدّ حواي 55 ألف نسمة يعيش معظمهم تحت وطأة الفقر والتهميش في ظل تخلّي الدولة عن مهامها الضرورية على الأقل، ما ولّد حالة عامة من الإحساس بالغبن والتقزيم ترسخت بعد الثورة وباتت أمرا مؤكدا اليوم بحكم إقصائها من أيّ برمجة حكومية تقرّ بحقها في التنمية والتشغيل كمعتمدية مصنفة ذات أولوية. وهو ما يعتبر لدى شريحة واسعة من النخب والمهتمّين بالشأن المحلي إهانة واستصغارا للجهة واحتقارا لأهاليها وتنكّرا لإرثها النضالي عبر حرمانها من المرافق الحيوية وتغييبها عن حسابات الدولة وبرامجها التنموية خاصة.
تزامن كل ذلك مع غياب حوار جدي ومسؤول من قبل السلط المعنية بالإضافة إلى غياب المعتمد المذكور معظم الأوقات وعجزه عن التدخل في القضايا المهمة والحارقة بالجهة من بينها ملف الحظائر وانسداد الآفاق أمام الكثير من المعطلين عن العمل والمفروزين أمنيا وتزايد نسب البطالة بأنواعها وتدهور الوضع الأمني وارتفاع معدّل الجريمة وخاصة سرقة السيارات والمنازل. وتردي الخدمات الإدارية والبيئية. بالإضافة إلى توظيف النفوذ السّياسي بالإدارات المحلّية على غرار المعتمدية والمستشفى المحلي لهرسلة تحركات عمال الحظائر والمحتجّين عموما وخدمة لمزيد من المحسوبية والتستر على ملفات فساد متفاقم في عديد المجالات بعلم المراكز الجهوية بلغت حتى الجمعية الرياضية بجبنيانة وانفضاح مرامي بعض الأطراف لحرمان هذا الفريق الواعد والمتصدر للترتيب من الصعود إلى القسم الثاني للرابطة المحترفة لكرة القدم. من أبرز ملامحه الفضيحة التاريخية التي حصلت في مباراته ضد نجم الجم بتواطؤ من رئيس الجامعة وبفعل انسحاب قوات الأمن وتحريض من رئيس النادي.
وفي غياب أي دعوة رسمية من السلط الجهوية للتفاوض كثّف المعتصمون من الوقفات الاحتجاجية أمام المعتمدية وقاموا بغلق الطريق الرئيسي أكثر من مرة.
كما انطق بعد التنسيق مع مكونات المجتمع المدني المحلي والجهوي لتكثيف الدعاية وتوسيع جبهة المساندة لأهالي جبنيانة ولمطالبهم المشروعة والتي لا تحتمل مزيد التأجيل وتفاديا لمزيد من الاحتقان بفعل تزايد حجم مساندة الاعتصام من قبل اتحاد المعطلين عن العمل وتنسيقية عمال الحظائر والمفروزين أمنيا الذين أصدروا بيانات في الغرض. علاوة على المكتب المحلي لاتحاد الشغل بجبنيانة الذي أصدر بيانا بتاريخ 11 فيفري الحالي تعرّض فيه إلى تردي الوضع بالجهة على كافة المستويات وأعلن قرار تنظيم إضراب عام في القريب العاجل يحدد تاريخه مباشرة بعد التشاور مع القيادة النقابية ومكونات المجتمع المدني بجبنيانة.
يُذكر أيضا أنّ المعتصمين قد أصدروا إعلانا مهما دعوا فيه أهالي الجهة إلى تجمع أمام المعتمدية يوم الجمعة 17 مارس على الساعة العاشرة صباحا وذلك لمواكبة آخر التطورات المتعلّقة باعتصام الكرامة 2. ممّا قد ينبئ بمزيد من الخطى التصعيدية من قبل المعتصمين في صورة تواصل تجاهل السلطة لمطالبهم وانقلابها على الاتفاق.
صابر بن مبارك