لطفي الهمامي
احتشد أكثر من 70 ألف مواطن فرنسي يوم 9 أفريل بمدينة مرسيليا وتحديدا بالمرفأ القديم، وذلك لمساندة المترشح للانتخابات الرئاسية عن اليسار الراديكالي جون ليك ميلونشون. نزل الرفيق حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية ضيف شرف، فكان له في البداية لقاء سريع بميلونشون ثم تابع مداخلة المترشح أمام الحضور. علما وأنّ عدد المترشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية هذه المرة، 11 مترشحا، مما يطرح سؤالا عن حضور الرفيق حمة الهمامي إلى جانب ميلونشون دون غيره؟. بعيدا عن الخلفية الفكرية والإيديولوجية بين الرجلين، هل هناك مشروع سياسي ورؤية تجمع “الجبهة الشعبية التونسية” و”ائتلاف فرنسا انسوميز”؟. هل للشعب التونسي مصلحة مباشرة في التّجذّر الجماهيري وإمكانية صعود ميلونشون إلى الحكم؟.
“الدّيقاجيزم”: روح الثّورة التّونسيّة كشعار مركزي لدى ميلونشون
لقد رفعت الثورة التونسية شعار “ديقاج” في وجه النظام الديكتاتوري ومنظومة الحكم بأسرها، وتحوّل هذا الشعار إلى عدة بلدان عربية وغيرها لما يحتويه من دلالة رمزية وسياسية قوية. ما تزال الجبهة الشعبية في تونس تتبنّى هذا الشعار لقناعتها بضرورة رحيل القوى القديمة لتورّطها في إقامة سياسة قائمة على الفساد والمحسوبية وعلى نظام اقتصادي واجتماعي معادي لمصلحة الشعب التونسي وهي إلى حد الآن متورطة في استدامة تلك المنظومة ومحاولة إنقاذها. تعني “ديقاج” في هذه المرحلة الدعوة إلى القطيعة مع السائد والعمل على تركيز بديل شامل وعميق لكافة مناحي الحياة العامة، وتلعب الانتخابات دورا مهمّا في هذه العملية في مراحل الانتقال الديمقراطي وهي أسلوب مدني سلمى في إزاحة لوبيات المال والسياسة.
في فرنسا وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية جعل ميلونشون من فكرة ديقاج رؤية سياسية سماها “الديقاجيزم” ويعنى القطع مع الطبقة السياسية الحاكمة والتي يعتبرها فاسدة ومتكونة من لوبيات مالية هدفها الوحيد الربح، وهي تستثمر في بؤس الشعوب، وإدارة الحروب تلو الأخرى حتى تظل في القيادة السياسية، لذلك دعي الفرنسيّون إلى القطع الجذري مع هؤلاء عبر الصندوق.
هذه الفكرة المشتركة في مقاومة الفساد واللّوبيات المهيمنة على الاقتصاد والسّياسة تجعل من ميلونشون وحمّه الهمامي في نفس الرؤية المستقبليّة للشّعوب الهادفة إلى التحرّر من الأنظمة السّياسية الفاسدة وتقديم بديل شعبي مفتوح على المستقبل.
النّموذج الاجتماعي والاقتصادي: الإنسان قبل رأس المال
ما يجمع كذلك مشروع كلّ من الجبهة الشّعبية وائتلاف “فرنسا انسوميز” أنّ الرّؤية العامّة للنموذج المجتمعي اقتصاديا واجتماعيا وقيميّا تختلف تماما عمّا هو سائد ومكرّس من قبل السياسة الليبرالية. فالإنسان هو محور العملية الاقتصادية والاجتماعية وليس رأس المال الذي يهدف إلى مراكمة الرّبح. الطّرح المجتمعي للقوى التقدمية والثورية تراهن على الاستهلاك الذي يحترم مصدر الثروة، لأنّ نفاذها محتمل ومصدر الثورة تدور حوله صراعات استحواذ وهيمنة لذلك لابدّ من علاقة جديدة مبنية على الاستهلاك البديل.
صحيح أنّ الجبهة الشعبية تلتقي مع العديد من القوى التقدّمية والثورية في العالم، ولكن إمكانيّة نجاح ميلونشون سواء بالوصول إلى الحكم أو بتحوّله إلى قوّة جماهيرية في فرنسا له تأثير إيجابي على القوى التقدّمية التونسية ويدعم الجبهة الشعبية لصالح الشّعبين التونسي والفرنسي ومنطقة البحر الأبيض المتوسّط أساسا. وإذا ما تواصل نهب ثروات الشعوب واستهلاك الطاقة والمواد الغذائية على النحو السائد فإنّ البشرية عمّا قريب سوف تشهد حالة تقاتل لا مثيل لها في تاريخها لنفاذ الطاقة غير المتجدّدة ولقلّة المواد الغذائية التي يتمّ استهلاكها على قاعدة الرّبح وليس على قاعدة الحاجة.
التّبعيّة الاستعماريّة: لدينا فرصة للصّداقة بين الشّعوب
للشعب التونسي مصلحة في صعود القوى الثوريّة الفرنسية للحكم لأنّها مناهضة للسّياسة العدوانية القائمة على نهب ثروات الشعوب. الجبهة الشعبية من جهتها تحاول توطيد العلاقة بتلك القوى لأنّها تشترك معها في بديل العلاقة بين الشعوب، وهي علاقة صداقة وتبادل دون عنجهيّة وتكبّر ودون الهيمنة والاستعمار. إنه طريق البشرية للتعايش السلمي.
لقاء الرفيق حمة الهمامي بجون ليك ميلونشون يبعث برسالة صداقة بين شعبين. البحر الذي يفصل تونس عن مرسيليا الفرنسية، وكما قال ميلونشون، بدل أن يكون بحر الربط والتواصل تحوّل إلى بحر الموت والحزن والفرقة في إشارة إلى قضية الهجرة. هناك تناقض مبدئي بين النظرة الليبرالية التي تريد محاصرة الهجرة عبر إجراءات حمائيّة ومواصلة نهب الشعوب، والنظرة اليسارية الثورية التي تعتبر أنّ الهجرة مصدرها الاضطرار نتيجة الفقر والحروب والبؤس، لذلك لابدّ من الكفّ عن نهب خيرات الشعوب وفي نفس الوقت قبول الهجرة من موقع التضامن. هذه الرؤية الاستراتيجية تجمع بين الرفيقين حمّه الهمامي وجون ليك ميلونشون بمعنى بين رؤية الجبهة الشعبية التونسية وائتلاف فرنسا انسوميز.
الحرب أم السّلم: الحرب سياسة والسّلم كذلك سياسة
اعتبر ميلونشون أنّ الحرب، ومنذ القديم، لم تتمكّن من حلّ مشاكل وتناقضات البشر. وهي ذات الرؤية التي يتبنّاها الرفيق حمه الهمامي. ثمّة من يعتبر أنّ الحرب هي إحدى الطرق القصوى لحل المشاكل، ولكن برهنت التجربة أنّ الحرب هي توسيع دائرة المشاكل. إذا الصّواب والإجابة الأدقّ هي أنّه هناك من يستثمر في الحرب وله فيها مصلحة. فالحرب ليست بالضرورة بين دولة ودولة، حتى الحرب الداخلية والصّراعات المذهبيّة والعرقيّة هي حروب تجد من يغذّيها ويدفع بها إلى الأقصى.
إنّ الحرب هي سياسة وبرنامج وتخطيط. وكذلك السّلم رؤية وسياسة وتخطيط. فلسفة الجبهة الشعبية التونسية تتمحور حول السّلم الداخلي والإقليمي والدولي وهي تتبنّى رؤية السّلم من موقع جوهري وليس من موقع عرضي دعائي. اختيار النضال من أجل السلم يتطلّب مشروعا، وأهمّ ما في المشروع إعادة النظرة لكيفيّة تنظّم المجتمع وطريقة استهلاكه للمواد غير المتجدّدة وتقديم بديل مستقبلي يجعل البشريّة مطمئنّة، غير ساعية إلى الحرب والهيمنة على الثروات مهما كان مصدرها أو نوعها. هذه الرّؤية مشتركة بين الجبهتين الفرنسيّة والتّونسيّة.
الشّعب التّونسي له مصلحة مباشرة في صعود اليسار الثّوري الفرنسي
من بين النقاط الواردة في برنامج ميلونشون ولها علاقة مباشرة بتونس وبالجبهة الشعبية بالذات: أولا، الهجرة، فالتونسيّون المقيمون بطرق غير قانونية بفرنسا سوف يجدون سندا سياسيا يدعمهم بدل تجريمهم واعتبارهم مهاجرين غير شرعيين. ثانيا، المديونية، ففي صورة صعود اليسار الثوري إلى الحكم سوف تجد تونس سندا كبيرا جدا في إعادة جدولة ديونها وإمكانيّة تقديم حلول أخرى لصالح تونس. ثالثا، قضية الفساد المتّصل بالأفراد أو المؤسّسات في مجال التجارة والصّناعة، سوف يكون هناك صديق جدّي لتونس يساعدها على محاربة هذه الآفة المتّصلة بالحكم في تونس كما في فرنسا.رابعا، الاستثمار والسياحة.
إنّ حضور الرفيق حمه الهمامي إلى جانب رفيقه ميلونشون يعنى أنّ هناك إمكانية لبديل حقيقي للشعوب، بديل للقطع مع ماضي الصراع بديل صداقة وتضامن بدل تبعيّة. هناك من يعتقد أنّ ما نرويه لا معنى له سوى في عالم الأحلام، نقول لهم إنّ رأس المال الفاسد الذي روّج منذ سنوات ضد ميلونشون أنّه مجنون وحالم، فإنّه الآن مرعوب ولا يخفي ذلك، بل بدأ في ترويع الفرنسيّين حتى لا ينجرّوا وراء ميلونشون. الرفيق حمه الهمامي كلّ الأرض أرضك يمكنك أن تنزل بها ما دام لك رفاق وأصدقاء من أبناء الشّعوب.