محمود مطير
أصدر الوفد الممثّل لصندوق النقد الدولي الذي زار تونس مؤخّرا بيانا صحفيّا بتاريخ 17 أفريل 2017 جاء فيه بالخصوص أنّ الاقتصاد التونسي يواجه تحدّيات قويّة مرتبطة خصوصا بتعمّق العجز الخارجي وعجز الميزانيّة وتفاقم الدّين مع نسبة نمو ضعيفة غير قادرة على التّقليص من البطالة.
وتعرّض البيان إلى مهمّة الوفد المتمثلة في الاطّلاع على البرنامج الاقتصادي التونسي المدعوم بالاتفاق الرباعي (4 سنوات) بعنوان الآليّة الموسّعة للقرض (mécanisme élargi de crédit ou MEDC) المصادق عليها من الصندوق في ماي 2016.
وأشار البيان إلى أنّ ممثّلي الصندوق والسلطات التونسية توصّلوا إلى الاتّفاق حول السياسات الاقتصادية الضرورية. ولكنّ هذا الاتفاق يتطلّب موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي.
وفي هذه الحالة (موافقة مجلس الإدارة) سيتمّ تحويل مبلغ 308 مليون دولار (770 مليون دينار إذا اعتبرنا أنّ سعر الدولار يساوي 2,5 دينارا) ممّا يجعل جملة المبلغ المحوّل يساوي 627,5 مليون دولار (1568 مليون دينار) من جملة القرض الذي يبلغ 2,9 مليار دولار (7,25 مليار دينار) والذي صادق عليه الصندوق منذ شهر ماي 2016.
وأكّد البيان أنّ الاقتصاد التونسي يواجه تحدّيات خطيرة وأنّ عجز الميزانيّة والعجز الخارجي بلغا مستويات غير مسبوقة، وأنّ كتلة الأجور في ميزانية الدولة بالنسبة إلى الناتج المحلي من أرفع النّسب في العالم وأنّ الدّين العمومي قد واصل تطوّره ليبلغ 63 في المائة من النّاتج المحلّي أواخر 2016، وأنّ نسبة التّضخّم في ارتفاع وأنّ نسبة النمو بالنسبة إلى سنة 2017 قد تبلغ 2,3 في المائة عوض 2,8 في المائة المعلن عنها سابقا. وهي نسبة لا تقدر على حلّ إشكاليّة البطالة.
كما أكّد البيان أنّ الأولويّات على المدى القصير تتمثّل في تنمية الموارد الجبائيّة ووضع استراتيجيا لإصلاح الوظيفة العموميّة حتى تكون كتلة الأجور مقبولة كالتّقليص من دعم المحروقات وتغطية عجز الصّناديق الاجتماعية.
ماذا يمكن أن نستنتج من هذا البيان؟
يمكن أن نستنتج من البيان ما يلي:
– اتّفاق الطّرفين الحكومي وصندوق النقد الدولي على توصيف الوضع الاقتصادي المتأزّم (عجز الميزانية وعجز الميزان التّجاري وتطوّر التداين…)
– اتّفاق الطّرفين على السياسات الاقتصادية التي يجب اتّباعها للخروج من الأزمة، وهي سياسات ليبرالية تقشّفيّة تعتمد التّقليص من الخدمات الاجتماعية (لاحظوا التأكيد على ما يسمّونه إصلاح الوظيفة العمومية والصناديق الاجتماعية وهو ما يعني التقليص من عدد الموظّفين والتّرفيع في سنّ التّقاعد)
– مباركة الصندوق للقوانين الجديدة التي تضع البلاد في المدار الرأسمالي اللّيبرالي وتفتحها على مصراعيها للرأس مال الأجنبي مثل القانون المتعلّق بالاستثمار.
– إنّ تحويل مبلغ 308 مليون دولار لا يتمّ إلاّ بعد موافقة مجلس إدارة الصّندوق.
لكن يبقى السّؤال المهم: هل ستخرج بلادنا من أزمتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتفاقمة بوصفة صندوق النقد الدولي وبالملّيمات التي يقتّرها؟
إنّ الأزمة تتفاقم، لأنّ الأزمة في بلادنا اليوم سياسيّة قبل أن تكون اقتصاديّة وهي أزمة لا يمكن حلّها مادامت الاختيارات لا تمثّل الطّبقات الشّعبيّة وما دامت القيادة لا تمثّل عمق الشّعب التّونسي.