حاتم بوكسره
تُصدر الجمعة 12 ماي 2017، الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بالشراكة مع الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان “دليل المائة إجراء من أجل القضاء على العنف المسلّط على النساء” الذي أُنجز في إطار برنامج “دعم تعبئة المجتمع التونسي للنهوض بحقوق الإنسان والإصلاحات الديمقراطية”.
ويأتي هذا الدليل في الوقت الذي تناقش فيه لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب مشروع القانون الأساسي للقضاء على العنف المسلط على النساء قصد إحالاته على الجلسة العامة.
أحلام بلحاج المناضلة النسوية ومنسّقة لجنة مناهضة العنف بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تقدم لـ”صوت الشعب” كلّ التفاصيل حول هذا الدليل من خلال الحوار التالي:
لماذا تمّ إصدار هذا الدليل؟
هو مساهمة في حملة مناصرة القانون الأساسي للقضاء على العنف المسلط على المرأة في تونس. وهو ثمرة تجربة الجمعية بمعية شركائها ومنها الفدرالية عن طريق متابعة النساء ضحايا العنف وعن طريق المناصرة التي قمنا بها طيلة سنوات عدة من أجل القضاء على العنف المسلط على النساء وحمايتهن من العنف. وقد توصّلنا إلى ضرورة وضع كلّ هذه الأفكار في هذه الوثيقة التي بوّبناها في أربعة أقسام وأهمها بالنسبة إلينا هي الوقاية التي تُعتبر مسألة أساسية ورئيسية لأنّ فهمنا للعنف المسلّط على النساء كنسويّات مردّه وجود علاقات تسلّطيّة تقوم على رؤية دونيّة للمرأة نتيجة المجتمع الأبوي الذي جعل العلاقات مبنيّة على هيمنة جنس على جنس آخر. وعند المساس بطبيعة هذه العلاقات المبنيّة على عدم المساواة فإنّ العنف يتمظهر من خلال ممارسات عنيفة. ولذلك فإنّ من الأشياء البديهية اللاّزمة للقضاء على العنف هو بناء علاقات مبنية على مساواة حقيقية. فالوقاية تذهب إلى الجذور ولا تذهب إلى النتيجة. ومن أجل القضاء على العنف وجب القضاء على كلّ مظهر من مظاهر التمييز فإنّ أيّ قانون يشجّع على عدم المساواة فإنه قانون يشجّع على العنف.
وعلى سبيل المثال فإنّ طريقتنا الحالية في تربية الطّفل ترسخ لديه أنّ الأب هو رئيس العائلة. أمّا الأم فليست لها نفس الحقوق، وبذلك سيستبطن الطفل منذ السنوات الأولى وجود جنس قويّ له كل السلطة وجنس ثاني ضعيف أدنى منه تمارس عليه السلطة لذا وجب أن تتركّز تربية الطفل على مبدأ المساواة أولا. ولا يمكن الوصول إلى هذا الهدف إلاّ بإلغاء العديد من القوانين التمييزية الأخرى كعدم المساواة في الإرث الذي يكرّس التمييز ضدّ المرأة ويساهم في تفقير النساء والتوزيع غير العادل للثروات ويساهم أيضا في تغذية العقليات بصورة رمزية “أنا أساوي مرتين مثلك أنت”.
إضافة إلى كلّ هذا لا بدّ من التّنصيص على أهمية على احترام الآخر واحترام الحرمة الجسدية واحترام آليات التواصل. لذلك لا يجب حلّ العديد من المشاكل مع الأطفال عبر الالتجاء إلى العنف. بل على التّواصل بطريقة مختلفة دون استعمال العبارات العنيفة حيث وجب إعطاء الطفل حقه في التعبير عن رأيه منذ سنوات عمره الأولى.
ما تقييمكم لمشروع القانون الأساسي الصّادر في هذا الغرض والمحال على مجلس النوّاب؟
هو قانون شامل يتضمن الوقاية والحماية والإحاطة والزّجر لكن في مجال الوقاية لم يكن متقدّما بالشّكل الكافي، وهذا الدّليل يفسّر القانون ويوضّح الإجراءات الموجودة فيه وأهمّيتها. فمثلا القانون الحالي في معالجته مشكلة العنف الزوجي، يسمح ببطلان التتبّعات في حال أسقطت الزوجة القضية المرفوعة ضدّ زوجها ولا يوجد فيه تتبّع من أجل الحق العام على عكس بقيّة القضايا المتعلقة بالعنف.
ونحن مع التصدّي للعنف بكل أشكاله حتى فيما يسمّى “بالعنف الخفيف” لأنّ التسامح معه يؤدي إلى التمادي وهو يُعرّض النساء إلى خطر كبير، إضافة إلى أنّ النساء يتعرّضن إلى ضغط اجتماعي كبير من أجل إسقاط القضية ولهذا جاء هذا الدليل لتوضيح أهمية الإجراءات الموجودة في مشروع القانون الأساسي.
ما هو دور الإعلام في معاضدة هذا القانون؟
الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تشتغل منذ سنوات على الإعلام لأنّ دوره مهم جدا خاصة في الوقاية والمتابعة وفي حماية النساء في بعض الوضعيات. فالطريقة الحالية التي يتعامل بها الإعلام في عديد من الحالات لا تراعي مصلحة الضحية. كما أنّ العديد من الوضعيات التي يتحدث عنها تشهد تكثيفا في التناول في البدء ثم تختفي دون أن يتابعها وهو ما يحدث خاصة في القضايا المرفوعة لدى القضاء. فللإعلام آليات رقابة وله ميزة حماية المعطيات الشخصية والمصادر وله مسؤولية أخلاقية ومجتمعية في نشر ثقافة عدم التمييز وهو وسيلة تربية على التواصل. والقانون المعروض حاليا ينص على ضرورة التكوين الذي سيستفيد منه الإعلاميون وغيرهم من قضاة وأمن وحتى العائلة. ولا يجب أن ننسى دور الدولة في تحمل مسؤوليتها التي لا تتمثل فقط في اقتراح التشريعات وإنما الإشراف على جوانب التكوين وحماية ومرافقة الضحايا.
لمن سيتمّ توجيه الدّليل؟
هذا الدليل هو أداة عمل وفهم ومناصرة لهذه القضية وهو حجة لتدعيم دوافع مشروع القانون حيث سيتم توزيعه على النواب في المجلس ووسائل الإعلام التي يمكنها المساعدة في التعريف به ونشره لدى كل شرائح المجتمع لمساندة هذا القانون الشامل. ونحن نؤكد على أنّ هذه المساندة هي حلقة من الحلقات التي ستدعم نضالاتنا منذ تسعينات القرن الماضي من أجل القضاء على العنف المسلط على النساء.
كان من المنتظر إحالة مشروع القانون إلى الجلسة العامة بعد مناقشته من قبل لجنة الحقوق والحرّيّات ولكنّه تأجّل فهل هذا التأخير عادي؟
كنا ننتظر هذا التأخير لأننا ندرك أنّ مناقشة بعض الفصول فيه ستأخذ وقتا أطول نظرا إلى وجود مقاومة ضدها بطريقة غير معلنة مثل مسألة عدم إسقاط الدعوى من طرف المرأة التي تعرضت إلى عنف من قبل زوجها وهذه القضية تمثّل إشكالا لبعض الأطراف باسم المحافظة على الروابط الأسرية وفي اعتقادي وجب فتح نقاش حول هذه المسألة كي لا يحال مشروع القانون على الجلسة العامة دون وجود حجج سواء لهذا الطرف أو ذاك وحتى بالنسبة إلى الرأي العام والمجتمع المدني.
وهنالك إشكال آخر متعلق بوزارة العدل التي تعمل على عدة مشاريع قوانين كتنقيح المجلة الجزائية ومجلة الإجراءات الجزائية ومسألة الطفل الضحية وعمل هذه اللجان هو في تقاطع مع مشروع هذا القانون ولكن اللجان التي تشتغل حاليا عليها ملاءمة جميع القوانين مع بعضها البعض كي لا نبقى ننتظر إلى الأبد وعلى السلطة التنفيذية إبداء مواقف حاسمة في مناغمة القوانين مع بعضها البعض بما يتلاءم مع روح الدستور.