محسن النابتي
بدأ منذ مدة الحديث في الأوساط “الإسرائيلية” عن حلف “سني صهيوني” يضمّ السعودية ومصر والاردن وتركيا والكيان الصهيوني ويحظى بدعم أمريكي علما وأنّ بوادر هذا الحلف بدأت تظهر منذ أن رفضت السعودية المبادرة المصرية لتشكيل قوات عربية مشتركة ثم أعلنت عن الحلف الإسلامي في وقت لاحق بما يعني أنّ السعودية كدولة وظيفية في المعركة الدينية والطائفية المشتعلة أسقطت المبادرة المصرية وأعطت حلفها بُعدا طائفيا في إطار الدّور الموكول إليها.
فشل الحلف الإسلامي
ولكنّ المؤشرات كلّها تقول إنّ الحلف الإسلامي كان حلفا وهميّا ولا يملك مقوّما واحد من مقومات البقاء لأسباب موضوعية وهي أنّ الدول المشكلة لذلك الحلف في أغلبها وهمية لا جيش وإمكانيات ولكن هناك دول أخرى لا بدّ أن نتوقّف عندها وهي في نظري ثلاثة دول باكستان ومصر وتركيا.
باكستان لا يمكن أن تدخل حرب مع السعودية بعنوان طائفي ولا تستطيع أن تقدّم أكثر من مجرد دعم سياسي لثلاثة أسباب الأول أنّ لباكستان مشاكل كبرى مع الجماعات الجهادية في باكستان وفي أفغانستان المتاخمة ولا مصلحة لها في الدخول في حرب مفتوحة مع هذه الجماعات قد تدفع ثمنها غاليا، ثانيا باكستان دولة متنوعة دينيا بشكل كبير و يكفي أنّ عدد أبناء المذهب الشيعي أكثر من ثلاثين مليون نسمة وهي دولة جارة لإيران وتجمعها بها علاقات جيّدة وليس من مصلحتها توتير هذه العلاقة. والسبب الثالث هو أنّ الهند العدو الأوّل لباكستان والقريبة من روسيا والصين وإيران لن تكون راضية عن هكذا تحالف، وهو أمر من شأنه أن يثير حفيظتها وبالتالي كلّ المؤشرات تقول إنه لا يمكن أن تذهب باكستان بعيدا في هكذا تحالف.
مصر الدولة العربية الأقوى والأكبر والجيش الأكثر عُدّة وعتادا في افريقيا والوطن العربي والشرق الأوسط لن تقدم أكثر ممّا قدّمته في اليمن، فجيش مصر لا يقبل أن تقوده السعودية مهما كان موقفنا من سياسة الدولة المصرية. وأيّ قيادة سياسية مصرية وخاصة إذا كانت من المؤسسة العسكرية تعرف أنّ عواقب إذلال الجيش المصري ستكون وخيمة وأولويات مصر في الحرب على الإرهاب داخلية أوّلا وليبيا وسوريا ثانيا، أمّا نقطة الضعف فهي الوضع الاقتصادي المصري فلا اعتقد أنّ هذا الأمر كاف لدخول مصر حلفا كسيح مثل حلف السعودية.
تركيا المتورطة في الإرهاب رحّبت بالفكرة لا لمحاربة الإرهاب وإنما باعتبار وضعها الكارثي فهي دون صديق تقريبا في جيرانها “العراق، سوريا، روسيا، ايران، اليونان… ولم يبق لتركيا من منفذ، خاصة بعد تخلّي أمريكا عن فكرة إسقاط النظام، إلاّ أن تتعلّق بتلابيب آل سعود ومن معهم لتحافظ على دور سياسي مهما كان، سواء كان ذلك لمحاربة الإرهاب أو لحرب الطائفية. فالمهمّ أن يبقى لها أصدقاء في المنطقة، دون أن ننسى أنّ تركيا هي مرجعية الإخوان المسلمين الآن وليست السعودية ولا الإمارات ومنذ بداية عاصفة الحزم هناك نوع من التحالف الضمني بين الإخوان والسعودية ومازال كلاهما الوهابية والإخوان يحتاجون بعضهم البعض في سوريا واليمن وغيرها، وتركيا تسعى جاهدة إلى حلحلة وضع الإخوان خاصة في مصر وليبيا. وتحالف مثل هذا قد يجبر مصر في صفقة شاملة على القبول بالإخوان ولو بشكل جزئي في مصر وليبيا خاصة. ولكن أعتقد أنّ القيادة التركية ذهبت بعيدا ضدّ مصر وقطعت على نفسها خط العودة، والتّقارب المصري التركي حاليا أمر صعب جدّا.
إذن تلاشى الحلف الإسلامي تقريبا وما بقي منه يعيش فضيحة عسكرية وسياسية وأخلاقية في اليمن. وقد ينتهي به الأمر إلى مواجهة داخلية خاصة بعد التطورات الأخيرة في جنوب اليمن، حيث أعلنت الدولة المستقلة تقريبا ولم يبق إلاّ البدء في طلب الاعتراف الدولي. والإمارات ستكون أولى المعترفين وربما تبقى السعودية وحدها في مواجهة شمال اليمن… وبعد أن فشل الوكيل دخل الأصيل كالعادة حيث بدأت الولايات المتحدة الأميركية ومعها دولة الكيان الصهيوني في إنشاء حلف في المنطقة يضمّ “إسرائيل” والأردن والسعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر تحت اسم “حلف الشرق الأوسط” أو كما يسميه البعض “ناتو الشرق الأوسط”، وتكون تركيا في مرحلة لاحقة عضوا فيه. وهو ما يذكّرنا بمشروعات الأحلاف التي أقامتها الولايات المتحدة الأميركية في خمسينات القرن الماضي، “حلف بغداد ومشروع ايزنهاور”.
كذلك فإنّ مشروع إقامة سكة حديد تمتد من حيفا إلى إربد فالرياض وتصل إلى منطقة الخليج العربي يُعيد إلى ذاكرتنا مشروع “جونستون” في خمسينات القرن الماضي، من أجل إدماج “إسرائيل” في الجسم العربي، وتصفية القضية الفلسطينية والصراع العربي – “الإسرائيلي”، وإحكام سيطرة الولايات المتحدة على الأمّة العربية.
في سياق الإعداد لتنفيذ هذا المشروع تصعّد الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الإقليميون وأتباعها الرجعيون العرب الحرب على سوريا من أجل تقسيمها وإسقاط الدولة السورية. وفي جديد هذه الحرب تبرز الاستعدادات الأميركية – البريطانية – الأردنية – “الإسرائيلية” لغزو جنوب سوريا. كذلك تعمل الولايات المتحدة الأميركية من جديد على إشعال نار الحرب الأهلية في لبنان.
إنّ قيام هذا الحلف يأتي ترجمة للمعادلة التي طرحها رئيس وزراء العدو وهي “أنّ السلام مع العرب هو الذي يؤدّي إلى حلّ المشكلة الفلسطينية، وليس العكس”. في هذا المجال تأتي الوثيقة السياسية التي طرحتها حركة “حماس” مؤخّرا، والتي تسعى من خلالها إلى الالتحاق بمشروع تصفية القضية الفلسطينية الذي أطلقوا عليه اسم “صفقة القرن”.
فهل ستنجح أمريكا والصهيونية والسعودية في ذلك؟
مصير ناتو شرق الأوسط مثل مصير الحلف الإسلامي
أعتقد أنّ ناتو الشرق الأوسط لن يكون أوفر حظّا من الحلف الإسلامي لأنّ الدول مثل الأردن وقطر والبحرين لا شيء في المعادلة العسكرية. أمّا مصر فلن تذهب بعيدا لنفس الأسباب التي حالت دون ذهابها بعيدا في الحلف الإسلامي، وتردّد مصر يعني إبقاء الإمارات على أهدافها الخاصة في اليمن وليبيا وطبعا لم يعد هناك حديث عن باكستان. وتراجعت تركيا أوّلا بسبب الإصرار على توريط مصر من جهة ومن جهة ثانية التذبذب التركي نتيجة المشكلة الكردية التي باتت الورقة الأمريكية الوحيدة في شمال سوريا، وأيّ ذهاب بعيد ضدّ سوريا وروسيا وإيران يعني فتح باب الجحيم على تركيا من خلال توافق عالمي حول الاكراد.
أيضا نقطة الضعف الفادحة هي غياب القيادة السياسية للمنطقة، وبالتالي ليس أمام أمريكا و “إسرائيل” إلاّ التسليم بالقيادة السعودية. وما عقد القمة الإسلامية الأمريكية بحضور صهيوني غير معلن في الأيام القادمة في السعودية إلاّ خطوة في بناء هذا الحلف بقيادة سعودية. ولكنّ شيئا من هذا لم يحصل وأعتقد أنّ الأمر راجع إلى سبب بسيط هو أنّ السعودية لا تملك مقوّما واحدا من مقوّمات قيادة المنطقة، فلا هي نموذج سياسي ملهم – فهي في هذا الصدد أكثر الأنظمة تخلّفا في العالم – ولا هي مقوّم اقتصادي، فاقتصادها اقتصاد ريعي متخلّف، ولا هي مقوّم عسكري فجيشها جيش وهمي وهو أضعف الجيوش على الإطلاق والسعودية صفر قوة ناعمة وهي المقوم الرئيسي الآن في لعب دور اقليمي فلا ثقافة ولا فن ولا مسرح ولا كتاب ولا إعلام… فهي الأشدّ تخلّفا، وهناك نقطة لا بدّ من الإشارة إليها وهي أنّ فلسطين ومنذ سنة 1948 ظلت المدخل للشرعية الشعبية لأيّ نظام رسمي عربي يريد أن يكسب ودّ الجماهير العربية. وهذا المدخل هو مدخل سياسي وليس دينيا. ومن يريد أن يتحمّل أعباء هذه الشرعية ويأخذها هناك باب وحيد للولوج إلى هذا الدور القومي العربي وهو فلسطين ورفع لواء تحريرها ودعم المقاومة فيها. وأيّ دولة تريد أن تلعب دورا قياديّا في الوطن العربي عليها الإيفاء بهذا الشرط أوّلا وإلاّ لن تكون لها أيّ شرعية لا رسمية ولا شعبية، وطبعا السعودية أبعد ما يكون على أن تقترب من موضوع تحرير فلسطين وبالتالي تحاول أن تعوّم أدوارها بالإسلامية والإسلامي وغيرها لأنه لا شرعية أخرى لها لا سياسية و لا أخلاقية ولا تاريخية لتقود الوطن العربي.
وإذا كانت فلسطين مدخلا لقيادة المنطقة سياسيا ووجدانيا بما يعني أيّ خروج للكيان الصهيوني في قيادة ناتو الشرق الأوسط مباشرة سيجعل منه حلفا ميّتا قبل أن يولد…
ونتيجته مثلما كان فشل موضوع الأحلاف في خمسينيات القرن الماضي السبب في سقوط الكثير من الأنظمة الرجعية وصعود القوى التقدمية الوحدوية، أعتقد أنّ التاريخ سيعيد نفسه مع حلف السعودية –”إسرائيل” نظرا إلى عودة الوعي الشعبي العربي ولو بشكل تدريجي بخطورة ما يجري في الوطن العربي وكذلك عودة الروح إلى المقاومة الفلسطينية وهو ما سيشكّل حاضنة لميلاد حركة تحرّر عربية جديدة.