كشفت جمعيّة “شبكة دستورنا” وحملة “مانيش مسامح”، خلال ندوة صحفيّة مشتركة، عُقدت يوم الخميس بمقر النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، عن ملف فساد إداري ومالي ونهب لممتلكات الدولة والإثراء على حساب المجموعة الوطنيّة.
وتمّ الكشف عن أهمّ تفاصيل ملفّ الفساد المتعلّق بحصول الشركة العقارية والسياحية “مارينا قمرت” على تراخيص بناء بشكل غير قانوني وما انجرّ عن ذلك من تجاوزات.
تراخيص دون وجه قانوني
وتتمثل أطوار عمليّة الفساد في حصول الشركة العقاريّة “مارينا قمرت” على رخصة بناء من قبل بلدية المرسى بتاريخ 30 أفريل 2007 لبناء “مجمع سكني وسياحي ترفيهي ومارينا” في منطقة كاب قرطاج، في حين أنّ الشركة المذكورة قد اشترت العقار المذكور الذي ستُشيد عليه البناءات المرخّصة لها بتاريخ 28 ديسمبر 2008 أي بعد سنة وثمانية أشهر من حصولها على رخصة البناء.
وهذا ما يفسّر غياب التّنصيصات الوجوبيّة المتعلقة بالأرض موضوع الرخصة، إذ لم يقع ذكر عدد الرسم العقاري أو المقسم ولم تقع الإشارة إلى شهادة ملكيّة. ويعود غياب هذه التّنصيصات إلى عدم ملكيّة الشركة الباعثة للمشروع للأرض.
لكنّ الشركة لم تكتف بذلك بل تحصّلت أيضا على ترخيص ثان من قبل الديوان الوطني التونسي للسياحة تمثّل في”شهادة إيداع تصريح بالاستثمار”، بتاريخ 24 ماي 2007، أي بعد أقل من شهر من الحصول على رخصة البناء وقبل سنة وسبعة أشهر من شراء العقار من الوكالة العقاريّة للسياحة.
تجاوز نوعيّة النّشاط
ونصّ الفصل الخامس من عقد بيع الأرض التي تمسح حوالي 21.7 هكتار على أنّ استغلال الأرض موضوع البيع محدّد ومشروط ببناء “ميناء ترفيهي وتوابعه من مرافق فقط لا غير”، ولم يتضمّن أيّ إشارة إلى المركّب السكني الذي تمّ بناؤه. بل حدّد العقد شروط سقوط الحق بأيّ استعمال مخالف لطبيعة المشروع.
الفصل 5 من العقد: تلتزم المشترية الشركة العقارية والسياحيّة مارينا قمّرت باستعمال المبيع لغاية إنجاز مشروع ميناء ترفيهي وتوابعه لا غير…وفي صورة استعمال مخالف لطبيعة المشروع أو عدم إنجاز المشروع في الآجال فإنّه يحقّ للبائعة الوكالة العقارية السياحية طلب تجريد المشترية من حقوقها كليّا أو جزئيّا…
كما أنّ هذا ما يؤكّده مضمون كرّاس الشّروط المرفقة بعقد البيع والممضى عليه من قبل الشركة العقارية “مارينا قمرت” وتحديدا في فصلها الأوّل والذي يُلزمها ببناء ميناء ترفيهي وتوابعه “فقط لا غير”.
استغلال للامتيازات دون وجه حقّ
وتثبت الوثائق التي تقدّمت بها “شبكة دستورنا” و”حملة ما نيش مسامح” أنّ شركة “مارينا” قامت باستغلال الامتيازات الجبائية والضريبيّة المخصّصة لبعث المشاريع السياحية والديوانية التي تضمّنتها مجلّة التّشجيع على الاستثمار.
حيث قامت الشركة ببناء وحدات سكنيّة وباعتها بأثمان باهضة. ولئن كان المشروع المتعلق بـ”ميناء ترفيهي وتوابعه فقط” من شأنه أن يعود بالفائدة على المجموعة الوطنيّة باعتبار أنّ الموانئ البحرية بأنواعها تُعَدّ من المرافق العمومية التي يتمتّع باعثها بسعر رمزي عند شراء الأراضي وبامتيازات جبائية و ضريبيّة و ديوانيّة، إلاّ أنّ ما أقدمت عليه الشركة العقاريّة والسياحية “مارينا” يُعدّ من قبيل إهدار المال العام. وذلك باستغلال الأرض لبناء 200 فيلا فخمة ومساكن من النوع الفاخر. حيث يُقدَّر ثمن بيع المتر المربع الواحد حوالي 3000 دينار.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الأرض المذكورة تمّت إحالتها من الملك العمومي البحري للدولة إلى ملك الدولة الخاص بأمرين عدد 438 و439 لسنة 2007 من قبل الرئيس المخلوع مؤرخين في 3 مارس 2007، ثمّ تمّت إحالتها إلى الوكالة العقارية السياحية التي أحالتها بدورها إلى الشركة العقارية والسياحية “مارينا”.
ويُعدّ ما أقدمت عليه الشركة من الجرائم التي يُشدّد المشرّع التونسي على معاقبة مرتكبيها. وهي تلك التي يقع ارتكابها من قبل الموظّفين العموميّين أو أشباههم الذين يستغلّون صفتهم الإدارية لاستخلاص فائدة لهم أو لغيرهم دون وجه حق. حيث وضعها المشرّع في صنف الجنايات ويعاقب عليها بالسّجن لمدّة تصل إلى عشر سنوات فضلا عن العقوبات الماليّة.
تحيّل الشّركة على المشترين
وفي تصريح لـ”صوت الشعب”، قال رئيس جمعيّة “شبكة دستورنا” إنّ الشركة العقارية والسياحية “مارينا قمرت” أسندت للمشترين عقودا مزوّرة من قبل محامين زوّروا المعطيات وأوهموا المشترين بوجود تراخيص غير موجودة.
وأكّد أنّ شركة مارينا قد احتالت على مشتري الشّقق والفيلات باعتبار أنّ التحرير على عقود وعد بالبيع بين الشركة المذكورة وبين الرّاغبين في شراء تلك العقارات تضمّنت معطيات خاطئة ومزوّرة، إذ اعتمدت على التراخيص والعقود التي منحتها الحق في بناء ميناء ترفيهي وتوابعه “فقط لا غير” وأقنعت المشترين أنها متحصّلة على ترخيص من الديوان الوطني التونسي للسياحة يمنحها الحقّ في إقامة مشروع سكني وسياحي مندمج.
وتجدر الإشارة في هذا الصّدد إلى أنّ المحامي الذي حرّر عقد شراء الأرض من الوكالة العقاريّة للسياحة هو نفس المحامي الذي حرّر وعود البيع. وبالتالي فإنّه كان على علم تام بالعمليّة برمّتها ويتحمّل المسؤوليّة المدنيّة والجزائيّة كاملة خصوصا فيما يتعلّق بتصريحه بصدق البيانات الواردة في وعد البيع. والتي تدّعي أنّ الشركة قد شيّدت المساكن في كنف القانون على أساس أنّ هذه التراخيص والعقود تمنحها الحق في تشييد الإقامة السكنيّة، في حين أنها تمنعها من ذلك وتحذّرها وتجرّدها من كامل حقوقها إذا ما غيّرت موضوع المشروع والنشاط.
وأشار بن مبارك إلى أنّ الشركة لم تكتف بذلك بل اشترطت على المشترين، لتمكينهم من شققهم، التنازل الكلي عن خطايا التّأخير المقدّرة بـ15% من الثمن المدفوع. وامتنعت عن تسليم الشّقق لمن رفض التّنازل عن حقّه في خطايا التّأخير، رغم أنّ المعنيّين دفعوا ثمن الشراء كاملا منذ 2009. كما أنّ وزارة السياحة باعتبارها سلطة الإشراف لم تحرّك ساكنا عندما بلغتها مراسلة (شكاية) من أحد المشترين الأجانب بتاريخ 23 ديسمبر 2016.
تواطؤ السّلط الجهويّة والمركزيّة
وأوضح بن مبارك أنّ مجموعة الفيلات والشقق وقع تشييدها على مرأى ومسمع من كلّ السلط المركزية والجهوية (البلدية، الولاية، وزارة السياحة، وزارة التجهيز، الوكالة العقارية للسياحة، الديوان الوطني التونسي للسياحة…). ولم تبادر أيّ من السلط المذكورة، قبل الثورة أو بعدها، بالتدخل أو بالتحقيق أو بالمساءلة أو بإيقاف المشروع. و”الآن هناك محاولات محمومة من أجل تدارك الوضعيّة من قبل أجهزة الدولة الإداريّة منها والحكوميّة”، وفق قوله.
وأضاف أنّ “الشركة العقارية والسياحية “مارينا قمرت” ورئيس مديرها العام يحظيان بالحماية والتّستّر إلى درجة أنه توجد مساعي حثيثة في هذه الفترة إلى إتمام إجراءات تتعلّق بمنحها لزمة لاستغلال الميناء لمدة 30 سنة تحقّق فيها أرباحا تتراوح بين 2 و3 مليون دينار سنويا”.
وقد تمّت عملية تهريب أموال طائلة خارج تونس منذ 2014. حيث تمّ توزيع أكثر من 80 مليون دينار حتى قبل ختم حسابات المشروع على الشركاء وهم كريم ميلاد بنسبة 25 % وسليم شيبوب بنسبة 25 % و50 % لشركة “الماجدة” و”الأغا “القطريّتين.
وتهّم قضية الفساد، التي “امتدت منذ 2007 إلى يوم الناس هذا رغم تعاقب الحكومات قبل الثورة وبعدها، عددا كبيرا من الموظّفين وأشباه الموظّفين ومن رجال الأعمال إضافة إلى وزراء السياحة والتجهيز المتعاقبين ومديري ديوان السياحة ومديري الوكالة العقارية السياحية والنيابات الخصوصية لبلدية المرسى”.
خسارة خزينة الدّولة
وللإشارة فقد تمّ بيع الأرض بسعر رمزي لا يتجاوز الـ40 دينارا للمتر المربع الواحد سنة 2007، في حين أنّ ثمنه الحقيقي يفوق الـ1000 دينار. ما تسبّب في خسارة لخزينة الدولة تناهز 200 مليون دينار دون احتساب الامتيازات الجبائية التي تُقدّر بعشرات المليارات التي تحصّلت عليها الشركة المذكورة، وذلك حسب ما أفادنا به بن مبارك الذي طالب بضرورة أن تستعيد الدولة أموالها وأموال الشعب ومحاسبة المتورّطين، موضّحا أنّه بمقتضى عقود البيع تمّ استغلال العقار المباع بثمن رمزي لغاية غير بناء المرفق العام، أي لغايات ربحية، مشدّدا على أنّ من واجب الوكالة العقاريّة السياحيّة أن تسترجع الأرض وتسترجع الملكيّة بما فيها وتقوم بتسوية وضعيّة الشاريين، ومشيرا في ذات الصدد إلى الجانب الجزائي فيما يتعلّق بالتزوير وإسناد تراخيص غير قانونيّة.
القضاء هو الفيصل
وأكّد رئيس جمعية “شبكة دستورنا” أنه سيقع تقديم هذا الملف إلى القضاء من أجل أن يفتح القطب القضائي المالي تحقيقا شاملا وأن تقوم الجهات المعنيّة بإيقاف عمليّة تهريب الأموال خارج أرض الوطن. ودعا هيئة الحقيقة والكرامة إلى فتح ملفات الصّلح التي تمّ إبرامها بكلّ شفافيّة. وانتقد بن مبارك بشدّة عدم التّعاطي بالجدية الكافية مع ملفّات الفساد من قبل الهيئات المعنيّة، مضيفا أنّ ضغط الرأي العام والإعلام من شأنه أن يحرّك هذه الملفات.
هذه عيّنة عن قضيّة فساد شائكة وضخمة تكبّدت فيها الدّولة خسائر كبيرة قُدّرت بمئات المليارات وتشمل مسؤولين في الدولة وموظفين ورجال أعمال، في حين أنّ رئيس الدولة يسعى من خلال قانون المصالحة إلى التغطية على هذه الحقائق وطمسها ومنح العفو على من أجرموا في حقّ الدولة وفي حقّ الشعب.
تعريف الفساد
يتّخذ الفساد أشكالا متعددة منها الرشوة والمحسوبية المحاباة والواسطة وسرقه المال العام والابتزاز والتقاعس عن أداء الواجب وعرقلة مصالح المواطنين.
الفساد لغة هو البطلان. ويقال فسُد الشيء أي بطُلَ واضمحلّ. أمّا الفساد اصطلاحا فهو إساءة استعمال السّلطة العامّة أو الوظيفة العامّة للكسب الخاص، حيث يُعرّفه معجم “أوكسفورد ” بأنه “انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامّة من خلال الرّشوة والمحاباة”، وتُعرّفه منظّمة الشفافيّة العالمية بأنه “استغلال السّلطة من أجل المنفعة الخاصّة”.
فالفساد يحدث عادة عندما يقوم موظّف بقبول رشوة أو يطلبها أو يبتزّها لتسهيل إجراء متعلّق بمنافسة عامّة. كما يتمّ عندما يعرض وكلاء أو وسطاء رشاوي للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتّغلّب على منافسين وتحقيق أرباح خارج إطار القانون. ويحصل الفساد عن طريق استغلال الوظيفة العامّة من دون اللّجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب أو سرقة أموال الدولة مباشرة.
أسباب الفساد
• ضعف السلطتين القضائية والتشريعية وخضوعها إلى لسلطة التنفيذية.
• ضعف أجهزة الرقابة في الدولة وعدم استقلاليتها.
•ارتباط السلطة بالرأسمال
• المنافسة بين القطاعين العام والخاص
• تدنّي رواتب العاملين في القطاع العام وغلاء المعيشة، ما يدفع بعض العاملين بالبحث عن مصادر ماليّة أخرى.
• غياب أو عدم الالتزام بقواعد العمل والإجراءات ومدوّنات السّلوك للموظّفين في القطاعين العام والخاص.
• ضعف الانتماء الوطني وشيوع النزعات القبلية والعشائرية.
•غياب حرية الإعلام وعدم السماح للإعلاميّين وللمواطنين بالوصول إلى المعلومة ما يحول دون ممارستهم لدورهم الرقابي على المؤسسات العامة.
• ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني في الرقابة على الأداء الحكومي أو عدم تمتّعها بالحيادية في عملها.
• غياب التّشريعات والهيئات التي تكافح الفساد وتفرض عقوبات على مرتكبيه.
• التّعيينات على أساس الولاء والقرابة والانتماء الطائفي والقبلي أو العشائري أو السياسي، وليس على أساس الكفاءة.
مكافحة الفساد
• وضع ضوابط للمنافسة بين القطاعين العام والخاص كدعم القطاع العام وتفعيل الرّقابه عليه وتحفيز العاملين به. وتحديد مجالات نشاطها بهدف منع تنقّل قوة العمل أو الاستثمارات أو البضائع أو الخدمات من القطاع العام إلى القطاع الخاص أو العكس.
• التّأكيد على دور الدولة في إدارة الاقتصاد مع العمل على إصلاح القطاع العام وتطهيره من البيروقراطية والاختلال الإداري.
• وقف خوصصة المؤسسات العموميّة، وضمان الشفافية في القطاع الخاص وتكثيف رقابة الدولة.
• اعتماد مبدأ الكفاءة دون غيره في التعيينات والترقيات.
• الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذيّة والقضائية.
• حرية الصحافة والرأي والتعبير كأداة للرقابة.
• إصدار قوانين صارمة لمكافحة الفساد وتطبيق مبدأ “من أين لك هذا؟”.
لطفي الوافي