تمثل المغالطات والتناقضات السّمات البارزة في الحوار الأخير الذي أدلى به رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، لصحيفتي الصّباح ولابراس، فهو يدّعي أنه يخصص» يوميا من ساعة إلى ساعتين لمحاربة الفساد والقيام بعملية تدقيق لأعمال أجهزة الرقابة التابعة لرئاسة الحكومة ولوزارة المالية خلال الثلاث سنوات الأخيرة «، وفي نفس الوقت يطالب كل من يتّهم وزراء ومسؤولين سامين في الحكومة بالتورّط في الفساد بتقديم أدلّة إدانة، والكلام موجّه هنا ضمنيّا إلى الجبهة الشعبية وإلى ناطقها الرسمي. حيث أنه من المفروض حسب ادّعاءه أن يكون هو أوّل من يعلم بذلك وأن يمتلك بالتالي هذه الأدلّة التي يتحدّث عنها والتي يطالب الآخرين بتقديمها.
وبالرغم من حيازته لكل المعلومات حول الضّالعين في الفساد، دائما حسب قوله، فإنه لا يؤكّد بصفة قطعية تواصل عملية الإيقافات ويكتفي باستعمال صيغة الشكّ (» الإيقافات قد لا تكون الأخيرة وقد تكون إيقافات أخرى « )، ممّا يؤشر على عدم استمرارها أي عدم توفّر إرادة حقيقية لمحاربة الفساد الذي لا يتطلب إصدار ترسانة قانونية جديدة، كما بشّرنا رئيس الحكومة بذلك، وإنّما فقط تفعيل القوانين الموجودة.
هذه المغالطات تتّضح أكثر بإعلانه انتداب عددا مُهمّا من القضاة العدليّين والماليين، إذ أنه يتجاهل أن المشكل هنا لا يكمن فقط في العدد بل أيضا وبالخصوص في عدم استقلالية القضاء الذي لا يزال يخضع للسلطة التنفيدية ويتجلى ذلك بالأساس في عدم تسليط الضوء على عدّة ملفّات حارقة، ومن بينها ملف شهداء الجبهة ومحاولات طيّه نهائيا، وعدم تدخل النيابة العمومية في العديد من القضايا الجليّة والمفضوحة، وإفراغ الملفات من أدلة الإدانة حتى يقع إخلاء سبيل إرهابيين ومجرمين حقيقيّين، وعدم تنفيد أحكاما قضائية، الخ.
الشّاهد تجاهل كل هذه الحقائق وأصبح يتسائل عن غياب دور القضاء العدلي في محاربة الفساد وعدم الفصل في بعض قضايا تقارير عبد الفتاح عمر وكأنّه يوجد خارج منظومة الحكم.
كلامه تضمّن مغالطة أخرى تتعلّق بالدعم المزعوم لهيئة مكافحة الفساد والقطب القضائي المالي، فالهيئة لا تزال تفتقد لهيكل استقصائي يمكّنها من تتبّع الأشخاص الذين تحوم حولهم شبهات حتى تتمكّن من كشف الحقائق كاملة وكذلك للموارد البشرية والمالية واللوجستيية اللازمة، والقطب لا يزال يشتغل بثمانية قضاة فقط للبتّ في مئات القضايا. ولطمئنة التونسيّين أكثر أعلن عن بعث لجنة للتدقيق في الثروات الطبيعية الوطنية مذكّرا أن» مثل هده اللجنة معمول بها حتى في دول الخليج «أين مآل هذه الثروات لا يخفى على أحد. فنِعْم المثال ونعم اللجان! فالنتيجة معلومة والمصير محتوم!
وفي خصوص السّياحة فإن رئيس الحكومة صمت صمتا تامّا حول الفساد الذي ينخر هذا القطاع والذي بات مؤكّدا لا لبس فيه بعد تسائل محافظ البنك المركزي عن مآل العائدات المالية لهدا القطاع. فعليه أن يعلم إن لم يعلم، ولا نخاله لا يعلم، أن عدم وجود نيّة حقيقية لديه في محاربة الفساد تتجلّى أيضا من خلال التقليص في عدد الموظفين وإفراغ الإدارة من أعوان المراقبة وذلك تطبيقا لإملاءات صندوق النقد الدولي.
خلال هذا الحوار الذي طغت عليه المجاملات أمكن للشّاهد أن يسوّق صورته وأن يعلن عن بدء حملته الانتخابية لرئاسيات 2019 متباهيا بإنجازات وهميّة ترتكز على أرقام غير موثوق بها، إمّا بسبب افتقار المؤسّسة التي صاغتها، أي المعهد الوطني للإحصاء، للوسائل البشرية والفنية اللازمة للقيام بدراسات علمية دقيقة حسب تأكيدات مديره العام، وإمّا بسبب اتّهام هذا الأخير بخدمة أجندات سياسية وحزبية معيّنة، وإمّا بسبب اقترانها بعوامل مناخية عابرة تؤكّد مرة أخرى أن جميع الحكومات اليمينية المتعاقبة تتّبع سياسات ربّانية، بما أن «رحمة ربي داخلة في السياسة» كما أكد ذلك الوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وتخضع بالتالي للقضاء والقدر.
كلّ هذه الأرقام والأحلام المزيّفة سوف تجرفها الحقيقة الدامغة كما جرفت الأمطار الغزيرة التي هطلت مؤخّرا الأوحال والأتربة المتكلسة والفيروسات العالقة…
فوزي قصيبي