لطفي الوافي
انقضت منذ أيّام قليلة، آجال الترشيح لعضوية المحكمة الدستورية. حيث رشّحت الكتل النيابية بمجلس نوّاب 13 شخصية لعضوية هذه المؤسسة الدستورية، في ظلّ تزايد المخاوف من شبح المحاصصة الحزبيّة وإمكانيّة خضوعها لمنطق التّوافق والتّرضيات السياسيّة التي رافقت مسار تركيز مثيلاتها من المؤسسات والهيئات.
شبح المحاصصة
وعبّر مراقبون ومتابعون لمسار تركيز المحكمة الدستوريّة عن خشيتهم من إمكانيّة تسييس المحكمة الدستورية خصوصا إذا تمّ تعيين أعضائها الاثني عشر على أساس الولاءات الحزبية والمحاصصة السياسيّة وإمكانيّة انحياز أعضائها للكتل البرلمانية التي قامت بترشيحهم. مع العلم أنّ ثلث أعضائها سيتمّ تعيينهم من قبل السلطة التنفيذية ممثّلة في رئيس الدولة والثلث الثاني ستفرضه الكتل النيابيّة ذات الأغلبية البرلمانية. ويقوم المجلس الأعلى للقضاء باختيار الثلث المتبقّي.
وتختصّ المحكمة الدستورية دون سواها بمراقبة دستورية مشاريع القوانين بناء على طلب، من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو 30 عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب، يُرفع إليها في أجل أقصاه سبعة أيام من تاريخ مصادقة المجلس على مشروع القانون أو من تاريخ مصادقته على مشروع قانون في صيغة معدّلة. كما تنظر في مشاريع القوانين الدستورية التي يعرضها عليها رئيس مجلس نواب الشعب وتراقب مدى احترام إجراءات تعديل الدستور.
وتختصّ المحكمة الدستورية، دون غيرها، بمراقبة دستورية المعاهدات الدولية بعد عرضها عليها من قبل رئيس الجمهورية. وتبتّ المحكمة في أجل 45 يوما من تاريخ التعهّد. إضافة إلى “القوانين التي تحيلها عليها المحاكم تبعا للدفع بعدم الدستورية بطلب من أحد الخصوم في الحالات وطبق الإجراءات التي يُقرّها القانون”. كما تتولّى مهاما أخرى موكوله إليها بمقتضى الدستور.
مدى استقلالية المحكمة
ورغم الشروط الواجب توفّرها في المرشّحين على غرار الكفاءة القانونية والنزاهة والحياد والخبرة وعدم الانتماء إلى أيّ طرف سياسي خلال السنوات العشر الأخيرة، إلاّ أنّ هذه الأطراف الثلاثة المكلّفة بالتّعيين بإمكانها اختيار أعضاء من ذوي الكفاءة وتتوفّر فيهم الشروط المذكورة. وهذا لا ينفي إمكانيّة تعيين أشخاص مقرّبين منها أو تربطهم بها مصالح معيّنة.
وهو ما قد يجعل من هذه الشروط، وخاصّة منها شرطي النزاهة والحياد، مجرّد حبر على ورق. ما قد ينجرّ عنه انزياح للمحكمة الدستوريّة عن دورها، على أهميته البالغة، في مراقبة مشاريع القوانين وتكريس علوية الدستور. وما قد ينعكس سلبا على استقلاليتها.
ولكلّ كتلة نيابية صلب مجلس نواب الشعب الحقّ في اقتراح أربعة أسماء على الجلسة العامة، على أن يكون ثلاثة أرباعهم من المختصّين في القانون.
ويتمّ انتخابهم بالاقتراع السري وبأغلبية الثلثين من أعضاء المجلس. وهو ما يفسح المجال لنوّاب الأغلبيّة للتصويت لمرشحين دون غيرهم على أساس إيديولوجي أو حزبي، دون مراعاة مبدأ الكفاءة والنزاهة والحياديّة.
وإن لم يحصل العدد الكافي من المرشحين على أغلبية الأصوات المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية، يُفتح باب الترشيح مجدّدا لتقديم عدد جديد من المرشّحين لسدّ النقص مع مراعاة الاختصاص في القانون من عدمه.
ويرشّح كلّ مجلس قضائي أربعة أسماء. وتنتخب الجلسة العامة للمجلس الأعلى للقضاء بالاقتراع السري وبأغلبية ثلثي أعضائها أربعة أعضاء، على أن يكون ثلاثة منهم مختصّين في القانون.
وفي صورة تساوي عدد الأصوات المتحصّل عليها، يفوز الأكبر سنّا. وهذا الشّرط الذي يُعطي الأفضليّة للأكبر سنّا ولا يراعي مسألة النزاهة أو الكفاءة.
ويعيّن رئيس الجمهورية، أربعة أعضاء على أن يكون ثلاثة منهم من المختصّين في القانون. ما يرجّح إمكانيّة أن يتمّ تعيين الأعضاء على أساس ولائهم وقربهم من رئيس الدولة أو من حزبه.
وقد اقترحت كتلة الجبهة الشعبية كلّا من الحقوقية وأستاذة القانون الدستوري سناء بن عاشور والمحامي والحقوقي العياشي الهمامي والقاضي المتقاعد أحمد صواب والأستاذ الجامعي شكري المبخوت.
ورشّحت كتلة نداء تونس القاضية روضة الورسيغني، في حين رشّحت كتلة حركة النهضة الإسلامية المحامي فاخر بن سالم ومدير المعهد العالي للحضارة الإسلامية عبد اللطيف بوعزيزي. واقترحت كتلة مشروع تونس أسماء كلّ من أستاذة القانون الدستوري سناء بن عاشور وزهير بن تنفوس إضافة إلى المفكر يوسف الصديق.
وتجدر الإشارة إلى أنّ كلّا من سناء بن عاشور والعيّاشي الهمامي قد تمّ ترشيحهما من قبل أكثر من كتلة نيابيّة. ومن المنتظر أن يتمّ التصويت في جلسة عامة لاختيار أربعة أعضاء من بين مقترحات الكتل النيابيّة قبل موفّى الدورة البرلمانية الحالية. ومن المرجّح أن يكون ذلك نهاية شهر جوان الجاري.