مرتضى العبيدي
منذ بداية العدوان السّعودي على اليمن يوم 25 مارس 2015، وتشكيل تحالف امبرياليّ رجعي للغرض بدعوى الدّفاع عن الشّرعية وإعادة تنصيب الرئيس “المنتخب” والمستقيل والمتراجع عن الاستقالة عبد ربّه منصور هادي، يتفاقم تدهور الوضع الصحّي لليمنيّين، بعدما عمد هذا الحلف العدواني إلى تدمير كلّي لجميع أصناف المرافق والمنشآت العمومية. فالغارات التي لم تسلم منها حتى المنشآت الصحّية، لم تكن تستهدف في الواقع أهدافا عسكريّة بقدر ما استُخدمت لتدمير المنشآت والبنى التحتيّة، في عملية ممنهجة للإضرار باليمن ومقدّراته.
وقد نتج عن ذلك تعطّل للمؤسّسات والخدمات العامّة في كبرى المدن اليمنيّة الذي جعلها تتحوّل إلى مصبّات كبرى للنفايات. أضف إلى ذلك النقص الفادح للمياه المطهّرة والصّالحة للشراب جعل البلاد، التي علّمت البشرية منذ غابر الأزمان تقنيّات بناء السّدود، تعاني انتشارا غير مسبوق للأمراض والأوبئة المعدية، أمراض كانت قد انقرضت من اليمن لتعود إليه اليوم في ظلّ الحصار الاقتصادي والعسكريّ الذي يفرضه آل سعود وحلفاؤهم على الحدود والمرافئ اليمنية. ويُذكر أن العدوان السّعودي الأمريكي على اليمن، الذي يمنع البواخر التّجارية من دخول المرافئ اليمنيّة، أدّى إلى نقص حاد في المواد الغذائية والطّبية. وفي المقابل فهو يسهّل استيراد الإرهاب بكافّة أشكاله وعبر قنوات جوّية وبرّية وبحريّة، استيراد لآلاف الإرهابيّين من ساحات الصّراع الأخرى كسوريا والعراق عبر سفن سعودية وطائرات قطريّة، في محاولة لإخضاع الشّعب اليمني وجعله ينخرط في سياسة المحاور التي تشهدها المنطقة برعاية القوى الامبريالية.
المنظّمات الدوليّة تحذّر من الكارثة البشريّة القادمة:
وهذا الوضع، جعل المنظمات الإنسانية، وهيئات المنتظم الأممي، ترفع صوتها للتّحذير من الكارثة المحدقة باليمن وشعبه. فقد أعلنت منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” أن الوضع بات كارثيّا بسبب انتشار الوباء في اليمن من جرّاء قلّة المياه الصالحة للشّرب وضعف الخدمات الصحّية. كما تحدّثت عن موت طفل يمنيّ كل عشرة دقائق، بسبب سوء التّغذية وانتشار أمراض الإسهال الحادّ والتعفّن الرّئوي وغيرها من الأوبئة التي كان بالإمكان مقاومتها لو توفّرت الأدوية والخدمات الطبّية اللازمة. كما تحدّثت في تقرير لها صدر بداية الشهر الماضي عن معاناة 237 ألف طفل من سوء التّغذية، رغم قيام أجهزتها وطواقمها بمعاينات طبّية شملت أكثر من مليون طفل يمني، ولكنّها خدمات تبقى غير كافية. وأشارت إلى أن البلاد بحاجة إلى مساعدات طبّية وغذائية عاجلة. وفي تقرير سابق، نشر في مطلع السنة الجارية، أشارت اليونيسيف أن الحرب في اليمن حصدت أرواح ما يزيد عن 1400 طفل وإصابة 21400 آخرين بجراح. وأشار التقرير إلى استهداف وتدمير قرابة 2000 مدرسة لم تعد مؤهلة لاستقبال التلاميذ.
بدورها أعلنت منظّمة أطبّاء بلا حدود أن الأوضاع الصحّية في اليمن باتت وخيمة، وأن الوباء انتشر في محافظات صنعاء، اب، ضالع، عمران، حجه ومناطق أخرى. وأكّدت أن تقارير لأعضاء في المنظمة تؤكد مصرع أكثر من مئة شخص يوميا في العاصمة صنعاء بهذا الوباء. أمّا منظّمة الصحة العالمية، فقد أشارت في آخر تقاريرها إلى ارتفاع عدد الوفيات في اليمن بسبب وباء الكوليرا إلى 923 حالة منذ 27 أفريل الماضي. وأضافت أنّه تمّ تسجيل أكثر من 124 ألف حالة يشتبه بإصابتها بمرض الكوليرا في مختلف محافظات اليمن خلال نفس الفترة.
أمّا مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، فقد أكّد في كلمة أمام مجلس الأمن في بداية الشهر الجاري أن 7 ملايين يمني مهدّدون بخطر المجاعة إن لم تتوقّف الحرب. وأضاف أن ربع اليمنيّين عاجزون عن شراء المواد الغذائية الأساسية، ونصف المجتمع اليمني لا يحصل على مياه صالحة للشرب أو على أبسط مستلزمات التّعقيم والنظافة، ممّا يساهم في انتشار الأمراض المعدية، كما أنّ انتشار وباء الكوليرا تسبّب أخيرا بأكثر من 500 حالة وفاة وأكثر من 60 ألف آخرين في 19 محافظة يشتبه في إصابتهم بالوباء. ولفت الأنظار إلى أن “تراجع الخدمات الصحّية ساهم في الانتشار السّريع لهذا المرض، إذ أنّ أقلّ من نصف المراكز الاستشفائية لا يزال قادراً على العمل، إضافة إلى ندرة أدوية السكّري وارتفاع ضغط الدم والسّرطان وغيرها من الأمراض المستعصية، كما أكّدت منظّمة الصحّة العالمية أن اليمنيين لا يموتون فقط من الحرب المستمرّة، بل أيضاً بسبب انعكاساتها”. وأشار إلى أن “نقص السّيولة النقدية وانقطاع مصادر الرّزق يمنعان اليمنيّين من الحصول على الخدمات الصّحية التي يحتاجونها”.
التّقارير المحلّية تؤكّد خطورة الأوضاع
من جهتها أشارت التقارير الداخلية إلى أنه منذ أواخر شهر أفريل الماضي، بدأ مرض الوباء ينتشر بسرعة في أكثر من 11 محافظة يمنية. وفي تصريح لمسؤول معني بصحة الأطفال في اليمن ذُكر أنه تم إحصاء ما لا يقل عن1671 حالة إصابة بالوباء، من بينها 21 حالة وفاة. ومن المؤكد أن الأعداد أكبر بكثير ولكن وبسبب حالة الحرب وتشريد الملايين لا يمكن تقديم إحصاءات دقيقة لعدد الحالات. أما وزارة الصحة اليمنية، فإنها أكدت أن هذا المرض بات ينتشر بشكل مخيف، ففي العاصمة صنعاء، فإن أرقام المصابين تتزايد بشكل كبير والمشكلة التي تواجه الطّواقم الطبّية هو قلّة الإمكانات الاستشفائية والطبّية، موجّهة نداء للمنظّمات الدولية بتحمّل مسؤولياتها وإرسال المساعدات الطبية العاجلة لمواجهة هذا الوباء المهلك. وفي تصريح لقناة روسيا اليوم، قال الناطق باسم وزارة الصحّة في صنعاء: “إن المرض لا يزال ينتشر ويزداد اتّساعا على مستوى محافظات الجمهورية… وقد أصبح لدينا الآن عشرون محافظة تبلغ عن حالات… نتلقى دعما لكنّه شحيح جدا وفي حدّه الأدنى، الاحتياج كبير جدا ومع ذلك المساعدات الإنسانية من المنظّمات لا تزال قليلة جدا ولا تلبّي الاحتياج الكبير بحجم هذا الوباء الشديد”.
وهكذا يجد الشّعب اليمني نفسه فريسة لحرب أهليّة رجعية، لم يخترها ولم يكن له أيّ مصلحة فيها، تتقابل فيها قوى رجعيّة خدمة لأجندات أجنبيّة في المنطقة، إذ تسعى الأنظمة الرجعيّة من خلالها تقديم آيات الولاء لأولي أمرها من القوى الامبريالية لتساعدها على حماية عروشها المهتزّة.