وصفت رئيسة المنظمة التونسيّة لمناهضة التعذيب الأستاذة راضية النصراوي التخلي عن منظومة الحماية الشاملة لزوجها الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمّة الهمامي بـ”العقاب”، مضيفة أنّ توفير الحماية للمواطنين وخصوصا المستهدفين منهم من قبل المجموعات الإرهابية “ليس منّة من أحد”.
وأعلنت النصراوي، خلال ندوة صحفية عقدتها بمقر المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب اليوم الثلاثاء 11 جويلية 2017، عن دخولها في إضراب مفتوح عن الطعام تنديدا بصمت رئاستي الجمهورية والحكومة فيما يتعلّق بالرسائل التي توجّهت بها لطلب توضيح رسمي حول التخلي عن منظومة الحماية الشاملة لحمّة الهمامي منذ غرة جوان المنقضي.
الدّولة مطالبة بحماية مواطنيها
واستنكرت النصراوي ما أسمته “استهتار” مؤسسات الحكم بأمن مواطنيها ومعاملتهم بمنطق “معي أو ضدي”، مؤكّدة أنّ ما أقدمت عليه السلط الحاكمة لا يعدو إلاّ أن يكون ردّة فعل غير ديمقراطية على انتقادات الهمامي لها، مشيرة إلى أنّ من يحكمون البلاد يعتبرون الدولة ملكا خاصا لهم، وذلك على حدّ تعبيرها.
وحملّت رئيس الدولة ورئيس الحكومة المسؤولية كاملة فيما يتعلّق بسلامة زوجها وعائلتها، مشدّدة على أنّ الدولة مطالبة بحماية مواطنيها بغضّ النظر عن مواقفهم السّياسية سواء كانت مع السلطة الحاكمة أو معارضة لها.
وقالت في هذا الصدد: “أحمّل رئاسة الجمهورية أوّلا والحكومة ثانيا مسؤولية أيّ أذى يلحق زوجي أو أيّ فرد من أفراد العائلة جرّاء قرار التخلي عن المنظومة التي توفّر حماية شاملة وناجعة، بقطع النظر عن المؤسسة التي تتولّى ذلك”.
وأوضحت، في ذات السياق، أنّ دوافع سياسيّة تقف وراء هذا الإجراء وأنّ مردّه الأساسي المواقف السياسيّة للجبهة الشعبيّة وخصوصا تلك المتعلّقة بالمطالبة بانتخابات رئاسيّة وتشريعيّة سابقة لأوانها، مبرزة أنّ “هذا الإجراء ليس سوى عقاب لحمّة الهمامي على مواقفه السياسيّة التي لا تعجب السلطة”.
وتوجهت النصراوي ببيان إلى الرأي العام بعنوان “حتّى لا يتكرّر سيناريو اغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي”، في إشارة منها إلى ما قد ينجرّ عن رفع الحماية.
ضرورة توضيح الأسباب
وطالبت بتوضيح الأسباب الكامنة وراء هذا الإجراء، مستبعدة أن يكون مردّه تراجع التهديدات خصوصا في ظلّ الوضع الأمني الحالي الذي تعيشه تونس.
وقد تضمنت الرسائل التي توجهت بها الأستاذة النصراوي إلى كلّ من رئيس الدولة بتاريخ 19 جوان 2017 ورئيس الحكومة بتاريخ 22 من نفس الشهر وآخرها إلى وزير الداخليّة بتاريخ 4 جويلية الجاري طلب توضيح رسمي: “هل أنّ حجم التهديدات انخفض بما يمكّن زوجي والعائلة كلّها من العودة تدريجيا إلى حياة عادية أو حتى شبه عادية، وهو ما نريده ونرغب فيه، أم هل أنّ وضعه الأمني لم يتغيّر، وفي هذه الحالة ماهي أسباب تغيير منظومة الحماية، بقطع النّظر عمّن يؤمّنها، سواء كانت مصالح الرئاسة أم مصالح وزارة الداخلية؟”.
السّلطة تلتزم الصّمت
وفي المقابل، أكّدت النصراوي أنّها إلى حدّ اليوم لم تتلقّ أيّ ردّ أو إجابة أو توضيح من قبل رئاستي الجمهوريّة والحكومة عن استفسارها وأنّهما التزمتا الصمت وتجاهلتا المسألة برمتها. في حين اكتفت وزارة الداخلية بإرسال ردّ، اعتبرته النصراوي غير مقنع ولا يجيب عن استفسارها حول حجم التهديدات واستمرارها من عدمه وحول أسباب تغيير منظومة الحماية، نافية أن تكون وزارة الداخلية قد وفّرت حراسة قارة أمام محلّ إقامتها طيلة اليوم، موضّحة أنّ الحراسة تقتصر على ساعات الليل فقط.
وفي الإطار ذاته قالت: “إنني أعتبر أنه من حقّنا كمواطنين أن نتلقّى التوضيحات الكاملة حول وضعنا الأمني وأنّ من واجب الدولة أن تتصرّف مع مواطنيها دون تمييز بسبب مواقفهم السياسيّة وانتماءاتهم الفكريّة”.
وعبّرت النصراوي عن خشيتها على حياة زوجها، معتبرة أنه مهدّد بالاغتيال في كلّ لحظة خاصة وأنّه يتنقّل دون حماية، مؤكّدة أنّها ماضية في إضرابها عن الطعام حتى تتمّ الاستجابة إلى مطلبها المتمثل أساسا في توضيح رسمي للوضع الأمني لحمّة الهمامي وكشف أسباب تغيير منظومة الحماية، قائلة:”نحن لا نستجدي الحماية وإن كان من واجب الدولة توفيرها وحماية مواطنيها”.
وأضافت أنها ستكون دائما إلى جانب حمة الهمامي وكلّ قيادات الجبهة الشعبيّة من أجل مواصلة النّضال في سبيل تحقيق الشعب لأهداف ثورته.
وقالت، في هذا السياق:”إنّني وبناتي وزوجي لا نخشى الإرهاب والإرهابيّين. كما أنّنا لا نهاب الموت، ولا نستجدي حماية من دولة حكّامها غير مسؤولين. إنّ دم حمه الهمامي وراضية النصراوي وبناتهما ليس أغلى من دم شكري بلعيد ومحمد البراهمي ولا من دم كافّة شهداء تونس منذ الحقبة الاستعمارية إلى اليوم. ومثلما سخّرتُ حياتي ماضيا وحاضرا، بمعيّة نساء ورجال من مختلف النزعات الفكرية والسياسية، للدفاع عن حرية هذا الوطن وعزّته وعزّة بناته وأبنائه، فإنني لن أتخلّى عن هذا النهج إلى أن ينعم كلّ التونسيات والتونسيين بحقوقهم كاملة”.
وللتّذكير فإنّ رئاسة الجمهورية قرّرت توفير حماية للناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبيّة حمّة الهمامي إثر اغتيال الشهيد شكري بلعيد، يوم 06 فيفري 2013، نظرا إلى التهديدات الإرهابية التي تعرّض إليها.
وقد شملت هذه الحماية، التي يقوم بها الأمن الرئاسي، كافّة تنقّلات الهمامي إضافة إلى مقرّ سكناه. ووفّرت له الظروف الملائمة للقيام بمهامه وأنشطته. وتواصلت على مدى أكثر من أربع سنوات.
وفي آخر شهر ماي الماضي، أبلغت مصالح رئاسة الجمهورية الهمامي أنّ وزارة الداخلية ستتولّى بداية من غرة جوان المنقضي توفير الحماية له. وقد أكّد مدير ديوان رئيس الدولة، أنّ الوضع الأمني لحمه الهمامي لم يتغير وأنّ وزارة الداخلية ستوفّر له منظومة الحماية المناسبة.
لكن بعد نصف شهر تبيّن أنّ منظومة الحماية التي توفّرها وزارة الداخليّة تختلف كليّا عن المنظومة السابقة نظرا إلى أنّها لا تشمل كامل الوقت وكامل التّنقّلات، ممّا اضطرّ حمه الهمامي، في أكثر من مناسبة، إلى التّنقّل داخل العاصمة وخارجها، دون حماية.
وهو ما دفعه، في منتصف الشهر الماضي، إلى إعلام مصالح وزارة الداخلية بأنّه ليس في حاجة إلى حماية أمنيّة تحدّ عمليّا من نشاطه وتنقّلاته أو من أداء واجباته.
- لطفي الوافي