هل تصرّف الباجي قائد السبسي كرئيس لكل التونسيين وكرجل دولة في علاقة برفع الحماية الرئاسية عن حمّه الهمّامي؟ هل اتّخذ هذا القرار بعد دراسة مستفيضة لجدوى هذه المسألة وتقييم الوضع الامني أم أنّ رئيس الدولة نزل إلى باب المماحكات السياسية وردود الفعل الانفعالية فقرّر رفع الحماية الأمنية الرئاسية عن خصم سياسي عنيد لم يكف عن انتقاد الرئاسة والائتلاف الحاكم.
ما الدواعي والوضع الأمني على حاله؟
يتساءل كثيرون عن جدوى القرار الذي اتّخذته رئاسة الجمهورية والحال أنّ الوضع الأمني لم يتغيّر كما أنّ الوضع الأمني الخاصّ بحمّة الهمّامي ظلّ على حاله كما هو منذ فترة. ويتساءل هؤلاء أيضا عن المعايير التي تمّ اعتمادها في هذا المجال خصوصا أنّ راشد الغنوشي كرئيس لحركة النهضة وحافظ قائد السبسي كمدير تنفيذي لحزب نداء تونس مازالا يتمتّعان بالحماية من الأمن الرئاسي فما الذي تغيّر وما الذي دفع في اتّجاه رفع حماية الأمن الرئاسي عن حمّة الهمّامي إذا لم تكن المسألة مرتبطة بإجراءات تقشفية مادام هذا الجهاز يوفّر حماية لأشخاص آخرين.
الأخلاق السياسية
دون الدخول في تفاصيل كثيرة حول هذا الاجراء ومدى وجاهته لابدّ من الاشارة إلى أنّ المسألة تكتسي قبل كلّ شيء طابعا أخلاقيا فالرؤساء ومنهم الزعيم الحبيب بورقيبة الذي يعدّ مرجعا لدى السبسي رغم الطبيعة اللاديمقراطية لنظام حكمه فإنّ لديه مواقف تدخل في باب الأخلاق السياسية الرفيعة التي من المفروض أن يتحلّى بها الرؤساء وخصوصا اذا كانوا زعماء وحملة مشاريع وتصوّرات حقيقية ـ وأذكر في هذا المجال وفي حديث أجريته منذ الأشهر الأولى للثورة تقريبا مع المرحوم محمد بلحاج عمر الأمين العام السابق لحزب الوحدة الشعبية فقد أكّد لي أنّه لمّا ذهب صحبة أشخاص آخرين إلى لقاء بورقيبة بطلب منه وأراد إثناءَهم عن تأسيس حزب جديد داعيا إيّاهم للبقاء في حزب الدستور ولمّا رفضوا مطلبه رغم كلّ محاولاته اغرَوْرَقت عيناه بالدموع لأنّه ربّما أحسّ أنّه لم يعد قادرًا على تجميع التونسيين وربّما استشعر أنّه من حق الناس أن تختلف معه وقال لهم وفق تأكيد محمد بلحاج عمر «موش مشكل، اعملوا اللّي تحبّو» وطوى بورقيبة تلك الصفحة ولم يتّخذ اجراءات عقابية ضدّ أولئك الخارجين عن ارادة المجاهد الأكبر، كذلك كان الأمر في علاقة بورقيبة بالطلبة الذين سجنوا في عهده وفي اطار نوع من المصالحة التي سعت إليها وسيلة في تلك الفترة لنزع فتيل أي معارضة لنظام الحكم استقبل بورقيبة الطلبة وكان من بينهم حمّة الهمامي وكان الإجراء الذي اتّخذه هو اعطاء الإذن بمداواة الذين عذبوا وكانت أوّل حالة اعتراف بالتعذيب وكانت بالأحرى حالة أخلاقية سياسية يترفّع فيها الزعيم عن التنكيل بخصومه حتى وإن كان الوضع أقوى بكثير ولا يقارن بالوضع الذي عليه السبسي الآن.
من الواضح أنّ الائتلاف الحكومي وعلى رأسه رئيس الجمهورية لم يعد يتحمّل النقد وكان ذلك جليّا في خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة 20 مارس حينما وجّه وابلا من الانتقادات للجبهة لدعواتها المواطنين للخروج للشارع في محاولة لاسقاط مشروع الباجي حول المصالحة الاقتصادية.
الاغتيالات
إنّ خطورة ما أقدم عليه القصر الرئاسي تكمن في خلق نوع من الفراغ الامني حول شخصيّة سياسية تعدّ من أكثر العناصر المطلوبة لدى الارهابيين وذلك لادراج اسمه أكثر من مرّة في قائمة الاغتيالات السياسية التي تنوي الجماعات المتطرّفة تنفيذها ويعتقد البعض أنّ هذا يبطن شيئا من التحريض ويجب التذكير هنا بأن تونس عاشت منعرجا حاسما في تاريخها كاد يؤدي بها إلى حالة لا متناهية من الفوضى بعد حصول اغتيالين سياسيين استهدفا شكري بلعيد والحاج البراهمي.
إنّ شبح الاغتيالات السياسية عاد يخيّم من جديد على المشهد السياسي.
تهميش إعلامي واصطفاف وراء السلطة
بعد أن اتّخذت الرئاسة موقفها ذاك انبرت مواقع اعلامية كثيرة تحاول تهميش الجبهة بالتهجّم على مواقفها وهو أمر بدا غريبا حيث أنّ الاعلام في العالم عامّة يكون كثير الانتقاد للسلطة وليس للمعارضة غير أنّ حالة غريبة حصلت في الاعلام التونسي جعلته يتحوّل بسرعة إلى اعلام مناصر للسلطة ولكل القرارات التي تتخذها حتى وان لم تكن موفقة، فرفع الحماية الأمنية الرئاسية عن حمّة الهمّامي دون رفعها عن راشد الغنوشي أو حافظ قايد السبسي تدعو إلى الريبة والتساؤل ولكن الاعلام لا يطرح هذا السؤال الصحيح بل تراه ينبش في تاريخ معارضي السلطة لايجاد تبريرات لما قامت به وتأكيد صحّة وسلامة مواقفها في مقابل خواء وخطإ مواقف المعارضة.
إنّنا في الاعلام في تونس نعيش حالة شاذّة يتكتّل فيها الاعلام لمهاجمة المعارضة ويفقد صفته الناقدة للسلطة ولكيفية إدارة الشأن العام… لقد فقد جزء كبير من الإعلام مقوّمات الإعلام الجادّ والناقد للسلطة.
يوسف الوسلاتي
جريدة الشعب العدد 1444
ص 03
الخميس 13 جويلية 2017