قال أحد الجالسين قربي في المقهى الشعبي معلّقا على كلمة السّيد رئيس الجمهورية أثناء تدشين ساحة الشهيد:
“والله شيء ايدوّخ”
لعلّه التّعليق الأكثر اختصارا والأكثر حكمة وبلاغة…
حقّا إننا نعيش زمنا لا معقوليّة فيه، حين يتكلّم السّيد الرئيس عن الثّورة ورجالها ويدشّن ساحة باسم الشهيد الحاج محمد البراهمي دون الإشارة إلى الجريمة البشعة وإلى ملف الاغتيال السياسي المطموس مع ملفّات أخرى…
إنّه زمن اللامعقول حيث تختلط الحقائق بالأوهام، حيث يصمّ الحاكم أذنيه عن ناقوس الحقيقة المغيّبة…
إنّه زمن اللامعقول حيث تلوح في الأفق نوايا تتّخذ من الإرهاب مطيّة ثم تتآلف معه بل تسعى إلى توظيفه واستثماره…
منذ أيام والأستاذة راضية النصراوي تخوض إضراب جوع من أجل سؤال لم يسعفها أحد بجوابه، سؤال محرج ببساطته يرتبط بقرار رسميّ يقضي برفع أو تغيير أو تخفيف إجراء الحماية عن رفيق دربها والناطق الرسمي للجبهة الشعبية المناضل “حمه الهمامي” … لطالما ناضلت الأستاذة ضدّ القمع والعبودية، وهي تناضل الآن ضدّ الضبابية والغموض واللامعقول …
وإن تشبّثت راضية النصراوي – الحقوقية المناضلة- بالسّؤال لارتباطه بذاتها وأسرتها في محيط ضيّق، فهو سؤال الآلاف المؤلّفة من المواطنين، بل هو سؤال كلّ الوطنيين المعنيّين بماضي وحاضر ومستقبل هذا الوطن المقدود من “جلد الثّور” في الأسطورة الواهمة، هذا الوطن الصّغير بمساحته والكبير بأحلامه وتاريخه.
عذرا سيدي الرّئيس، لست ظلّا من ظلال الله حتى تعطي صكّ الشّهادة وتحدّد قائمة شهداء الوطن …
لقد جاءت بك الهاجرة، ورأى البعض فيك ظلالا تقيهم شرّ الضّلالة وسرابها الخلّب، فخابوا بعد حين، وتلمّظوا الخيبة ملوحة وظمأً لممكنات وأَدها التّسويف فترمّدت …
عذرا سيدي الرئيس جئت من وهم فغدوت بائعه، حتى انفضّ من حولك آخر الواهمين…
رقعة جلد الثور كبيرة بأحلامها، قبل علّيسة وبعدها، رمزها الخير والعدل والصّلاح ومن كلّ ذلك حسن النوايا وبيض السّرائر وما دون ذلك يبخّره الزمن دخانا وهباء مع الهباءات…
نرجو أن نلقاك في أعيادنا القادمة أكثر وضوحا، وأن نلقى وطننا الصّغير يتمدّد حلما كبيرا أساسه العمل والعدل والأمن…
محمد الجابلّي