خصّ الرئيس السبسي جريدة الصحافة يوم 5 مارس الجاري بحوار تناول أهمّ المستجدّات المتعلّقة بالوضع العام بالبلاد وسبل التجاوز وآفاق العمل الحكومي في ظل الائتلاف الحاكم الحالي والانتخابات البلدية والنظام السياسي المنبثق عن المجلس الوطني التأسيسي ومدى قابليّته للاستمرار والعلاقة بحركة النهضة.
السّبسي يحاول التّخفيف من وطأة الأزمة
في توصيفه للوضع حاول السبسي كعادته التخفيف من حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها البلاد مكتفيا بالقول بأنّ “الوضع صعب رغم التحسّن النسبي في المؤشرات” محاولا في نفس الوقت إلقاء مسؤولية الأزمة على “المطالب الاجتماعية المشطّة”. أمّا سياسيا فالوضع بالنسبة إلى السبسي يتميز بالانفلات وغياب الإجماع على قاسم مشترك كفيل بضمان الاستقرار متناسيا التجاذبات والصراعات بين مكونات الائتلاف الحاكم كلما تعلّق الأمر باقتسام المواقع، إضافة إلى حالة الانقسام والتشرذم التي يعيشها الحزب الفائز الأول في الانتخابات (نداء تونس) ومسؤولية رئيس الدولة شخصيا في استمرار وتعمّق هذه الأزمة بالإصرار على تنصيب ابنه على رأس الهيئة التنفيذية للنداء والرّمي بكلّ الحلول التوافقية… وتداعيات كل ذلك على العمل الحكومي حيث فشل الفريق الحكومي في تأمين الخروج بالبلاد من أزمتها الخانقة والتي ما انفكت تستفحل ليس بسبب الأزمة السياسية على مستوى الفريق الحاكم فقط بل أساسا بسبب الاختيارات والبرامج التي تُعتبر تواصلا مع اختيارات العهد البائد.
النّظام السّياسي مصدر قلق جدّي
الجزء الأكبر من الحوار تركّز على مسؤولية النظام السياسي المنبثق عن المجلس الوطني التأسيسي وحكومة الترويكا اللذين يحمّلهما السبسي مسؤولية هذه المنظومة التي يعتبرها هجينة ومعطّلة للعمل الحكومي وللسلطة التنفيذية بصورة عامة حيث لم تساعد على تحقيق التنمية والاستقرار. النظام السياسي في نظر السبسي “شاذ” وهناك مبالغة حسب رأيه في التمسّك باستقلالية المؤسسات إلى حدّ تعطيل عملها وإفراد بعضها الآخر بصلاحيات استثنائية أوصلتها إلى حدّ التغوّل على الدولة وعلى المؤسسات الدستورية بما فيها مجلس نواب الشعب.
في هذا الجزء من الحوار تتّضح النوايا الحقيقية لرئيس الدولة ومفهومه للديمقراطية. لقد خطّط منذ مدة ليست بالقصيرة للدفع نحو مراجعة النظام السياسي بما يمكّنه من صلاحيات أوسع لبسط نفوذ قصر قرطاج على السلطة التنفيذية وإدارة الشأن العام من موقع الماسك بكل خيوط اللعبة السياسية والعودة إلى الحكم الفردي تحت عنوان النظام الرئاسي تجاوزا لما يراه من ازدواجية هجينة وقفزا على دولة المؤسسات الديمقراطية والاكتفاء بديمقراطية شكلية على القياس تهمّش دور المؤسسات وتضرب استقلاليتها…
المتابع للحوار مع الرئيس السبسي يدرك خطأ أنّ الرجل يبحث عن حلول لأزمة البلاد، لكنه يجد نفسه عاجزا لأنّ صلاحياته محدودة ولا تسمح له بذلك وهو يتصرف ويتحرك في حدود هذه الصلاحيات. والحال أنّ منظومة الحكم على أرض الواقع وليس كما هو منصوص عليه في الدستور باتت أقرب إلى النظام الرئاسي منه إلى النظام البرلماني المعدّل. فالرئيس يستغلّ سلطته كمؤسس لنداء تونس، الحزب الفائز الأول في الانتخابات لتعيين من يريد من الوزراء. وقد تمّ له ذلك خلال التحوير الوزاري الأخير. وهو من خطّط لرحيل الحبيب الصيد واستقدام يوسف الشاهد باعتباره منتم لعائلة السبسي الموسعة ثم سرعان ما توترت العلاقة لأسباب تتعلق بحسابات 2019 واختلاف الأهداف بعيد زيارة الشاهد للولايات المتحدة الأمريكية. ولعلّ مستقبل رئيس الحكومة السياسي رهين انضباطه ووفائه لوليّ نعمته وهو ما عبّر عنه رئيس الدولة بالقول” التحوير الوزاري القادم هو فرصة الأمل الأخير”.
إنّ هذه التجاذبات والصراعات والحسابات السياسية الضيّقة هي أحد أسباب فشل الائتلاف الحاكم إلى جانب الاختيارات والبرامج طبعا. أمّا النظام السياسي فمجرد إطار منظّم لهذه الاختيارات وهذا البرنامج ولا يمكن اعتباره السّبب الأساسي للأزمة العامة التي تتّجه نحو الاستفحال.
أيّ أفق للعلاقة بالنهضة
وحول مسؤوليته الشخصية في اختيار النهضة كشريك في الحكم ردّ السبسي بأنه بحث مطوّلا عن شركاء مدنيّين لكنّ الأطراف المدنية لم تكن ناضجة سياسيا وواعية بمتطلبات المرحلة ممّا اضطرّه إلى التحالف مع النهضة التي كانت جاهزة لذلك وقبلت بالعمل المشترك دون شروط.
ما يثير التساؤل هو تصريح الرئيس السبسي بكونه أراد من خلال التحالف مع النهضة “جلبها إلى خانة المدنية” لكنه “أخطا على ما يبدو التقييم”. السبسي أضاف بأنه لاحظ “توجّسا من البعض أعاق اندماجهم الكلي في النسيج المجتمعي التونسي”. فهل هي بداية النهاية للعلاقة بين النهضة والنداء؟
المتأكّد أنّ الرئيس السبسي ونداء تونس المفتّت والمجزّأ بحاجة إلى حركة النهضة للحفاظ على الحكم إلى حدود 2019 موعد الانتخابات العامة، خاصة أمام استفحال الأزمة العامة للنظام والحاجة إلى مساهمة الشريك الأكبر في معالجتها على طريقة الائتلاف الحاكم المرتهن لإملاءات صندوق النقد الدولي.
الإجراءات المؤلمة والحرب على قوت الشعب والتفويت وتحرير الأسعار واستجلاب الاستثمارات والقروض بحاجة إلى هذا التحالف مهما كان هجينا. أمّا تصريحات السبسي الحالية فالمراد منها الضغط تكتيكيا على حركة النهضة لمزيد إخضاعها والحدّ من تعنّتها واشتراطاتها. ولعلّ المرحلة التي تعيشها الحركات الاخوانية المستهدفة بالتصنيف كمجموعات إرهابية مثلها مثل “الدواعش” قد تفرض عليها الانصياع والقبول بالأمر الواقع والاكتفاء بالاستمرار في مشهد الحكم ولو من موقع ثانوي.
إنّ تكثيف النضال الجماهيري الشعبي السلمي هو الكفيل وحده بتضييق الخناق على الائتلاف الحاكم ودفع مكوّناته إلى مزيد التّباين وربما التصادم وهو ما يساعد القوى الثورية على المسك بزمام المبادرة إذا ما استطاعت توسيع صفوفها بمجموعات شبابية ونسائية ومدنية جديدة واستوعبت كلّ الأطراف الرافضة للائتلاف الحاكم باعتباره المسؤول الأول عن استفحال الأزمة.
علي البعزاوي