في واحد من اكثر الحوارات التلفزية رداءة أجاب رئيس الدولة الباجي قائد السبسي الليلة على أسئلة الصحفي سفيان بن فرحات بتوتر شديد لا نفهم مرده مخلفا لدى كل من تابعه الاستهجان والامتعاض.
ويتجلى ذلك في النقاط التالية :
- جوابا على سؤال يتعلق بمسيرة يوم السبت ضد قانون المصالحة تحاشى سي الباجي التعليق على المسيرة لأنه على ما يبدو تملكه الهلع من قوتها ومن كثافة مشاركة كل القوى السياسية والشبابية في تونس فيها – عدى النهضة والندا طبعا – وانحرف بجوابه لما يوحي بالإشادة بمشاركة ” ريكوبا ” ومن شابهه بدعوى ” الديمقراطية وحقهم في التعبير ” من جهة والافصاح عن حنقه تجاه الجبهة الشعبية التي أغاضه ان تعتبر نفسها بديلا عن منظومته المتأزمة والفاسدة.
- وفي هذا السياق اعتبر موقف نواب الجبهة والمعارضة في المجلس من قانون المصالحة تخريبا بما يؤكد أن الباجي من طينة السياسيين الذي لا يقبل من يخالفونه الرأي ولا يتورع عن وصفهم بالمخربين ونستطيع ان نجزم أنه لو كان بمقدوره أن يزج بهم في السجن وينكل بهم لما تردد لحظة في ذلك ولكن ولسوء حظه فإن الأوضاع السياسية الراهنة وموازين القوى الحالية لا تسمح له بذلك
- وما يؤكد هذه الحقيقة هو رده الذي، نأسف كل الأسف أن يصدر عن ” رئيس الدولة “، على ما نشره الرفيق حمة الهمامي في جريدة المغرب يوم أمس الأحد 17 سبتمبر 2017 بل وغضبه من أن يتورع حمة على التعبير عن موقفه من قضايا سياسية عامة يطرحها الواقع السياسي الراهن في الصحف. وقد فهم الجميع أن الباجي غير مرتاح لأن توفر الجرائد اليومية ( وهو يقصد جريدة المغرب ) بعض المساحات الحرة لحمة ولغيره من الأصوات المعارضة والآراء المخالفة للباجي.
- والأنكى من كل ذلك ان الباجي سمح لنفسه بتكفير الرفيق حمة الهمامي عندما استنجد بالآية القرآنية ” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوه … ” مشددا في جواب على سؤال الصحفي سفيان بن فرحات أن حمة فعلا ” فاسق ” لينفس عما اختزن من حنق وحقد وغضب ضد الرفيق حمة الهمامي الذي يشهد له الجميع بتاريخه النضالي في عهدي بورقيبة وبن علي الذين كان الباجي فيهما أداة من أدوات جرائهما ضد الحريات. لقد تجاهل الباجي أنه بذلك إنما يتعمد التحريض المبطن والمكشوف على الرفيق ويتناسى ما اجمع عليه الكثير من الأئمة والفقهاء من ان ” الفسق أعم من الكفر؛ حيث إنه يشمل الكفر وما دونه من المعاصي كبائرها وصغائرها ..” الموجب لدى المتشددين الحكم في الكافر بالتصفية الجسدية.
- وفي جوابه عن نيته في الترشح للرئاسة سنة 2019 والتي باتت حقيقة يعلمها الكثير من المهتمين بالشأن السياسي في تونس امتنع الباجي عن الإجابة وتحصن بالمواربة والتملص لأنه لم يجد الشجاعة الكافية ليكشف عما هو بصدد طبخه من أجل تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي وتحويله إلى نظام رئاسي والذي لم يتوانى عن امتداحه كشكل للحكم معتبرا أن ما جد في عهد الحكم الرئاسي زمن بورقيبة وبن علي هو مجرد تجاوزات في التطبيق وان الأمر لا يتعلق بطبيعة هذا الشكل من النظام السياسي.
- أما بخصوص تعديل الدستور فقد اضطر الباجي للقول أنه لن يبادر بتقديم طلب في الغرض لأنه يدرك أن التصريح بذلك الآن على رأس الملأ من شانه أن يفضح مخططه الذي هو بصدد تمريره تدريجيا من جهة كما يدرك من جهة أخرى طبيعة الرد الذي ستلاقيها مثل هذه الخطوة في الوقت الراهن. ولكنه في المقابل أبدى مباركته الضمنية لأي مبادرة قد تصدر عن غيره وقد باتت السيناريوهات التي يجري درسها في الكواليس معروفة ومنها حشد عدد من المختصين في القانون الدستوري لشن حملة في هذا الاتجاه لتهيئة الرأي العام للقبول بهذا المسعى وسيقع وقتئذ تجهيز الصيغ والمسوغات القانونية اللازمة.
- وفي الملف الاقتصادي جانب الباجي الحقيقة – كي لا نقول كلمة أخرى أدق – حين قال ان مؤسسات الترقيم الدولية ( موديز وفيشت رايتينغ ) تحدثت في تقاريرها الأخيرة حول تونس عن بداية تحسن اقتصادي والحال أن آخر ترقيم صادر عن موديز قد حط من ترقيم تونس من Ba3 إلى B1 مع افاق سلبية ” وذلك بسبب عجز الميزانية واختلال المنظومة الجبائية والتأخر في تنفيذ الإصلاحات المتفق فيها مع صندوق النقد الدولي “. كما حطت موديز من ترقيم دين البنك المركزي بالعملة الصعبة من Ba3 إلى B1 وبأفاق سلبية أيضا وذكرت المؤسسة الدولية قائلة ” تعتبر الحكومة التونسية مسؤولة قانونيا على تسديد كل السندات التي أصدرها البنك المركزي لأن هذه السندات صدرت باسم الحكومة التونسية “.
- وعن برنامج الحكومة الجديدة تعمد الباجي مرة أخرى مغالطة الشعب ونشر الوهم بتعافي الاقتصاد والخروج من الأزمة والحال ان هذا البرنامج هو في الحقيقة ” حرب حقيقية على الشعب وعلى قوت الفقراء والعاطلين عن العمال وعموم الكادحين ” وعلينا ان ننتظر نقاش قانون المالية الجديد ليكتشف الشعب التونسي طبيعة الإجراءات الموجعة التي وعده بها الشاهد في خطابه الأخير وإن غدا لناظره قريب.
شخصيا استمعت وشاهدت خطابا على درجة غير مسبوقة من الرداءة شكلا ومضمونا. فالباجي فقد الليلة شكيمته وعجز عن ضبط نفسه لإخفاء غضبه من معارضيه وحنقه الدفين على الجبهة الشعبية التي بدا واضحا أنها نغصت عليه السير نحو ما يمني نفسه به : أن يستوي حاكما فاتقا ناطقا في تونس لا تحد سلطته حدود وأن يسعى هانئ البال نحو تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي وان يترشح للرئاسة مرة أخرى ولربما يبادر باستفتاء على الدستور أو يسرق من الجبهة الشعبية شعار انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة. دون ذلك لا أرى من سبب وجيه لأن يطلع الباجي على الشعب التونسي الليلة متوترا متشنجا مرتبكا ممتقع الوجه غير قادر على تقديم خطاب متماسك ومتزن من حيث المضمون ومسترسل من حيث الشكل.
وجريا على أسلوب سي الباجي استحضر الحديث النبوي ” آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان”.
جيلاني الهمامي
نائب عن الجبهة الشعبية