احتفاء بالمسرح والإبداع وبالجمال الكامن في الإنسان وبثورته على قبح الواقع وردائته، تواعد عشّاق أبي الفنون من مبدعين وجمهور إحياء للدورة الـ17 لمهرجان ” 24 ساعة مسرح دون انقطاع “. فاحتضنهم فضاء مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف وقاعته من 23 إلى 28 مارس 2018.
وإن كان نصيب الأسد للعروض المسرحية من تونس وليبيا وفلسطين والعراق والمغرب واسبانيا وغيرها من الدول المشاركة في التظاهرة التي تتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للمسرح، فقد كان برنامج المهرجان ثريّا ومكثفا ومتنوعا ومنفتحتا على أشكال تعبير أخرى وفنون أخرى.
وكان للجهور موعدا مع العروض الموسيقيّة والفلكلوريّة و الكوريغرافيّة والفقرات التنشيطية قدمها فنانون قدموا من تونس ومن خارجها احتفاء بالفنّ وبالحياة على غرار مجموعة “قناوة” و”أنصار السلام”. ولم تثن برودة الطقس وردائة البنية التحتية لساحة مركز الفنون الدرامية والركحية، التي لم تكن مهيّئة بالشكل المطلوب لاحتضان عروض فنيّة أو لاستقبال الجمهور، عشّاق الفنّ والابداع من اللقاء والتفاعل.
فتابعوا وقوفا لكن بكلّ شغف الكلمة والنغمة وحركة الجسد. واستمتعوا تحت المطر بجلّ العروض التي كانت،رغم البرد الشديد، تبثّ فيهم الدفء.
وما يحسب للمشرفين على هذه الدورة هو عدم الاقتصار على العروض المسرحية والفنية عموما وفتح المجال للفكر عبر عقد ندوة فكريّة أثثها نقّاد و مسرحيّون من تونس و من الخارج حول “المسرح العربي و الواقع: جدليّة النسخ والفسخ ” وتنظيم مائدة مستديرة حول : ” الهياكل المسرحية المحترفة : إشكالات الهيكلة وتطلعات القانون”.
إضافة إلى الإعلان عن ميلاد مجلّة فكريّة مسرحيّة جديدة تحت عنوان”نـبـض” تزامن عددها الأول مع التظاهرة ومن المنتظر أن يتواصل إصدارها، إذا وفرت لها الهياكل المعنية بوزارة الشؤون الثقافية الدعم المادي اللازم، لتكون مجلّة فصليّة تفتح المجال لعشاق الكتابة المسرحيّة إبداعا ونقدا نظرا إلى أهميّة التوثيق المعرفي للعرض المسرحي. وما يحسب أيضا لإدارة المهرجان هو إرساء فقرة جديدة، ستكون قارة، يتمّ خلالها حفل توقيع كتاب جديد وذلك تشجيعا للكتابة وللكتاب.
وقد وقع الاختيار في هذه الدّورة على كتاب “مسرح العالم” للكاتب المسرحي التونسي عادل الحبّاسي.
لكن ما يعاب على وزارة الشؤون الثقافيّة هو عدم تمكين المهرجان من ميزانيّة تليق بعراقته وتاريخه وبضيوفه من مسرحيين ومبدعين وفنانين قدموا من تونس ومن خارجها.
وتجدر الإشارة إلى أنّ ظروف الإقامة والتنقل لم تكن في مستوى الحدث بل كانت، حسب عدد من الضيوف العرب والأجانب، أدنى من المطلوب. كما أنّ أغلب العروض المسرحية والموسيقية التي احتضنتها ساحة المركز تمت في ظروف سيئة للغاية خصوصا بالنسبة إلى الفنانين الذين اعتلوا خشبة عرض في العراء في طقس شديد البرودة ليقدموا إبداعاتهم لجمهور اضظرّ بدوره للوقوف مبتلاّ على أرضية رخوة، زلقة، يكسوها الطين.
مزيد من العناية بتظاهرة ثقافية بحجم وقيمة أصبح أمرا ملحا وضروريّا إذا أرادت وزارة الثقافة أن تترجم عنايتها بالثقافة والمثقف من أقوال إلى أفعال.
لطفي الوافي