صوتت لجنة النظام الداخلي بالبرلمان يو الخميس 15 نوفمبر على مشروع قانون يحدد العتبة الانتخابية بنسبة 5 بالمائة كشرط للحصول على مقاعد في الانتخابات التشريعية القادمة.هذا الترفيع صوت عليه ممثلو الكتلة الوطنية وحزبي النهضة والنداء اي المجموعات الكبرى داخل الحكم.
وهو ياتي سنة تقريبا قبل الموعد الانتخابي وفي ظرف يتميز بعدم الاستقرار السياسي وحالة الازمة الشاملة والعميقة التي تعيشها البلاد وازدياد مخاطر الهيمنة الاستعمارية والهرولة نحو التطبيع. تتويج لمسار طويل من الالتفاف على المكاسب مشروع القانون اقترحه رئيس الجمهورية وعرضته رئاسة الحكومة على البرلمان.وهو محصلة سلسلة من محاولات الالتفاف على المكاسب التي حققتها ثورة الحرية والكرامة ونعني الحريات السياسية.
ضربة البداية كانت بمحاولات رئيس الدولة طرح قانون المصالحة الاقتصادية والمالية سيء الذكر وتغيير الدستور والعودة الى النظام الرئاسوي على الطريقة النوفمبرية رافقتها اعمال تعطيل ممنهجة للمؤسسات الدستورية التي لم يربعضها النور الى حد اليوم وفي طليعتها المحكمة الدستورية.
هذه المحاولات توجت بسن قانون المصالحة الادارية الذي برا رموز الفساد الاداري للحقبة النوفمبرية.وتتكثف المساعي اليوم لتحوير القانون الانتخابي بتوجيه من خبراء الموالاة باعتبار ذلك ضربة البداية ستليها اجراءات اخرى من شانها العودة بنا الى مربع الاستبداد وغلق “قوس الثورة”.
وهذا مربط الفرس بالنسبة للاغلبية الحاكمة التي رغم صراعاتها المحمومة التي استعملت فيها كل اشكال القصف والتخوين تجد نفسها دائما وفي كل الاحوال موحدة حول مهمة الالتفاف على ثورة الشعب التونسي. مخاطر المشروع يلاقي مشروع الترفيع في العتبة رفض احزاب المعارضة على اختلاف مشاربها وطيف واسع من منظمات المجتمع المدني التي ترى فيه محاولة لاحتكار الشان العام من طرف الاحزاب الكبرى وضربا للمسار الديمقراطي وللتعددية واقصاء ممنهجا للمستقلين الذين يمثلون شريحة واسعة من المجتمع التونسي.
وهناك قناعة بان انتخابات على قاعدة عتبة انتخابية ب 5 بالمائة ستقود الى مزيد العزوف عن الشان العام وهو ما تريده الدكتاتورية الناشئة والمطبعة حتى تمرر مشاريعها في رهن البلاد والعباد وتمرير الاجراءات الاقتصادية والاجتماعية الموجعة التي عجزت الى حد اليوم عن فرضها كاملة تلبية لاملاءات صناديق النهب الاستعماري وفي الانفتاح اكثر على الكيان الصهيوني والالتحاق بالمحور الامبريالي الصهيوني الرجعي املا في تدفق السياح والقروض والاستثمارات بعد توقيع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الاوروبي ( الاليكا) التي ستنقل البلاد الى مستوى جديد من الخضوع والتبعية المذلة.
منظمة عتيد اكدت انه لو وقع تطبيق نسبة العتبة المقترحة حاليا ( 5 بالمائة) على انتخابات 2011 و2014 لاقصي ثمانون بالمائة من الطيف السياسي الحزبي والمستقل.
الديمقراطية التونسية مازالت في مرحلة النشوء والتشكل وهي بحاجة الى مزيد الوقت حتى تصبح ثقافة سائدة داخل المجتمع الذي عرف طيلة عقود من الزمن الاستبداد والمنع وسياسات تكميم الافواه. تونس بحاجة في هذه المرحلة من المسار الثوري الى كل ابنائها من سياسيين ومجتمع مدني ومنظمات مهنية ونساء ورجال حتى يساهم الجميع كل من موقعه في نحت مستقبل مشرق لهذه البلاد , مستقبل ملؤه الازدهار الاقتصادي والرخاء الاجتماعي والحرية في اطار دولة قانون ومؤسسات مستقلة فعلا.
المعارضة امام امتحان عسير لاشك ان التحوير الحكومي الاخير كشف حقيقة الاحزاب والنواب من هم مع استكمال المسار الثوري ورفض الانخراط في منظومة الفشل والتهميش والتفريط في السيادة الوطنية ومن يبحثون عن المواقع باي ثمن.
الفرز جار والمشهد بدا يتضح اكثر فاكثر وهذا هام من اجل الاعداد والاستعداد للمرحلة القادمة التي تسبق انتخابات 2019.
مشروع الترفيع في العتبة سيضع المعارضة الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني في زاوية وامام امتحان عسير اما ان تسقط هذا المشروع او ان تسقط وربما تذهب نحو التراجع والتلاشي. تشكيل المعارضة لقائمات ائتلافية خلال الانتخابات القادمة الذي ترفعه اليوم احزاب الحكم اكثر من المعارضة نفسها في محاولة منها لفرض امر واقع هو خيار فيه الكثير من الاستسلام والرضوخ لارادة ائتلاف الفشل والتطبيع.
هذه الوحدة يمكن ان تكون ايجابية ومكرسة لسلوك مبدئي عندما تتم على قاعدة برامج انتخابية عن وعي ودون اكراهات.اما في هذه الحالة فانها تكريس للفشل وعنوان للسقوط والرضوخ السياسي.
المعارضة والمجتمع المدني مطالبون اليوم بخوض معركة اسقاط هذا المشروع الذي يضرب التعددية والديمقراطية ويسد الباب امام مرور التشكيلات المدنية والاحزاب الصغيرة والمتوسطة نحو المؤسسات التمثيلية ويدخل البلاد في طور جديد من هيمنة الاحزاب الكبرى على المشهد العام وقتل كل محاولة لتغيير الواقع نحو الافضل.
معركة 2019 تبدا من هنا ولا يجب انتظار الحملات الانتخابية الرسمية التي ستتوج اذا مر هذا القانون انتصار قوى التطبيع والمال السياسي واعلام اللوبيات.في هكذا ظروف ستواجه المعارضة ائتلافا منسجما متعاونا وموحدا ضدها لان هدفه الرئيسي هو قبر المسار الثوري وعودة النظام القديم.
علي البعزاوي