ينطلق البعض من حالة موازين القوى بين الرجعية من جهة وقوى التقدم والثورة من جهة اخرى لتحديد الشعارات والمطالب والمهام الواجب التركيز عليها ليستنتجوا بان رفع شعارات مثل “الشعب يريد اسقاط النظام” و”المطالبة برحيل منظومة الحكم” وغيرها من الشعارات المماثلة لا تجد صدى لها صلب الجماهير وهي غير قابلة للتحقيق في ظل حالة موازين قوى مختلة لصالح قوى الثورة المضادة. ويؤكد هؤلاء ان طرح هكذا شعارات من شانه ان ينفر الشارع من حول القوى الثورية ويكرس عزلتها,وان “الواقعية” تقتضي المطالبة بما هو ادنى اي ما هو قادر على اقناع الجماهير والتجسيم على ارض الواقع.
ان موازين القوى اليوم هي بالتاكيد لصالح قوى الثورة المضادة.لكن الشعارات الواجب رفعها لا تتحدد حسب ميزان القوى بل انطلاقا من الهدف الرئيسي المرحلي الذي نصبو الى تحقيقه باعتباره الحل الافضل والقادر على معالجة المسالة معالجة مبدئية وجذرية اولا مع الاخذ في الحسبان ثانيا حالة النهوض الشعبي التي تنمو باطراد هذه الايام وربما تتحول الى حالة من الغليان لا يمكن تهفت بدون تحقيق المطالب/الاهداف.ورفع شعارات من قبيل “الشعب يريد اسقاط النظام” هو للدعاية وتعبئة الجماهير حول البديل المنشود وليس كمهمة للانجاز الآن وهنا.على ان تجري المراكمة لهذا البديل من خلال طرح مطالب ملموسة مباشرة.
ان التركيز على شعارات ومهام مباشرة واصلاحات في ظل مزاج ثوري وحالة غليان ورفض واسعة لمنظونة الحكم الفاشلة والعاجزة هو احباط للجماهير وسد للباب امام مزيد الاستنهاض والتعبئة والمراكمة ونوع من التماهي مع القوى المحافظة والاصلاحية الباحثة عن تحسينات في اطار بقاء واستمرار نفس المنظومة التي قد يضطر جهازها التنفيذي من اجل البقاء لتقديم التنازلات الجزئية اوالمناورة بامضاء اتفاقات سرعان ما تنقلب عليها حالما تتراجع الحركة الاحتجاجية ويخف الضغط. القوى الثورية مطالبة اذا بالدعاية لبديلها المرحلي وابرازه وتوضيحه كاداة خلاص حقيقية ورفع الشعارات التي تعبر عنه مع العمل على تغيير موازين القوى والمراكمة من اجل فرضه.ومن هذه الزاوية تطرح المطالب والمهمات المباشرة.اما عكس ذلك اي الانطلاق من ما هو مباشر والتدرج نحو الهدف المرحلي فمن شانه في ظل مؤشرات النهوض الحالية ان يقتل الحركة ويتركها حبيسة منظومة الحكم اللاشعبية واللاوطنية ولا يفتح امامها آفاق التغيير.وهو من شانه ان يعطي رسالة حاطئة للجماهير بان الثوريين جزء من منظومة الحكم لا يختلفون عنها الا شكلا .
وقد تجد القوى الثورية نفسها في هذه الحالة على هامش حركة الشارع تتاثر بها ولا تاثر فيها ولا تقودها.وفي ظروف محددة وعند تنامي الاستعدادات وبروز مؤشر على بداية تفكك منظومة الحكم ( الازمة من تحت ) يقع المرور بشعار اسقاط النظام من مستوى الدعاية الى مستوى التحريض والانجاز.
ان المثال الفلسطيني افضل الدروس في هذا المستوى .فاختلال موازين القوى لصالح الكيان الصهيوني ومضي القوى الامبريالية في فرض صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية لم يمنع الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة من طرح شعارات “حق العودة” و “الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس”.
لكنهم في نفس الوقت يناضلون من اجل كسر الحصار وفتح المعابر وتمكين الفلسطينيين من السلع والكهرباء والادوية والخروج للعلاج وحق الصيد في المياه الفلسطينية. هذا في تقديري الفرق بين الثورية المسكونة بارادة التغيير والوطنية المصممة على التحرر والانعتاق من جهة والاصلاحية المتآمرة على القضية والخادمة لاجندات الامبريالية والصهيونية مقابل فتات من جهة اخرى.وعلى القوى الثورية ان تتمايز عن قوى الجذب الى الوراء الباحثة عن “الاستقرارالمغشوش” وتعمل على جر القوى المترددة وراءها خدمة لاهداف الحركة المرحلية.
- علي البعزاوي