تلتئم بتونس يوم 31 مارس 2019، قمة الدول العربية لتنظر في مجمل الملفات والقضايا التي تهم الأنظمة العربية من زاوية استمرارها والحفاظ على أمنها وتكريس مشاريعها ومعالجة أوضاعها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.
ولكل دولة/نظام حكم أولوياتها وانتظاراتها من هذه القمة في البحث عن تحقيق النسبة الأكبر من المطالب بهدف تجاوز أزمتها أو على الأقل التخفيف من حدّتها.
القمة تنعقد في مناخ غير عادي يتّسم بتنامي الاحتجاجات في الجزائر والسودان والمغرب وإعلان الرئيس الأمريكي عزمه التوقيع على ضم الجولان السوري المحتل للكيان الصهيوني الغاصب بعد أن أمر بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة وميل الكفة في سوريا لصالح النظام وقوى المقاومة التي ما فتئت تسجّل الانتصارات وتتقدّم في محاصرة الجماعات الإرهابية المدعومة خارجيا.
الانتظارات والأهداف
تُعتبر المملكة العربية السعودية الدولة ذات القدرات المالية الهائلة والنفوذ الأوسع في المنطقة العربية وتشكّل مع باقي دول الخليج باستثناء قطر قوّة ضغط سياسي داخل الجامعة. وتتمحور مطالبها حول الدعم السياسي للدول الأعضاء ضدّ العدو الرئيسي للمملكة، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي ما فتئت تتوسع في المنطقة وتبحث في نفس الوقت عن تثبيت سلطة الأمير الشاب محمد بن سلمان وإيجاد حل يحفظ ماء الوجه في الملف اليمني والسكوت عن جرائم النظام السعودي التي يرتكبها في حربه العدوانية ضد الشعب اليمني تحت غطاء محاربة الحوثيّين الشيعة ومقاومة المدّ الإيراني. هذا إلى جانب محاصرة المقاومة اللبنانية تحت نفس الذرائع خدمة للصهاينة الذين فتحت معهم قنوات الحوار على مرأى ومسمع من الجميع وإرضاء للقوى الاستعمارية الغربية حتى تسكت عن جرائم النظام السعودي وتجاوزات الأمير بن سلمان في الداخل والخارج.القمة مطالبة بأن تتوحّد حول هذه المطالب وتُعبّر عن دعمها للنظام السعودي.
أمّا مصر وبالنّظر إلى قوّتها العسكرية وموقعها الاستراتيجي فهي الطرف الأكثر قدرة على فرض الجزء الأوفر من مطالبها المتعلقة أساسا بتأمين حصّتها من المياه وحربها على الإرهاب إلى جانب القروض والاستثمارات لإنعاش اقتصادها الذي يعيش أزمة حادة. ومصر من أجل إيجاد نوع من التوازن في المنطقة تبحث عن إعادة سوريا إلى حضيرة الجامعة العربية ودعم نظام الأسد ضد الإخوان وضد التطرف الديني الذي اكتوت بناره الدولة المصرية. ومن هذه الزاوية يأتي رفضها لضم الجولان السوري المحتل من قبل الكيان الصهيوني، مثلما تبحث بالتنسيق مع الجارتين تونس والجزائر على معالجة الملف الليبي بتثبيت سلطة مدنية دون الجماعات الإسلامية وحفظ الحدود المشتركة ضدّ كل عمليات التسلل وتدفق الأسلحة من ليبيا تجاه دول الطوق. ومن أجل تحقيق هذه المطالب لن ترى مصر مانعا من دعم الحلف الإسلامي ضد إيران ومن التدخل في اليمن إلى جانب السعودية كلما استوجب الأمر ذلك.
الملف اللبناني هو الأكثر حساسية وتعقيدا لأنّ هذا البلد منقسم بين رئاسة وأغلبية نيابية منحازة إلى المقاومة وتعتبر إيران دولة صديقة وبين رئيس وزراء وجزء من الحكومة موالي للنظام السعودي ويسعى إلى توسيع نفوذ المملكة في الداخل اللبناني.الدولة اللبنانية مطالبة بالتوفيق بين هذين المتناقضين وضمان ما أمكن من الدعم لضمان الاستقرار مع حفاظها في الوقت نفسه على علاقات الصداقة والتعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى جانب حقّها في مقاومة المحتل والرد عسكريا على خروقاته وتجاوزاته كلّما سمحت الظروف بذلك.
الدولة الجزائرية ستكون الغائب الحاضر في القمة باعتبار حالة النهوض الاحتجاجي التي تشهدها البلاد والتي قد تفرض على نظام الحكم تنازلات جدّية تتعلق بالحريات السياسية. ومواقف الجزائر في القمة ستكون مرنة باعتبار ما تنتظره من دعم سياسي وإعلامي أو على الأقل ضمان عدم التدخل في شؤونها الداخلية.
الانتظارات التونسية
أمّا الدولة التونسية التي تستضيف القمة فتعتبر الحدث فرصة تاريخية لالتقاط الاستثمارات والقروض والمساعدات من أجل تخطّي أزمتها الشاملة والعميقة التي باتت تهدّد استقرار الحكومة واستمرار ائتلاف النهضة والشاهد والنداء والمشروع في الحكم والإعداد في ظروف مناسبة للانتخابات القادمة. والحكم في تونس منقسم من حيث التبعية إلى الأطراف المؤثرة. ففي حين تُدين حركة النهضة بالولاء لقطر وتركيا وتعمل على تمرير أجنداتها خدمة للمشروع الإخواني في المنطقة فإنّ النداء والمشروع يدينان بالولاء للسعودية والإمارات، في حين يعوّل الشاهد على الطرفين ويسعى إلى تثبيت نفسه من خلال حزبه الجديد “تحيا تونس” في السلطة واستغلال موقعه للفوز بالأغلبية في الانتخابات. وممّا لاشك فيه أنّ تونس تتقاطع مع الجزائر ومصر حول مساعيها من أجل حلّ سلمي للأزمة الليبية بعيدا عن التدخلات الخارجية بحثا عن الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة واستغلال إعادة الإعمار في ليبيا لتشغيل المهمّشين والحد من حركات العاطلين عن العمل التي ما فتئت تربك الحكومة وتفتح الطريق أمام نهوض اجتماعي قد يُطيح بالسلطة الحاكمة.
وتونس كعادتها وتحت شعارات الوسطية والبحث عن التوافق وتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف داخل الجامعة العربية ستحاول لعب دور توحيدي ولو على مستوى الخطاب فقط لأنّ منظومة الحكم الحالية مرتهنة للتحالف الإسلامي بقيادة السعودية وخادمة لأجنداته. تونس ستركّز أكثر على إيجاد الموارد الضرورية لمعالجة أزمتها حتى ولو كلّفها ذلك مزيد الولاء للتحالف المذكور في حين تبقى حركة النهضة في نفس خندقها التقليدي مع محاولة التطبيع مع المحور الإسلامي.
الموقف من القضايا العربية
أمّا القضايا العربية الكبرى وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وملف الجولان المحتل ومسألة القدس التي يخطط الكيان الصهيوني لضمّها واعتبارها عاصمة لكيانها المحتل فتعتبر مجرد ملفات تتّخذ بشأنها قرارات تضمّن في البيان الختامي للقمة. قرارات عامة وفضفاضة تصاغ في كل بيانات القمم العربية تؤكد على حل الدولتين ووقف الاستيطان والعودة إلى الحوار مع الوعود بالدعم المادي للفلسطينيين إلى جانب التنصيص على أنّ القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية… وتؤكد أيضا على أنّ الجولان جزء من سوريا ومسألة ضمّه من طرف الكيان الصهيوني تتنافى مع قرارات الشرعية الدولية.
لكن بيانات القمم العربية لا تقع متابعتها في العادة وليس هناك مساعي جدية لفرضها في الواقع وإلزام الكيان الصهيوني بها. لذلك تبقى مجرد حبر على ورق ويضطرّ الفلسطينيون والسوريون للتعويل على قدراتهم الذاتية وجهودهم الخاصة لفرض حلول سواء عبر مواصلة الانتفاضة وحشد الرأي العام الدولي بالنسبة للفلسطينيين أو تصعيد النضال المسلّح ضد الجماعات الإسلامية الإرهابية وضدّ التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري والاستعانة بالدول الصديقة مثل روسيا وإيران والصين إلى جانب كتائب حزب الله بالنسبة إلى سوريا.
بهذا المعنى لا جديد بشأن المخرجات والقرارات المنتظرة من قمة تونس لأنها ستبقى في كل الأحوال مجرد إشارات ومواقف غير قابلة للتنفيذ إلاّ جزئيا. أمّا خيطها الناظم فلا علاقة له بمصالح الشعوب العربية التي تبقى ضحية العمالة والسياسات اللاّشعبية واللاّوطنية لأنظمة الحكم الفاسدة.
علي البعزاوي