نظمّت جمعية البحوث الاقتصادية والاجتماعية “محمد علي الحامي” يوم 30 أفريل 2019 ندوة وطنية “من أجل إيقاف التفاوض حول مشروع اتفاقية التبادل الحر والشامل والمعمّق بين تونس والاتحاد الأوروبي” كما دعت خلال الندوة إلى تشكيل جبهة وطنية ضد الاتفاقية باعتبارها مشروع هيمنة واعتداء على السيادة الوطنية. ولأهمية الموضوع وخطورته كان لنا حوار مع كاتب عام جمعية البحوث الاقتصادية والاجتماعية “محمد علي الحامي” الأستاذ حسين الرحيلي.
كيف يمكن تقديم هذه الاتّفاقية وما هي آخر مستجدّاتها الإجرائيّة؟
أولا وجب التأكيد على أنّ الاليكا ما تزال مشروع تفاوض بين تونس والاتحاد الأوروبي.
مشروع اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق ALECA هو تتمّة لمسار اتفاقية الشراكة التي تم إمضاؤها مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995 وتواصلا لمقتضيات منظمة التجارة العالمية. كما أنه وجب التذكير بأنّ هذا المشروع ليس وليد الفترة الأخيرة بل هو نتيجة لالتزام حكومة الترويكا سنة 2012 في إطار ما سمّي بـ”اتفاقية الشريك المميز” والتي نصّت على التزام تونس بالدخول الفعلي في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول مشروع اتفاق تبادل حر، شامل ومعمق.
وهي اتفاقية ستشمل كل القطاعات الاقتصادية خلافا لاتفاقية الشراكة لسنة 1995 والتي تمحورت حول القطاع الصناعي فقط.
يعني أنها ستشمل قطاعات مهمة وحساسة كالفلاحة والمواد الفلاحية والصحة النباتية والحيوانية وقطاع الخدمات وقطاعات الطاقة والمواد الأولية وحتى الصفقات العمومية.
كما أنها معمقة ممّا يعني أنها ستتجاوز البعد القمرقي والديواني إلى مسائل أخطر مثل التشريع والقوانين والمواصفات والإجراءات الصحية في منظومات الإنتاج الفلاحي والصحي خاصة. كما ستشمل مجالات الاستثمار والملكية الفكرية ممّا يعني احتكار كلّ ما ينتج علميا لصالح الشركات الأوروبية العملاقة.
أمّا عن تطور مسار المفاوضات حول مشروع “الاليكا” فإنّ مرحلتها الحالية جارية منذ يوم يوم 29 أفريل كجولة رابعة، أي أنّ الطرف التونسي قد شارك في ثلاث جولات سابقة أولها خلال شهر أفريل 2016 وجولتان خلال سنة 2018.
من الواضح أنّ الاتحاد الأوروبي مصرّ على دفع المفاوضات إلى أقصاها خلال هذه الفترة والضغط بكل الوسائل على الحكومة الحالية لإمضاء الاتفاق. وكان الاتحاد الأوروبي يفضّل أن تنتهي المفاوضات قبل الانتخابات الأوروبية القادمة خلال أواخر شهر ماي القادم. كل ذلك خوفا من صعود اليمين المتطرف والذي لا يؤمن بمثل هذه الاتفاقيات أصلا.
إذا كانت الاتفاقية شاملة ومعمقة، فهل يعنى ذلك استهداف كافة القطاعات في نفس الوقت أم هناك قطاع بعينه ذو أهمية خاصّة للسّيطرة عليه؟
كل القطاعات معنيّة بمشروع الاتفاقية، والاتحاد الأوروبي قدّم منذ أفريل 2016 تاريخ أول جولة من المفاوضات 12 مشروعا للتفاوض شملت أغلب القطاعات الحيوية للاقتصاد الوطني. ثم تمّ إضافة ثلاثة مشاريع خلال شهر جويلية 2018 وتعلقت بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة وبالطاقة والمواد الأولية وبالتحكيم.
كما أنّ مشروع الاتفاق لا يستثني أيّ نشاط أو قطاع. ولكن يحاول أن يمهل زمنيا بعض القطاعات الحساسة كالفلاحة مثلا مدة زمنية تتراوح بين 5 و15 سنة وفق الحالات والوضعيات وميزان قوى المفاوضات.
هل يمكن للاقتصاد التّونسي النّهوض دون المرور بمثل هذه الاتفاقيات؟ وهل للاتّفاقيّة تأثير على السّيادة الوطنيّة وحقّ الشّعب التّونسي في التّنمية على ركائز وطنيّة؟
السّؤال يحيلنا إلى سؤال مبدئي والذي يتمحور حول وجود منوال تنموي وطني قادرة على تحقيق حاجيات الشعب وتحقيق التنمية المتوافقة مع إمكاناتنا ومواردنا وطاقاتنا، خاصة مع أوضاعنا الراهنة ونحن نعيش فترة ما بعد انطلاق المسار الثوري الذي ما يزال يتواصل رغم محاولات طمسه.
كما أنّ من يحكمون البلاد الآن ليس لهم مشروع وطني بل هم جماعة من السماسرة والمرتزقة للرأسمال الأجنبي وللدوائر الامبريالية وبالتالي لا يهمّهم إن كانت البلاد قادرة على الصمود في وجه الآثار السلبية والمدمرة لمشروع الاتفاق وخاصة على قطاعات مثل الفلاحة والخدمات والطاقة والمواد الأولية والصفقات العمومية.
مشروع الاتفاق سيكون له تأثيرات مدمّرة على السيادة الوطنية وعلى استقلال القرار الوطني. كما سيدّمر قطاعات استراتيجية بكاملها على المدى المتوسط مثل الفلاحة والتي أكّدت الدراسات أنّ “الاليكا” ستدمّر حوالي 250 الف فلاح خاصة إذا تم تطبيق قانون الإجراءات الصحية والصحة النباتية الذي صادق عليه برلمان السلطة خلال شهر فيفري 2019. كما وجب الإشارة إلى أنّ الحكومة لم تنتظر الإمضاء على الاتفاقية بل إنها شرعت في تطبيق أهم إجراءاتها والتزاماتها في مجال التشريع والقوانين مثل قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص وقانون الاستثمار وقانون استقلالية البنك المركزي والقانون الأخير المتعلق بالإجراءات الصحية والصحة النباتية.
ما هي أهم المخاطر؟
لا نتحدث عن مخاطر في مثل هذه الاتفاقيات. نحن نتحدث عن إلحاق قصري باقتصاد البلاد بالفضاء الاوروبي على كل المستويات الاجرائية والتقنية والقانونية والمواصفاتية وحتى نمط الإنتاج وآلياته وطرق التوزيع وجلّ الخدمات. بالتالي فالحديث عن استعمار بأشكال أكثر نعومة وأكثر تدمير بطرق تشريعية وقانونية. فالاليكا استعمار أخطر من الاستعمار المباشر.
أعلنتم عن دعوة إلى تشكيل جبهة وطنية ضد “الاليكا”، من هي القوى المعنيّة بذلك؟ وما الغرض منها؟ وهل توجّهتم إلى الائتلاف الحاكم في الغرض؟
أمام الخطورة التي يمثلها مشروع “الاليكا” على السيادة الوطنية وعلى استقلال القرار الوطني وعلى قطاعات استراتيجية للبلاد كالفلاحة والطاقة والمورد الطبيعية والصفقات العمومية والخدمات، فإنه لم يعد هناك مجال للسكوت أمام صمت العديد من القوى والمنظمات التي سعت سابقا إلى الدعوة إلى تحسين شروط التفاوض فقط لعدم فهمها لحقيقة مشروع الاتفاق وأبعاده الاستراتيجية.
لذلك دعونا إلى تشكيل جبهة وطنية للتصدي لمشروع الاتفاق وعلى الأقل إيقاف المفاوضات حاليا. وتوجّهنا إلى مكونات الجبهة الشعبية باعتبارها أحزابا تقدمية ديمقراطية ووطنية وإلى الحزب الجهوري والتيار الديمقراطي والاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وإلى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وإلى الحركات الشبابية المتمردة على واقع البؤس والرداءة، وعدد مهم من جمعيات المجتمع المدني الوطنية والجهوية والمحلية. كل ذلك في إطار خلق كتلة تاريخية للتصدي لهذا المشروع الاستعماري.
كما نأمل أن تتحمّل الأحزاب السياسية التقدمية والديمقراطية مسؤوليتها في هذه المعركة الحقيقية وأن تنزل بكلّ ثقلها على الأقل من أجل إيقاف التفاوض حول مشروع التبادل الحر الشامل والمعمق وتحويل الموضوع إلى قضية رأي عام على نطاق واسع باعتبار أنّ المعركة ليست فنية بل هي معركة سياسية بامتياز لأنها ترتبط أصلا بالسيادة الوطنية وباستقلال القرار الوطني.
مجالات مشروع اتّفاق الأليكا:
- تجارة المنتوجات الفلاحية والفلاحة المصنعة والصيد البحري
- الإجراءات الصحية والصحة النباتية
- الحواجز الفنية للتجارة
- التنمية المستدامة
- تجارة الخدمات والاستثمار
- تسوية النزاعات في مجال الاستثمار والمنظومة القانونية للاستثمارات
- حماية حقوق الملكية الفكرية
- إجراءات الدفاع التجاري
- الصفقات العمومية
- سياسة المنافسة ومعونات الدولة