صادق مجلس النواب بتاريخ 5 أفريل 2019 خلال الجلسة العامة على القانون عدد 24 لسنة 2019 المتعلق بتنقيح وإتمام القانون عدد 12 لسنة 1985 المتعلق بالتقاعد، بحضور 137 نائبا صوّت منهم 121 بنعم و5 بالرفض واحتفظ 11 نائبا بأصواتهم.
وقد مثلت المصادقة على هذا القانون أحد أهم الإجراءات الموجعة التي كانت الشعار المركزي لحكومة الائتلاف الحاكم باعتبارها التفافا على أحد أهم المكاسب الاجتماعية للأجراء وتحميلا لهم نتائج أزمة لم يتسببوا فيها.
ازمة الصناديق الاجتماعية: من المتسبّب فيها؟
أزمة عجز الصناديق الاجتماعية هي نتيجة فعلية لسياسات لا شعبية وليبيرالية لمختلف الحكومات المتعاقبة منذ الانطلاق في تنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي سنة 1986 عبر تسريح العمال والإحالة على التقاعد المبكر والتخلي عن جزء هام من القطاع العمومي بالخوصصة في إطار ما سُمِيَ “برنامج تطهير وإعادة هيكلة المنشآت العمومية”.
وبالعودة إلى الوراء سجل الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية أول عجز له سنة 1992 بلغ 4 مليون دينار كنتيجة مباشرة للمضي قُدُما في تنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي ليتواصل النسق التصاعدي للعجز بالإيغال في سياسة التخلي عن القطاع العمومي وسكوت الدولة عن استخلاص ديون الصناديق الاجتماعية وإخلالها بدفع متخلدات الصناديق لديها ومنح الإعفاءات من المساهمات بعنوان الأجور تحت عنوان دفع الاستثمار إضافة لتفشي ظاهرة الاقتصاد غير المنظم الذي تسيره بارونات مرتبطة بالسلطة الحاكمة إلى اليوم مما حرم الصناديق الاجتماعية من مداخيل هامة كان من الممكن أن تجنبها الوضع الذي بلغته حاليا.
ولئن تمثل أزمة الصناديق الاجتماعية أزمة هيكلية، فإنها كانت ضحية سياسات شعبوية استغلت موارد أنظمة التقاعد للترويج لصورة نظام بن علي الذي وظف أموال الضمان الاجتماعي في غير محلها، وحولها من صناديق ضمان اجتماعي إلى صناديق تضامن اجتماعي حيث أصبحت تتكفل بدفع نفقة المطلقات والتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية وتقديم المساعدات الاجتماعية في الأعياد إضافة لاستثمار مداخيلها في مشاريع فاشلة وتمويل حزب التجمع المنحل.
وبالعودة إلى تقرير لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية بالبرلمان في جلستها ليوم 29 مارس 2019 حول مشروع تنقيح وإتمام قانون التقاعد، فإن الواضح والثابت – حسب التقرير- أن الأطراف الاجتماعية موافقة على الترفيع في سن التقاعد والترفيع في نسبة المساهمات حيث جاء فيه “أن اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية المحدثة بمقتضى العقد الاجتماعي والمكلفة بالمراجعة الشاملة لأنظمة الضمان الاجتماعي عقدت اجتماعات مكثفة سنتي 2016 و2017 وتم الاتفاق على إحداث مساهمة اجتماعية تضامنية في إطار تنويع مصادر تمويل أنظمة الضمان الاجتماعي مثلما ورد بالعقد الاجتماعي والاتفاق على إحداث مجلس أعلى لتمويل الحماية الاجتماعية.”
موقف الاتحاد من الترفيع في سن التقاعد
حيث أن الاتحاد العام التونسي للشغل من الأطراف الممضية على العقد الاجتماعي بمناسبة الذكرى الثانية للثورة في 14 جانفي 2013 تحت قبة المجلس الوطني التأسيسي، فإنه كان ضمن اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية التي أقرت الإجراءات الواردة في تنقيح قانون التقاعد وهو ما يطرح عديد التساؤلات.
فالاتحاد العام التونسي للشغل سَبِق له إسقاط نفس المشروع الحالي سنة 2010 من خلال تنظيم تجمعات عمالية كبرى في عدة جهات من بينها صفاقس وبن عروس ونابل، بدى موقفه مرتبكا ربما حد التراخي في التصدي للالتفاف على الحقوق الاجتماعية لمنظوريه وما فاجأ الساحة النقابية حقا هي حالة القبول والصمت النقابي خاصة إذا تذكرنا القطعي المتكرر لقيادات المنظمة حول التوافق على مشروع تنقيح قانون التقاعد سواء في وسائل الإعلام أو الاجتماعات العامة أو في مختلف الهياكل في حين أن الهيئة الإدارية الوطنية للمنظمة قد صادقت بالإجماع بتاريخ 11 أكتوبر 2017 على ضرورة المُضي في إصلاح الصناديق الاجتماعية بعد أن عُرِضت عليها مشاريع الحكومة.
وما يؤكد موافقة المنظمة على ما ورد في نص القانون المنقح هو صمتها بعد مصادقة مجلس النواب إذ لم يكلف نفسه المكتب التنفيذي الوطني حتى عناء إصدار بيان تنديد أو رفض.
والأخطر من تمرير الترفيع في سن التقاعد بسنة خلال النصف الثاني من السنة الحالية وسنة أخرى بداية من جانفي 2020 والزيادة بـ3 بالمائة في نسبة المساهمات موزعة 2 بالمائة على كاهل المؤجر (بداية من أفريل 2019) و1 بالمائة على كاهل الأجير (0,5 بالمائة أفريل 2019 و0,5 بالمائة في أفريل 2020)، الأخطر هو ما يتم التخطيط له من إجراءات لاحقة قد تمثل مجزرة (تغييرها بكلمة أخرى) حقيقية في حق الأجراء حيث نص تقرير لجنة الصحة والاجتماعية في البرلمان على أن هذه الإجراءات “غير كافية وضرورة مواصلة التشاور حول بقية إجراءات مراجعة جرايات التقاعد”.
حيث تتجه النية حسب برنامج الحكومة في إصلاح الصناديق الاجتماعية نحو مراجعة قاعدة احتساب الأجر المرجعي اعتمادا على معدل أجور الخمس سنوات الأخيرة عوضا عن ثلاث سنوات، مع مراجعة مردودية السنوات حيث أن العمل لمدة 35 سنة حاليا نتيجتها 80 بالمائة من الأجر لتصبح 70 بالمائة، إضافة لتسقيف نسب الجرايات وإلغاء التنفيل والتخلي عن التعديل الآلي للجرايات واعتماد نسبة مركبة مرتبطة بنسب النمو والتضخم وهو ما سينجر عنه تخفيض في جرايات المتقاعدين أدناه 119 دينارا وأعلاه 427 دينارا.
والأكيد أن تنقيح قانون التقاعد والترفيع في سن التقاعد هو الخطوة الأولى في اتجاه مزيد تحميل الأجراء تبعات أزمة الحكم والمنوال التنموي الفاشل والسكوت عليه سيكون فاتحة لإجراءات أخرى أكثر إيلاما للنشيطين والمتقاعدين وهو ما يتطلب تظافر جهود كل الأطراف المعنية للتصدي لهته الإجراءات المعادية للعاملات والعاملين بالفكر والساعد ولعل الاتحاد العام التونسي للشغل والقوى الاجتماعية والتقدمية مطالبة أساسا بتحمل مسؤولياتها تجاه خيارات حكومة كريستين لاغارد.
محمد صابر الحجري