لا أحد ادّعى معاداة الولايات المتّحدة في العالم العربي مثلما يدّعيه الإسلاميّون ولكنّ الوقائع كشفت أنّ الجماعة قد جعلوا قبلتهم واشنطن. قبل الانتخابات حجّ شيخهم الأكبر إلى واشنطن وتلقّى صكوك الغفران من داخل “الأيباك” وما أدراك ما “الأيباك” وقد انعكس ذلك في مواقف الجماعة من مسألة التّطبيع.
بمجرّد أن خرج الجماعة من الحكم سافر بابا سنفور حلاّل العقد إلى واشنطن يجدّد الودّ ويصل ما انقطع بسبب أحداث السفارة. ومن عادات بابا سنفور أنّه إذا تكلّم إنصاع له كلّ السّنافر بلا نقاش ودافعوا عمّا يفعل. فلم تعد واشنطن على صفحاتهم الشيطان الأكبر ولا نعتوا من يزورها بأنّه من أيتامها.
في حجّه يسعى بابا سنفور بين “الأيباك” والجمعيات والجامعات مدّعيا أنّ حزبه تخلّى عن السلطة طوعا لا كرها حرصا على الدّيمقراطية. وأنّ سنافر الإرهاب من صنع شرشبيل متنصلاّ منهم منكرا أن يكون قد قال عنهم ذات يوم أنهم أبناؤه.
يحجّ الشيخ العلاّمة الفهّامة المفكّر الفطحل إلى واشنطن ويحاضر في الجامعات الأمريكية بعد أن جعل جماعتُه النّاسَ تكاد تكفر بالثورة وتحنّ إلى أيّام بن علي. وفي غيبة بابا سنفور فاضت الأودية على سنافره بسيل من التجمّعيين خرجوا على الشاشات وأوّلهم ساحرهم الأكبر الذي صرح بأنه “كوّارجي قديم وكأنه يُعلنها صراحة للشعب كوّرنا بكم سابقا ومستعدون لمزيد التكوير”
قد يثور السنافر الغافلون هنا منتظرين عودة الشيخ من محجّته علّه ينقذهم. ولكنّهم قد لا يعلمون ما جرى في بلاد الحج حيث يراد للأعداء القدامى أن يتحالفوا من جديد خدمة للسيد الأعظم. ولا غرابة في ذلك. ألم يكن ابن الكوّارجي القديم طبيب الجبالي؟ وهذا يعني أنّ الجميع مكوّرون محترفون.
ومن بشائر التّوبة النّصوحة قبل الحج أنّ الشيخ زار سمير الوافي وأثناء حجّه زاره حامد القروي ولم يحد الوافي عن عادته فقد أوفى الكيل للشيخين وبيّض وجهيهما وكلّه بمباركة صاحب الذبذبات الذي كان وسيطا ذات مرّة بين الشيخ السنفوري والشيخ الندائي في باريس.
يبدو أنه موسم الحج والصفقات الكبرى التي تجري بمباركات عدّة ومن جهات مختلفة، غايتها في النهاية اقتسام السلطة والمغانم. وبابا سنفور يعي أنّ من مصلحته أن يلاعب شيخين لا شيخا واحدا حتى يفتّت التّركة القديمة ويساوم الاثنين. وفي لعبة الشيوخ التي تدور في هذه البلاد يجد الشعب نفسه مجرّد متابع لما يجري.
في لعبة الشيوخ تصبح المصالح والمغانم لعبة الوقت الضّائع وكلّ منهم يريد أن يسجّل ليطيل عمره ويستعيد شبابه. يسطو الشيوخ على كلّ شيء ويُقصى الشباب وهو القوّة الدافعة إنه زمن الشيوخ، زمن الجذب إلى الخلف.
مراد الحاجي