من نتائج الأزمة الاجتماعية التي تضرب بلادنا تحت الائتلاف الحاكم الحالي انتشار البطالة والفقر والبؤس وتدهور المقدرة الشرائية لعموم الطبقات والفئات الكادحة والشعبية والوسطى وتردّي الخدمات الصحية والتربوية والنقل والبيئية. وبسبب ذلك أصبح المواطن عاجزا عن توفير أدنى مقومات العيش من مأكل ومشرب ولباس ودواء وأدوات مدرسية الخ… ومع دخول شهر رمضان وما رافقه من اشتعال للأسعار تفاقمت مظاهر الفقر والبؤس وهو ما استغلته الأحزاب والقوى الرجعية بمختلف ألوانها للمتاجرة بآلام الناس ومصائبهم.
ولئن كانت ظاهرة “موائد الإفطار” وتقديم “الصدقات” و”المساعدات” بمناسبة شهر رمضان قديمة وتوظّف سياسيا من قبل السلطة وأعوانها لكسب التأييد، فقد أخذت هذا العام بعدا خاصا لقرب الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي اشتدّ معها الصراع بين أحزاب المافيات وكبار الفاسدين واللصوص والعملاء على شراء ذمم الناخبين والناخبات. ولم يتوقف الأمر هذه السنة عند هذا الحد. فمن المظاهر البارزة، هو أنّ بعض الجمعيات السياسية الخيرية صارت توزع “الصدقات” تحت راية أعلام دول أجنبية وبالتحديد قطر وتركيا.
لقد أصبحت كرامة الشعب والوطن مستباحة. فمنذ مدّة يتذكر الجميع ما لجأت إليه إحدى الجمعيات الخيرية القطرية من إشهار في شوارع الدوحة لجمع المساعدات لتونس بعنوان “تحت الصفر… 100 ريال قطري تمنح الدفء لتونس”، وها إنّ المسألة تأخذ اليوم أبعادا جديدة، فبعض الدول تقدم “المساعدات” إلى جهات معيّنة بصورة مباشرة في غياب تام لأجهزة الدولة وهذه الجهات تشهر أعلام تلك الدول تأكيدا لحضورها ببلادنا و”تصدّقها” على شعبها. وقد كان هذا السلوك على درجة من الوقاحة والاستفزاز لمشاعر التونسيين مما اضطرّ وزير الخارجية إلى التصريح، بعد “شكر الدول الشقيقة” على تقديم “المساعدات للفئات الضعيفة”، بضرورة المرور بالجهات الرسمية، وكأنّ المسألة متعلقة بالشكل لا غير.
إنّ المسؤولين عن تفقير الشعب ونهب خيراته وثرواته وبيعها للأجنبي من قوى سياسية ومن فاسدين و”رجال عمايل”، هم أنفسهم الذين يقدّمون هذه “الصدقات” بدعم من الدول التي تسندهم في سياساتهم المعادية للشعب والتي تستند إليهم أيضا في استغلال شعب تونس ونهب خيراته وتدمير اقتصاده. فهم يجوّعون الشعب من جهة ويتصدّقون عليه من جهة أخرى لإذلاله وإخضاعه.
وبالإضافة إلى ما في هذه المسألة من دوس للكرامة ومتاجرة سياسية وضرب للسيادة الوطنية فإنها بالطبع لا تحلّ مشكل الفئات الفقيرة المستهدفة. فالصدقات التي تقدّم إلى الفقراء والمحتاجين، والمتأتية أصلا ممّا ينهبه “المتصدقون” الفاسدون عليهم من أموال وخيرات على حسابهم، لا تحلّ مشكلتهم بل تُبقيهم في فقر وبؤس دائمين وبالتالي في تبعية دائمة “للمتصدقين” عليهم.
إنّ حزب العمال يدعو كافة التونسيين والتونسيات إلى التصدّي لهذه الممارسات المهينة لكرامتهم وكرامة وطنهم وأن يدركوا أنّ هؤلاء الذين “يتصدّقون” عليهم هم في الحقيقة أعداؤهم، هم المسؤولون مباشرة أو بصورة غير مباشرة عن معاناتهم ومعاناة بناتهم وأبنائهم وأنهم “بصدقاتهم” تلك لا يخرجونهم من الفقر بل يذلّونهم ويخضعونهم ويؤبّدون فقرهم وبؤسهم ويحوّلونهم من مواطنين أصحاب حق إلى شحّاذين ومتسوّلين. إنّ الشعب ليس في حاجة إلى “الصدقة” بل هو في حاجة إلى اختيارات اقتصادية جديدة موجّهة إلى توفير حاجاته الأساسية من شغل وتعليم وصحة ونقل وسكن وإلى النهوض بوطنه. وهذه الاختيارات لا توفّرها أحزاب الفساد والعمالة بل توفّرها القوى الثورية والتقدمية المتمسّكة بسيادة الوطن وبحقّ الشعب التونسي في التمتع بثرواته وبثمرة عمله للنهوض بأوضاعه.
صوت الشعب