اعتقد الكثيرون أن المسار الثوري في بلادنا قد انتهى أو يكاد، ولعل البروبغندا الإعلامية للقوى المتنفّذة أسهمت بقسط كبير في تعزيز تلك القناعة المغلوطة التي رافقت تسوية وضعيّة بعض العاملين والعاملات إمّا ضمن بعض الآليات المعروفة مثل الآلية 16 ومثيلتها 20 الخ… أو تحت ما يسمّى “مناولة” لدى بعض الخواص.
والحقيقة التي تكشّفت منذ مدةّ أن ذاك المنجز منذ بداياته كان محدودا وأبقى على قطاعات واسعة من ضحايا أبشع الاستغلال الرأسمالي المتوحّش في القطاعين على حدّ السواء.
والأنكى من ذلك لجوء بعض المستثمرين الخواص والدولة أيضا إلى قضم المكاسب وتصفيتها بطرق عدّة تجمع بين التحيّل والاستقواء، مع المضيّ قدما وبوتائر متسارعة في تعزيز العودة القوية لأشكال التشغيل الهش غير الآدمية، إنْ في ظروف العمل أو الجرايات والتقاعد لاحقا، فالوقائع متعدّدة، يصعب حصرها ويستحيل دحضها على البروز القوي للمناولة التي يكتوي بنارها النساء والرجال في القطاع الخاص والعمومي أيضا.
فكل المؤشرات الحاصلة حاضرا ومستقبلا نتيجة الخضوع الذليل لإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي تؤكد بأن الائتلاف الطبقي الرجعي وحكوماته المتعاقبة لا يرون من سبيلٍ لمعالجة أزمة الماليّة العمومية وربما لتخفيف الضغط الشعبي من أجل التشغيل والحد من آفة البطالة المتفاقمة سوى العودة القوية لإعادة تنشيط “آليات التشغيل الهش” وابتداع أساليب جديدة أكثر وحشية وتنكيلا بطوابير المعطلين والمعطّلات، سواء من أصحاب الشهادات العليا أو غيرهم.
إن ملف عملة الحضائر رغم حراكهم الواسع مازال يُراوح مكانه، فالتسوية المهنية توقّفت عند حدود العاملين قبل 2010 وأسقطت عمدا من تلك التسوية أعدادا كبيرة من المشتغلين والمشتغلات في الحضائر الفلاحية!!! والملفت للانتباه تعثّر المفاوضات بين الطرف النقابي والحكومي الذي يبدو كعادته مصرّا من جهة على التلاعب بأرقام العاملين والنزوع دوما إلى التضخيم، ومن جهة أخرى إلى كسب الوقت والتخلص من أعداد كبيرة منهم بإحالتهم على التقاعد بجرايات أقلّ من منحة المعوزين.
والأغرب من ذلك التسلّل القوي لتلك الأشكال المهينة للذات البشرية في قطاعات الوظيفة العمومية وتحديدا في مجال التعليم العمومي الذي يعيش وضعا غير مسبوق تحت ضربات معاول “حكومة الشاهد/النهضة”. والحقيقة أن مجرّد الوقوف على حالة الأساتذة والمعلمين النوّاب الذين يزاولون عملهم النبيل بكل المقاييس وفق عقود سنوية لا حصر لديمومتها، تمثل مروقا فجًّا على القوانين الشغليّة الجاري بها العمل، إضافة إلى أنها طعنة موجعة لكرامة الأساتذة والمعلمين من الجنسين وتعدّيا صارخا على دستور الثورة وتحديدا لفصوله المتعلقة بالشغل اللائق الخ… فالسّنة الدراسية توشك على النهاية وحوالي 12 ألف أستاذ متعاقد مازالوا حتى أيامنا هذه محرومين من الانتفاع بجرايات الهوان والضحك على الذقون. أما قرابة الـ 7500 معلم نائب، يبدو أن البعض منهم حصل على الفتات !!!
والحقيقة أن استمرار مثل هذه الأوضاع يمثّل فضيحة أخلاقية كبيرة لحكومة “الشاهد” التي مازالت تجد الجرأة للحديث على إنجازاتها وتعمل بعض الأحزاب الداعمة لها على التربّع من جديد على رقاب العباد بعد انتخابات 2019.
إزاء هكذا وضعٍ، فإن القوى الاجتماعية والحقوقية والسياسية التقدمية مدعوّة إلى شدّ أزر كل ضحايا التشغيل الهش والإسهام النشيط في معركة عملة الحضائر والأساتذة النواب والمعلمين وغيرهم من أجل:
- إيقاف العنف والقمع المُسلّط ضدّهم أثناء تحركاتهم الاحتجاجية المشروعة
- تسوية أوضاعهم المهنية بإقرار الترسيم للجميع
- إجبار الحاكمين على القطع النهائي مع هذه الأشكال المتوحّشة في التشغيل.