مراد الحاجي
تجمع كل تعاريف الدولة منذ القدم على ركن أساسي وهو أنّ من وظائفها كفّ البعض عن البعض بالتعبير القديم. أي تنظيم حياة الناس واحتكار العنف المشروع. إلاّ نظام الحكم في هذه الأرض فقد جبل على مقولة شهيرة انتشرت بين الناس ويبدو أنها مستمرة وهي مقولة الحاكم ظالم. والظلم أشكال وأنواع ولعلّ أخطره ذاك الظلم الاجتماعي الذي استشرى في أيامنا من خلال غلاء المعيشة حتى أضحى الناس يتحدثون عن سياسة تجويع تمارسها الدولة على مواطنيها.
ولطالما تحدّث الساسة عن إجراءات موجعة وهو وجع أحسه الشعب فعلا. ولعلّ من بلاغة اللغة أنّ الوجع الجوع هما تقليبان لنفس الجذر اللغوي. فالوجع قرين الجوع في وجه من الوجوه. ولكن المؤسف أنه أحسه لوحده بطبقاته المفقّرة ولم يشعر أنه يتقاسم الوجع مع أصحاب المال السياسي ووكلاء الله على الأرض ولا مع مالكي توجيه الرأي العام.
غير أنّ هذا الثالوث المدنّس لم يكتف بعدم المشاركة في الوجع والجوع. وإنما استثمر في هذا الوجع والجوع على أبواب انتخابات قادمة وحلول شهر رمضان أصبح المواطن التونسي المفقّر تمتهن كرامته باسم المساعدات الاجتماعية وقفاف توزع وتشترى بها أصوات الناس. يتحالف وكلاء الله على الأرض مع أرباب المال السياسي مع بعض ملاك وسائل الإعلام القادرة على توجيه الرأي العام ضد هؤلاء المجوّعين ويستثمرون جوعهم بطرق مختلف. إنه تجويع الحرة علّها تسقط وتأكل بثدييها.
إنّ الممسكين بخناق الدولة اليوم، لكي لا نقول حكامها، حوّلوها من أداة لكف البعض عن البعض إلى أداة إجرام في يد البعض ضدّ البعض الآخر. وقد زيّنت لهم أحوال الشعب المفقّر إراقة ماء وجهه بمالهم السياسي القذر الذي لا يعلم أحد مصادره. ولم يكتفوا بذلك بل وصل بعضهم إلى بث مشاهد لهذا الشعب الجائع وهم يجبرونه على الدعاء في مشاهد تصوره شعبا متسولا على عتبات أصحاب المال القذر. وترسم لهؤلاء صورة المحسنين الطيبين الذين يشعرون بمعاناة الناس وبدل أن يبحثوا لهم عن حلول عبر برامج سياسية تنقذ الناس يحوّلونهم إلى جوعى تحت شرفات قنواتهم ومتسوّلين. وكلاء الله على الأرض ووكلاء المال السياسي والإعلام المسيّس ثالثوث دنّس الحياة السياسية وأضاف إلى ذلك تجيير الدولة لخدمة أغراضه وبث الوجع في قلوب هذا الشعب الذي عاش الوجع طويلا فلم يزيدوه إلاّ وجعا على وجع.
تنطلق أناشد هيبة الدولة من كل زاوية حين يتكلم ممثلو الثالوث المدنس وكأن هيبة الدولة هي مجرد عسف تمارسه. أليست هيبة الدولة من هيبة ذلك المواطن الذي حوّلتموه إلى متسول. هل من معنى للدولة وهيبتها حين تحوّلونها إلى أداة لإهانة الشعب والاستثمار في جوعه؟ وتحويله إلى كمشة من المتسوّلين تحت عتبات قصور أحلامكم السلطوية؟
رسالة أخيرة للثالوث المدنّس نختزلها في ثلاثة أسئلة. أوّلا لوكلاء الرب على الأرض: ألم يقل علي لو كان الفقر رجلا لقتلته فماذا كان سيقول لو تحدث عمّن ينشرون الجوع ويستثمرون فيه؟ ثانيا لوكلاء المال السياسي: هل أنتم قادرون على شراء شعب كامل وإذا حولتم شعبا إلى مجموعة من المتسولين أكيد أنه سيذهب إلى من يدفع أكثر ألستم في النهاية إلا مجرد سماسرة؟ أمّا جماعة الإعلام المستثمر في المهانة: فنقول هل مات أولاد زعرة وأولاد الغزلاني ليعيش أولاد مفيدة وبدل أن يترحّم عليهم صيّرتم الرحمة أيضا تشترى بقفة والموت في حادث مرور مدخلا لشراء ذمم الناس؟
وأخيرا سؤال أخير لكم جميعا. من الجائع فعلا من جوّعتموه لتهينوه أم أنكم الجوعي الحقيقيون تستثمرون في كل شيء حتى قوت الناس وينطبق عليكم قول المسعدي: لا يشبع من كانت روحه الجوع؟