تقديم
أعلنت اللّجنة المركزية لحزب الوطد الموحد المنعقدة بتاريخ 3 مارس الحالي اقتراح ترشيح أحد أعضائها والنائب بالبرلمان منجي الرحوي إلى الانتخابات الرئاسية القادمة باسم الجبهة الشعبية. وقد خلق هذا الإعلان نوعا من التوتر في صفوف الجبهة لأن كافة مكوناتها بما فيها حزب الوطد الموحد اتفقت بشكل لا لبس فيه، وهو مسجل في محضر الجلسات، بأن تبقى الترشحات داخلية إلى أن تناقش بهدوء ورصانة وتحسم بآلية ديمقراطية يتفق عليها الجميع حفاظا على وحدة الجبهة الشعبية.
ولكن حزب الوطد الموحّد فاجأ الجميع بإعلان الترشيح. وقد تلقّفت وسائل الإعلام هذا الموضوع وحاول بعضها تقديم ترشيح الرحوي على أنه “تحدٍّ لحزب العمال وأمينه العام حمّه الهمامي”. كما رأت فيه بعض وسائل الإعلام الأخرى مؤشّرات شرخ في صفوف الجبهة خاصة أن الرحوي وحزب الوطد مرا مباشرة إلى خوض حملة انتخابية رغم الادعاء بأن الأمر لا يعدو أن يكون اقتراح ترشيح في انتظار البت فيه داخل الجبهة الشعبية.
ركّز حزب الوطد الموحد لتبرير تقديم مرشّحه على عناصر شكلية. وهي التشبيب والتغيير والتجديد وما إلى ذلك. وما هذه في الحقيقة إلا وسيلة لتغطية الجانب الأهم في الموضوع وهو الجانب السياسي. فالترشح للرئاسية هو عمل سياسي وفيما بعد تأتي بقية العناصر الأخرى. وفي الواقع فلا الرحوي (ولا حزب الوطد الموحّد أيضا) أتى بجديد فهو يقلد النماذج البورجوازية الليبرالية الغربية المتأزمة التي تركز على الشكل ومنها السن وهو ما شكل ظاهرة أصبحت تسمّى “الشبوبية” (Le Jeunisme) لإخفاء السّياسات الحقيقية الموغلة في الليبرالية والمعادية للعمال والكادحين كما حصل مع “ماكرون” فرنسا مثلا (مع العلم أن “نائبنا” ليس شابّا بالمعنى المُراد له، إذ هو يبلغ من العمر 56 سنة).
كما أن التظاهر بالتجديد والتغيير ليس سوى وسيلة لضرب المواقف الثورية التي تقدم دائما على أنها “مواقف قديمة وغير صالحة” من جهة وللإيهام بتجاوز السياسات القائمة التي مجّتها الطبقات والفئات الكادحة ومحاولة إعادة تعليبها في اشكال جديدة تتولى وسائل الإعلام الممولة من الطغم المالية تمريرها للرأي العام. وفي هذا السياق فإن النّائب الذي ظل يتحدث دائما عن التجديد والتغيير لم يقدّم شيئا “يجدّد” به مواقف الجبهة الشّعبية عدا سعيه الدائم إلى جرّها نحو اليمين والابتعاد بها عن مواقفها الثورية والتقدمية التي تأسست عليها.
إن الخلاف مع الرّحوي سياسيّ قبل أن يكون شكليا أو تنظيميا، خلاف لا يقابل بينه وبين الناطق الرسمي، بل بين غالبيّة قيادات الجبهة والرّحوي. كما أن الحديث عن “التنظيم” وعن “الهيكلة” ما هو إلا كلمة حق يراد بها باطل. فالضجيج حول التنظيمي، مثله مثل الضجيج حول “خطاب الجبهة” ما هو إلا وسيلة لإخفاء الخلاف السياسي ومغالطة السامع أو القارئ علاوة على أن المعني (مثله مثل حزبه الوطد الموحد) لم يسهم في أي يوم من الأيام في تطوير الجبهة الشعبية تنظيميا.
وحتى لا نعود بعيدا في الزّمن، يمكننا التذكير بموقف الرّحوي الداعي إلى التصويت لفائدة الباجي قايد السبسي في الدورة الثانية لانتخابات 2014 الرئاسية وعدم التزامه بموقف الجبهة الشعبية وهجومه علنا على زهير الحمدي الأمين العام للتيار الشعبي وعضو مجلس أمناء الجبهة الشعبية الذي كان وقتها في برنامج تلفزي بفناة “نسمة” يشرح موقف الجبهة. لقد تدخل النّائب على الهواء مباشرة ليشكّك في تمثيليته مع العلم أن الرحوي لا علاقة له بمجلس الأمناء.
كما يمكننا التذكير بموقفه من حكومة الشاهد. فقد قابل السبسي في صائفة 2016 وناقش معه المشاركة في الحكومة ثم قابل الشاهد عدة مرّات دون علم قيادة الجبهة الشعبية وكان على قاب قوسين أو أدنى من قبول العرض المقدم إليه (وزير فلاحة) لولا ضغط حزبه. ولم يتورّع بالمناسبة عن شنّ هجوم على الجبهة الشعبية والمطالبة برحيل ناطقها الرسمي وتغيير قياداتها لتطويعها لتكتيكه السياسي الانتهازي. واليوم وقد مرّ أكثر من عامين على ذلك انكشف فيهما الطابع الرجعي والخطير للشاهد وفريقه فهل جرؤ الرحوي، لوكان حقّا منقادا بأرضية الجبهة الشعبية وأهدافها، على مراجعة موقفه والاعتراف علنا، وهو الذي يدّعي الجرأة والشجاعة، بخطئه؟ بالطبع لا.
وفي مطلع 2017 حين رفعت الجبهة الشعبية شعار الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة لأوانها انفلت الرحوي كعادته واقتصر على المطالبة بانتخابات تشريعية فقط لحسابات شخصية لا يريد بسببها إثارة السبسي. وحتى عندما سأله أحد الصحفيّين ذات مرّة عن وجود تناقض بين ما يصرح به هو ويصرح به الناطق الرسمي ادّعى أن موقف الجبهة يقتصر على المطالبة بانتخابات تشريعية سابقة لأوانها فقط وهو موقف يتنافى حتى مع موقف حزب الوطد الموحد.
وفي أواسط نفس السنة عاد الرحوي إلى الهجوم على الجبهة الشعبية وقياداتها زاعما أن الجبهة “أدّت مهمّتها وانتهت” وأن المشروع الوطني الديمقراطي الجديد سيحققه “الوطنيون الديمقراطيون” “المنتشرون في العديد من المواقع” (ماهي هذه المواقع؟ وهل يدخل ضمن هؤلاء “الوطنيين الديمقراطيين” سعيدة قراش ومحسن مرزوق وعبيد البريكي مثلا؟). وهو ما اضطرّ الأمين العام لحزب الوطد زياد الأخضر إلى التذكير، في اجتماع بمناضلي الجبهة في مرناق في نفس الفترة، بأن المشروع الوطني الحقيقي الوحيد هو المشروع الذي تحمله الجبهة الشعبية وبأن كل محاولة لهدم هذا البناء يمثل جرما.
وفي المدة الأخيرة انقلب الرحوي على الشاهد وماح إلى قصر قرطاج في صراعه مع القصبة. وقد راجت في وسائل الإعلام أخبار عن لقاء الرحوي مع الباجي. وقد أنكر الرحوي ذلك وحين طالبه المجلس المركزي بالتكذيب وعد بذلك وحدد تاريخا للخروج لوسائل الإعلام ولكنه لم يفعل. وفي نفس الوقت ودون أدنى تنسيق مع كتلة الجبهة الشعبية ورئيسها في البرلمان شارك الرحوي في ترويج عريضة مع نواب من “آفاق تونس” و”نداء تونس” وغيرهم لدعوة الشاهد إلى المثول أمام مجلس النواب. ورغم النقد الذي وجِّه إليه فإنه لم يتوقف عن ترويج العريضة.
ولا بدّ من التذكير بأن الرحوي دافع بقوة عن قانون “استقلالية البنك المركزي” وصوت لفائدته ضد إرادة كتلة الجبهة الشعبية. وكان من الواضح في تلك الفترة أن له حسابته مع قصر قرطاج ومع محافظ البنك المركزي نفسه. وفي المدة الأخيرة وحين تعالت أصوات عديد القطاعات رافضة الترفيع في قيمة الفائدة المديرية للبنوك (ت أم أم) لم يجد محافظ البنك المركزي سوى الرحوي لتبرئة ساحته وتحميل الحكومة وحدها مسؤولية ذلك الإجراء.
وإلى ذلك كله فالجميع يتذكر انفراد الرحوي بالدفاع عن وزير الداخلية المقال لطفي براهم ودعوته النقابات الأمنية إلى التمرد مساندة للوزير المدعوم من قصر قرطاج وهو ما ترك الجبهة الشعبية في حرج كبير إزاء قواعدها أولا والرأي العام ثانيا.
وخلاصة القول، إن الخلاف مع الرّحوي سياسي. وهو يتمحور حول الموقف من منظومة الحكم الرجعية القائمة: هل نشارك فيها بدعوى “التغيير من الداخل” و”التدرب على الحكم” أم لا نشارك فيها ونحافظ على استقلاليتنا وبرنامجنا ونسعى إلى كسب ثقة الشعب للوصول إلى الحكم وتنفيذ ذلك البرنامج؟ هذا هو مربط الفرس. وفي هذا المجال فإن الرحوي يدافع عن نزعة يمينيّة واضحة. فهو يبحث عن التموقع في السلطة. ومن البديهي أن تزعجه، والحالة تلك، مواقف قيادات الجبهة الشعبية بمن فيها ناطقها الرسمي لأنه يرى فيها، سياسيا وعمليا، عائقا أمام تكريس نزعته تلك.
وبالعودة إلى الوقائع فإنّ الرحوي وعلى مدى ثلاث سنوات متتالية (2016 و2017 و2018) كان يبدأ “الموسم السياسي” (شهر سبتمبر) بهجوم على الجبهة الشعبية وناطقها الرسمي بهدف تقزيمهما لا غير للبحث لنفسه عن موقع على حساب الجبهة التي تقلقه مواقفها السياسية المعارضة للائتلاف الرجعي الحاكم.
وفيما يلي النص الذي نشره حزب العمّال داخليا في سبتمبر ـ أكتوبر 2016:
أثار الموقف الذي اتّخذه المجلس المركزي للجبهة الشعبية من حكومة الشاهد خاصة ومن مبادرة السّبسي حول “حكومة الوحدة الوطنية” عامة، بعض الجدل داخل الجبهة وخارجها. ولئن عبّر بعض المناضلين عن موقفهم داخل أطر الجبهة والتزموا بالموقف الذي تبنّته الأغلبية، فإن البعض الآخر، انتقد موقف الجبهة علنا سواء في وسائل الإعلام أو عبر الشّبكة الاجتماعية. ويمكن اعتبار ما جاء على لسان الرّفيق م. الرحوي من تصريحات في بعض الإذاعات الخاصة نموذجا لهذا السلوك. وهو ما أثار ردود فعل مختلفة من مناضلات الجبهة ومناضليها، طغى على البعض منها التشنج.
تحن لا ننفي حق أي أحد في نقد الجبهة ومجلسها المركزي وقياداتها، بمن فيهم الناطق الرسمي، سواء صدر هذا النقد عن مناضلات الجبهة ومناضليها، مهما كانت مواقعهم، أو عن أطراف خارج الجبهة، أصدقاء كانوا أو خصوما، فذلك حق لا ينكره لهم أحد، علاوة على أنه لا أحد داخل الجبهة، هيكلا كان أو شخصا، يعلو على النقد. ولكن في نفس الوقت، من حق كل مناضلة أو مناضل في الجبهة أن يتصدى لأي نقد، يهدف إلى التجنّي على الجبهة الشعبية وإلى الانحراف بها عن الأرضية التي تأسست عليها وعن السياسات التي بلورتها في ندواتها الوطنية بما فيها الندوة الوطنية الأخيرة، والمواقف التي اتخذتها هياكلها القيادية بشكل جماعي وديمقراطي والتي يمثل كافتها المشترك الجامع بين مختلف مكونات الجبهة الشعبية، بهدف تطويعها لمصالح شخصية أو فئوية تضرّ بالجبهة وتقدم خدمة على طبق للائتلاف الرجعي الحاكم.
ومهما يكن من أمر فرب ضارة نافعة كما يقول المثل. فالجبهة الشعبية في حاجة مستمرة إلى تعميق خطّها التكتيكي. وهذه فرصة هامة تتوفر لها في هذا الظرف الصعب بل الحاسم من المسار الثوري التي تعرفه بلادنا منذ سقوط الدكتاتورية، لتوضيح بعض القضايا السياسية الراهنة التي ما تزال ضبابية بالنسبة إلى العديد من مناضلات ومناضلي الجبهة بشكل خاص والحركة الديمقراطية بشكل عام، سواء بسبب جدّتها أو بسبب ضعف النقاش والجدل حولها وهو أمر لا بدّ من تلافيه إذ لا تطور لخط الجبهة وتصوراتها وبرامجها ومواقفها دون إرساء تقاليد نقاش حول أمهات القضايا الإستراتيجية والتكتيكية التي تهم حياة الجبهة ومصيرها ووحدتها.
في الموقف من حكومة الشاهد
لقد رفضت الجبهة الشعبية المشاركة في حكومة الشاهد وقاطعت كامل المسار الذي أدى إلى تشكيلها، بدءا بحوار قرطاج والوثيقة التي انبثقت عنه ووصولا إلى تكليف يوسف الشاهد برئاستها والمشاورات التي أجراها بغاية تشكيلها ثم تقديمها إلى البرلمان لنيل ثقته. وقد جاء هذا الرفض بعد أن أجرى وفد من الجبهة الشعبية لقاءين مع رئيس الدولة وناقش معه الوضع العام بالبلاد ومبادرة الجبهة للإنقاذ والبناء ومبادرته هو حول حكومة الوحدة الوطنية واتضح الخلاف بين وجهتي النظر في فهم أزمة البلاد وتصور الحلول لها وهو ما فسرته الجبهة الشعبية في بياناتها ولقاءاتها الصحفية ومداخلات نوابها في البرلمان الخ…
لقد اعتبرت الجبهة الشعبية كامل المسار الذي حف بحكومة الوحدة الوطنية، مناورة سياسية من أجل حل أزمة الائتلاف الحاكم وتوسيع قاعدته لتنفيذ سياسة التقشف المملاة من المؤسسات المالية وضرب الحريات العامة وتجريم النضالات الاجتماعية. كما أنها اعتبرت هذا المسار مناورة من أجل العودة عمليا (في انتظار مراجعة الدستور) إلى نظام “رئاسوي” يمكّن السبسي وحاشيته في قرطاج من التحكم في السلطة التنفيذية بالكامل ومن ثمة الإعداد لخلافة السبسي حتى لا يخرج الحكم في المستقبل من يدي الدائرة الضيقة للعائلة بمعناها الواسع والتي يمثل الشاهد أحد أفرادها. وهذا الموقف هو نفسه الذي اتخذه حزب الوطد الموحّد صلب الجبهة الشعبية وأكّده في مؤتمره الأخير المنعقد أيام 2 و3 و4 سبتمبر الجاري. كما اتخذه حزب العمال والتيار الشعبي ومكونات أخرى من الجبهة التي أصدرت بيانات في الغرض. وأخيرا فإن هذا الموقف هو الذي عبرت عنه كتلة الجبهة الشعبية في البرلمان منذ يوم جلسة سحب الثقة من حكومة الحبيب الصيد.
هذا الموقف لم يرق لعدة لأطراف من المعارضة التي كانت تنسق مع الجبهة الشعبية منذ أن أطلقت مبادرتها حول “الإنقاذ والبناء” والتي كانت انتقدت في البداية تصريحات السبسي حول حكومة الوحدة الوطنية، ولكن ما أن أوحى لها بإمكانية تشريكها في الحكومة حتى، أصبحت تهلل بمبادرة السبسي وتعلن انخراطها فيها وذهبت إلى قصر قرطاج للمشاركة في “الحوار” الذي ترأسه السبسي والذي لم يكن له من هدف، مثلما بينت الأحداث ذلك، غير كسب تأييد الأطراف المشاركة، في سحب الثقة من الحبيب الصيد وتعويضه بشخص مقرب من القصر. وهو ما حصل عليه السبسي، ثم انقلب على من أوهمهم بأنه سيشركهم في اختيار رئيس الحكومة الجديد وفرض عليهم يوسف الشاهد، فهاجوا وماجوا واستنكروا ما فلعله بهم السبسي و”أقسموا” بأنهم لن يشاركوا في حكومة الشاهد بل فيهم من صرح بأن مناصب وزارية عرضت عليه ولكنه لم ولن يقبلها، لأنه الجماعة “أصحاب مبادئ” و”لا تهمهم المناصب” لأن ما يهمهم في الأخير هو “مصلحة الوطن”. ولكن في الأخير ولما رمى لهم الشاهد “عظما”، تناسوا تصريحاتهم وهرعوا إليه شاكرين، مهللين. وبالطبع لم يجدوا بدا من التهجم على الجبهة واتهامها بالقصووية ” و”عدم مراعاة الظرف الذي تمر به البلاد والذي يقتضي تضافر كل الجهود” وما إلى ذلك من العبارات الممجوجة الذي سمعها التونسيون آلاف المرات على مدى العقود الأخيرة من أفواه كل الذين التحقوا بحكومات الرجعية وحاولوا تغليف أطماعهم الشخصية بغلاف “خدمة مصلحة الوطن”.
أما في داخل الجبهة فإن موقف المجلس المركزي، الواضح والسليم، لم يرق للرفيق منجي الرحوي الذي، فهمنا لاحقا، (نقول هذا لأن منجي الرحوي لم يعبر، في أي وقت من الأوقات عن معارضته لموقف الجبهة رغم أن المجلس المركزي عقد لقاءين مع الكتلة وكان هو قد حضر أحدهما) أنه كان مع المشاركة في حوار قرطاج وفي المشاورات التي تلته حول تشكيل حكومة يوسف الشاهد. ولكنه لم يصدع بهذا الموقف في العلن، إلى أن دعاه يوسف الشاهد ليعرض عليه منصبا وزاريا، في محاولة لإعطاء حكومته صفة “التنوع” وبالتالي إكسابها طابع “حكومة الوحدة الوطنية” المزعوم من جهة وزعزعة وحدة الجبهة الشعبية وإرباك أنصارها وبث الشك والغموض في صفوفهم من جهة ثانية وتوفير الظروف المناسبة لتنفيذ مخطط الحكم الاقتصادي والسياسي من جهة ثالثة. وقد ذهب ارفيق م. الرحوي إلى يوسف الشاهد دون إعلام الجبهة الشعبية ولا حتى الكتلة البرلمانية، بل إنه لم يعلم إلا الأمين العام لحزبه، الرفيق زياد الأخضر، الذي نهاه عن الذهاب مذكرا إياه بموقف حزب الوطد الموحد والجبهة الشعبية ومع ذلك فقد تجاهل الرحوي كلامه وقابل الشاهد.
ويعود الفضل إلى وسائل الإعلام في الكشف عن هذه المقابلة وعن فحواها ذاكرة أن الشاهد عرض على الرحوي منصبا وزاريا وأن هذا الأخير لم يرفض الأمر مبدئيا وطلب مهلة للتفكير. وعلى إثر ذلك بادر حزب الوطد الموحد الذي كان يستعد لعقد مؤتمره الأول، بإصدار بيان يستنكر فيه سلوك الرحوي، ويؤكد أنه لا يلزمه إلا هو وأنه مناف لموقف الحزب والجبهة على حد سواء. وتلا هذا البيان، بيان ثان في نفس المعنى أصدره، بالإجماع، المجلس المركزي للجبهة الشعبية. ومع ذلك فقد واصل الرفيق م. الرحوي اتصاله بيوسف الشاهد والتقاه مجددا لمدة ساعات، وقد سعى هذا الأخير، إلى إقناعه بالمشاركة في الحكومة.
وكان من الواضح أنه لولا الموقف المعارض والعلني لحزب الوطد الموحد خاصة وكذلك الجبهة الشعبية لكان الرفيق م. الرحوي قبل المشاركة في حكومة الشاهد، إلى جانب “النداء” و”النهضة” وآفاق تونس” علاوة على الوافدين الجدد من المسار (سمير الطيب) والجمهوري (إياد الدهماني) واليمين القومي (مبروك كورشيد) وقدماء اتحاد الشغل (عبيد البريكي ومحمد الطرابلي). فالرحوي الذي عقد ندوة صحفية يوم 24 أوت، أي يومين قبل منح الثقة لحكومة الشاهد، لم يبرر عدم مشاركته في الحكومة بموقف سياسي من طبيعتها أو من برنامجها، بل برره بغياب الدعم السياسي لمشاركته فيها وهو ما من شأنه أن يضعف موقفه في حكومة تناوئه فيها أطراف (المقصود “النهضة”) بشكل صريح كما قال.
ولم يفوت الرحوي الفرصة لينتقد موقف الجبهة الشعبية الرافض للمشاركة في المشاورات حول الحكومة وليثنى على المكلف بتشكيلها، أي يوسف الشاهد، الذي قال عنه إنه اتبع طريقة “علمية وموضوعية” في ضبط تركيبتها. وعندما عرضت حكومة الشاهد على التصويت يوم الجمعة 26 أوت 2016، لازم الرحوي على غير عادته، الصمت خلال النقاشات، ولم يلتزم عند التصويت بموقف الجبهة الشعبية، الرافض لمنح الثقة للحكومة الجديدة واكتفى بالاحتفاظ بصوته، معللا ذلك، بأنه يريد “أن يعطيها فرصة”. وقد أحجم المجلس المركزي للجبهة الشعبية عن إدانة هذا السلوك تقديرا لحزب الوطد الموحد الذي لم تكن تفصله سوى أيام عن مؤتمره ولم يكن في حاجة إلى “وجع رأس” إضافي بسبب تصريحات نائبه في البرلمان.
وقد انعقد مؤتمر حزب الوطد الموحد في موعده المذكور. وخلال الجلسة الافتتاحية ألقى الأمين العام للحزب، الرفيق زياد الأخضر، خطابا وضع فيه النقاط على الأحرف بخصوص الموقف من حكومة الشاهد ومن المشاركة فيها ووجه رسالة إلى كل من قد يساوره شك في موقف الحزب بسبب سلوك عبيد البربيكي أو الرحوي. “هذه الحكومة هي نسخة جديدة من الحكومة السابقة للائتلاف الحاكم” وهي ليست حكومة “وحدة وطنية” بل هي مجرد توسيع لذلك الائتلاف بتشريك بعض الأطراف من أجل الزينة لا غير، ومهمتها لن تكون سوى تنفيذ إملاءات المؤسسات المالية الدولية المعادية لمصالح الوطن والشعب. هذا ما قاله زياد الأخضر، وهذا ما عبّرت عنه لوائح مؤتمر حزب الوطد الموحد. (انظر البيان الختامي).
وهكذا فقد فشل الرحوي في تمرير، مواقفه الخاطئة، من الائتلاف الحاكم الحالي وحكومته، سواء كان ذلك في حزبه، أي حزب الوطد الموحد، أو في الجبهة الشعبية، أو في الكتلة البرلمانية للجبهة الشعبية التي كان لموقف أعضائها من مناورة “حكومة الوحدة الوطنية” صدى كبير لدى الرأي العام الشعبي والديمقراطي. وفي الوقت الذي كان الأجدر بالرفيق م. الرحوي أن يقف عند خطأه ويراجع سلوكه، وينضبط على الأقل للموقف الأغلبي، ويطرح مشاكله وخلافاته داخل أطر الجبهة (الكتلة)، وهو حق لا ينازعه فيه أحد، فقد خير الهروب إلى الأمام. فلم يكد مؤتمر حزب الوطد الموحد ينتهي من فرز الأصوات في العملية الانتخابية للهياكل القيادية الجديدة للحزب، حتى هرع لوسائل الإعلام، وتدخل هاتفيا في إحدى الإذاعات الخاصة وهاجم الجبهة الشعبية وموقفها من حكومة الشاهد، ودافع عن مقابلته له والتشاور معه، كما حاول تقزيم الجبهة بتقديمها على أنها “فارغة تنظيميا “و”لا توجد ديمقراطية صلبها.” كان ذلك صبيحة الاثنين 5 سبتمبر الجاري. وفي يوم الخميس 8 سبتمبر عاد الرحوي إلى الظهور مجددا عبر إذاعة “موزاييك أ ف م” ولكن هذه المرة ليشن هجوما أعنف من السابق على الجبهة وعلى قياداتها وعلى ناطقها الرسمي.
لقد حمل الرفيق م. الرحوى مجددا على الموقف السياسي للجبهة من حكومة الشاهد واعتبره موقفا غير مقبول واستنكر البيانات التي أصدرتها. وعاد مجددا إلى القدح في مؤسساتها وفي شرعية المواقف التي تتخذها واعتبرها معزولة عن الشعب وشهّر بناطقها الرسمي بدعوى أن خطابه “يتكرر وغير مقنع”، وأنه “فقد رصيده” وهلم جرّا… وهو ما تلاقفته وسائل الإعلام، وخاصة منها المعادية للجبهة، ومنها جريد “الفجر” النهضاوية، لـتشنّ حملة نشويه على الجبهة وناطقها الرسمي وتقزّم مواقفها من الائتلاف الحاكم وتحاول زرع الفرقة بين مكوناتها وتحديدا بين حزب العمال وحزب الوطد الموحد. فقد توفرت لها فرصة على طبق لتنسف ما كسبته الجبهة من نقاط سياسية في مواجهة مبادرة السبسي منذ انطلاقها.
“الدخولية” نظرية انتهازية، فاشلة
إن ما يعاب على الجبهة، سواء من أنصار “المسار” أو “الجمهوري” أو بعض الأطراف الإصلاحية والليبرالية الأخرى أو من الرفيق منجي الرحوي وبعض من دافعوا عن موقفه في صفحات الشبكة الاجتماعية، هو أنها رفضت المشاركة في المشاورات حوا ما يسمى زورا وبهتانا، “حكومة الوحدة الوطنية”، كما رفضت المشاركة فيها، أو تعيين أشخاص قريبين منها، صلب هذه الحكومة. وهذا الموقف يثير مجددا موضوع ما يطلق عليه بأ”الدخولية” (l’entrisme) المتمثلة في إرادة بعض الأفراد الدخول في حكومة يمينية، رجعية، بدعوى “التغيير من الداخل”، وهي نظرية قديمة قدم ظهور التيارات الإصلاحية الانتهازية في الحركات الثورية والتقدمية منذ القرن التاسع عشر. ومن الأمثلة التاريخية المعروفة دخول الاشتراكي الفرنسي، “ألكسندر ملّيران” (1859 ـ 1943) في “حكومة الوحدة الجمهورية” في عام 1899 حيث جلس إلى جانب أحد جلادي “كومونة باريس” الثورية (الجنرال ج. غوليفي)، وقد أدانته الحركة الاشتراكية (1904) وأطردته من صفوفها وانتهى يمينيا، معاديا للعمال وخادما للبورجوازية الفرنسية الامبريالية خلال الحرب العالمية الأولى وناصر التدخل العسكري ضد الثورة الروسية ودعم احتلال سوريا (1925) الخ…أما المثال الأقرب تاريخيا فهو دخول الاشتراكي “برنار كوشنير” في حكومة ساركوزي (2007) والبقية معروفة حيث اشتهر بتوجهه العدواني بغطاء إنساني الخ…
وقد عرفت تونس أتباعا لهذه النظرية في كل مراحل “النظام الدستوري”. وقد وجد هؤلاء الأتباع في كل التيارات السياسية تقريبا. فالحزب الشيوعي التونسي، هادن الدكتاتورية في كل مراحلها، دعا إلى التعامل معها، وفي عهد بن علي تطورت العلاقة وشارك هذا الحزب الذي تغير اسمه ليصبح “حركة التجديد”، في البرلمان الصوري للدكتاتورية، وتواطأ معها بألف طريقة وطريقة في قمع الشعب واستغلاله وفي التفريط في سيادة الوطن. وحتى بعد الثورة فقد قبل هذا الحزب المشاركة في حكومة محمد الغنوشي التي كانت امتدادا للنظام السابق. كما ظهرت هذه النظرية لفترة من الزمن ولدى بعض العناصر من منظمة “تجمع الدراسات والعمل الاشتراكي (نظرية بونابرتية النظام وتمثيلية الحزب الدستوري لكل الطبقات والفئات الاجتماعية)، وصولا إلى التيار القومي (التحاق عفيف البوني الأمين العام لحركة البعث ببن علي…) ومنظمة “الشعلة” (1988 زهير الذوادي وقبله محمد العربي عزوز الخ…) ومرورا بالشخصيات الحقوقية المستقلة (سعدون الزمرلي، محمد الشرفي…)،
وقد ارتكز “الدخوليون” (les entristes) دائما على إحدى “حجتين” أساسيتين لتبرير سلوكهم الانتهازي، بل تواطؤهم مع القوى الرجعية المعادية للطبقة العاملة والشعب وتخليهم عن المبادئ الثورية والتقدمية. وتتمثل الأولى في القول بأن الدخول إلى الحكومة هو” أفضل من البقاء على الربوة وملازمة السلبية”، لأنه، أي الدخول، “يساعد على التغيير من الداخل وتحقيق المكاسب للطبقة العاملة والشعب وزرع الأنصار والأصدقاء في الأجهزة وكسب المواقع والخبرة في الدولة”. أما “الحجة” أو بالأحرى الذريعة الثانية فتتمثل في تبرير الانخراط في الحكومات البورجوازية والرجعية، بـ”المصلحة الوطنية” التي يقتضيها “لظرف” والتي تتطلب من “الجميع”، حسب مروجي نظرية الدخولية “رص الصفوف لإنقاذ الوطن من الأخطار التي تتهدده”، وهي كما نرى نفس الحجج تقريبا التي استعملت في الأسابيع الأخيرة لتبرير الدخول لحكومة الشاهد.
وقد بيّنت كل التجارب سواء في العالم أو في تونس أن دعاة الثورية والتقدميّة الذين دخلوا في حكومات رجعية، لم يغيّروا منها ومن برامجها شيئا، بل هي التي غيّرتهم بالكامل واستوعبتم في أجهزتها ونزعت عنهم قشرة الثورية والتقدمية واستعملتهم أحيانا لتمرير ما عجز ممثلوها التقليديّون عن تمريره من إجراءات معادية للعمال والكادحين والشعب عامة، وقد اتضح أن الخبرة التي اكتسبوها إنما هي في التحايل على الكادحين والفقراء وفي خدمة مصالحهم الأنانية، وقد انتهوا في الغالب بلا شرف، ورمي بهم في مزبلة التاريخ، إذ نادرا ما تجرّأ أحدهم على نقد ذاته ومراجعة نفسه أمام شعبه. فهؤلاء تناسوا دائما، بدفع من أطماعهم ونرجسيتهم وتفاهتهم، أبجديات العلوم السياسية التي تفيد أن الحكومة، أية حكومة، ليست مجرد التقاء بين أنفار معلقين في الهواء، لا علاقة لهم بالواقع، وبمقدورهم فعل ما يريدون حسب شهواتهم، ورغباتهم، وإنما هي جهاز مرتبط ارتباطا وثيقا بمصالح الطبقة أو الفئة الاجتماعية المهيمنة اقتصاديا وماليا وفكريا على المجتمع والتي هي تنتقي الحزب أو الأحزاب والأفراد الذين سيخدمون مصالحها، ويشكلون الجهاز السياسي الذي تنفذ عبره البرامج وتستصدر القوانين والتشريعات وتتخذ الإجراءات التي تكرس تلك المصالح الطبقية. وبعبارة أخرى فحين يكون الحكم بيد الرجعية فلا يمكن أن يخدم هذا الحكم مصالح الطبقات والفئات الكادحة والشعبية أو أن تتغير طبيعته بمجرد دخول فرد من الأفراد للحكومة، فالحكم لا يتغير إلا بتغير الطبقة أو الطبقات الحاكمة، والاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي تكرسها.
هذا هو الموقف النظري السليم الذي أكّدته كل تجارب الدنيا. وبالطبع فقد يقال لنا هل هذا يعني أن الثوريين لا يشاركون مطلقا في أية حكومة في انتظار أن يصلوا بمفردهم إلى الحكم؟ الجواب هو بالطبع لا فالثوريون قد تضطرهم الظروف إلى المشاركة في حكومة من الحكومات. ولكن ما هي هذه الظروف أو بالأحرى في أية حالة من الحالات هم يقبلون مثل هذه المشاركة؟ إن المشاركة في أية حكومة من الحكومات تتحدّد، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، بطبيعة هذه الحكومة وبرنامجها والمهمّات الملقى على عاتقها تحقيقها أي تتحدد بما إذا كانت هذه الحكومة “الائتلافية”، (التي تشكل في الواقع تحالفا اجتماعيا بين طبقات وفئات تتقاطع مصالحها، في لحظة من اللحظات)، تعبر، بهذا الشكل أو ذاك أو بهذا القدر أو ذاك، عن مصالح مشتركة ذات بعد وطني أو ديمقراطي، تجعلها قادرة على القيام على الأقل بإصلاحات إن لم نقل تغييرات تستفيد منها الطبقات والفئات الشعبية بشكل مباشر وبما يمكنها من جهة أخرى من التقدم بقضيتها على طريق تحررها بالكامل.
وقد توفرت مثل هذه الحالة في أكثر من مناسبة في التاريخ وفي أكثر من بلد حيث شاركت أحزاب يسارية ثورية، مع أحزاب أو قوى سياسية أخرى تعبر عن مصالح فئات وسطى من المجتمع (ذات نزعة وطنية، معادية للاستعمار والامبريالية أو تقدمية، معادية للفاشية)، في حكومات لإنجاز مهمات محددة (حكومات الجبهات الشعبية للتصدي للفاشية قبل الحرب العالمية الثانية…). وكان الشرط دائما حفاظ الثوريين على استقلاليتهم الفكرية والسياسية والتنظيمية بما يمكّنهم من نقد كل ما يأتيه الحليف من أعمال مخالفة للاتفاقات أو أعمال مضرة بمصالح الشعب، ومن الانفصال عنه ومواصلة المسيرة عند الاقتضاء. فالعمل المشترك، في مرحلة من المراحل، أو لحظة من اللحظات، لا يعني التخلي عن الهدف أو الأهداف الإستراتيجية للطبقة العاملة والكادحين والشعب عموما.
ولكن هل نحن اليوم في تونس، 5 سنوات بعد سقوط الدكتاتورية، أمام حكومة من هذا القبيل، أي حكومة وطنية، معادية لمصالح الرجعية والاستعمار ، حكومة لها صلة بالثورة وقادرة أو حتى راغبة، في القيام بإصلاحات جدية لفائدة الشعب ومحترمة لحقوقه الأساسية؟ لقد حسمت الجبهة الشعبية هذه المسألة وبينت بوضوح أن الحكومة الحالية التي تمثل خليطا تجمعيا، نهضاويا، انتهازيا، هي في جوهرها نسخة من الحكومة السابقة، باعتبار أن عمودها الفقري، أي “النداء” و”النهضة” هو نفسه، والعديد من أعضائها، بمن فيهم يوسف الشاهد، كانوا من ضمن حكومة الصيد الفاشلة، وباعتبار أن هدفها يبقى الإجهاز نهائيا على المسار الثوري وإعادة بسط نفوذ النظام السياسي الدكتاتوري القديم بصيغ وتحالفات جديدة وبدعم من القوى الاستعمارية الخارجية للإبقاء على تونس في فلكها.
لقد جاءت حكومة الشاهد لفرض إملاءات المؤسسات المالية الدولية بكل الطرق بما في ذلك القمع البوليسي، خدمة للكمبرادور المحلي والرأسمال الأجنبي. وهو ما لم يخفه يوسف الشاهد في تقديم حكومته أمام البرلمان حيث طمأن أصحاب المصالح الكبرى، وهدد العمال والأجراء والكادحين والفقراء بسياسة التقشف وتطبيق القانون الخ… وها إن المدة القصيرة من عمر حكومة الشاهد قد بينت صحة كل ما قالته الجبهة الشعبية. ونقصد التعيينات (ولاة الخ…) التي أعادت العديد من الوجوه التجمعيّة إلى الواجهة، ومشروع الميزانية الجديدة الذي يمثل ترجمة ملموسة للاتفاق الحاصل مع صندوق الدولي، بكل ما فيه من سعي إلى الترفيع في الضرائب، والتراجع في الزيادات المقررة في الأجور، إضافة إلى إجراءات أخرى تمس من سيادة البلاد.
ولهذا السبب رفضت الجبهة الشعبية منذ الانطلاق، رغم كل الضغوط المسلطة عليها، المشاركة في مسار ما سمي بـ”حكومة الوحدة الوطنية” وقاطعته وفضحته وشهرت به، معتبرة أن حكومة الشاهد هي من أخطر، إن لم تكن أخطر الحكومات التي عرفتها بلادنا بعد حكومة الترويكا بالنظر إلى المهام الموكولة إليها، داخليا وخارجيا، ودعت “ضحايا الأزمة” ودافعي فاتورتها من جلدهم ودمهم وعرقهم إلى مواصلة النضال ضد منظومة الحكم الحالية دفاعا عن حريتهم وحقوقهم، وعن الهدف الرئيسي لثورتهم ألا وهو كنس حكم الرجعية وإقامة الجمهورية العصرية، الديمقراطية، والاجتماعية، مؤكدة لهم أنها ستظل إلى جانبهم، حتى تحقيق آمالهم وطموحاتهم.
فإذا كانت تلك هي طبيعة حكومة الشاهد وبرنامجها فما معنى أن يشارك فيها طرف “ثوري” و”تقدمي”؟ وهل سيكون قادرا فعلا على التأثير في اختياراتها وعلى إخراج البلاد من أزمتها وتحقيق مكاسب للوطن وللطبقات والفئات الكادحة والفقيرة ويمنع الالتفاف على المسار الثوري؟ نعتقد أن من يذهب في ذهنه أنه قادر على التغيير من داخل منظومة الحكم الحالية إما أنه أبله أو أنه يكذب على الناس ويخادعهم لتغطية مآربه الشخصية لا غير. فـ”التغيير من الداخل” ليس مسألة رغبة شخصية أو “شطارة” أو”عنتريات”، بل هو مسألة موازين قوى فعلية، مسألة مرتبطة بطبيعة الحكم أي بالقوى الاجتماعية التي يعبر عن مصالحها، إن الحكم الحقيقي، الفعلي، الاقتصادي والمالي والسياسي والأمني والعسكري، والإداري والقضائي ما يزال اليوم في تونس بيد القوى الرجعية، الداخلية والخارجية، وهي التي تتلاعب بالأحزاب وبالبرلمانيين والإعلاميين وتوظفهم لصالحها، لذلك فإن كل من يلتحق، بحكومة الشاهد، في مثل موازين القوى الحالية، سيجد نفسه، أحب أم كره، صلب منظومة الحكم الحالية، ولعبة بيد القوى الرجعية النافذة، يخدمها ويكرس مشاريعها المعادية للثورة، ويكذب على الشعب ويتحايل عليه.
ومن ثمة فإن أي مناضل عاقل ونزيه يدرك تمام الإدراك، أن الموقف الوحيد، السليم والتقدمي من الحكومة الحالية ومن منظومة الحكم ككل، هو النضال ضدها بلا هوادة والعمل على كسب تأييد الجماهير وتغيير موازين القوى لصالح الشعب والثورة من أجل إسقاط منظومة الحكم الحالية، كما جاء في الوثيقة السياسية للندوة الوطنية الثالثة، وفرز أغلبية وطنية وديمقراطية وتقدمية بحق تتولى شؤون الدولة والحكم، وليس المشاركة فيها أو دعمها بأي شكل من الأشكال وتحت أي عنوان كان، وما من شك في أن هذه المهمة ليست بالهينة، فهي تتطلب وضوحا في الرؤية وقدرة كبيرة على قراءة الوضع وتحليل موازين القوى وفهم الحالة الذهنية لجماهير الشعب ودرجة وعيها ومن ثمة تحديد الأهداف وأشكال النضال والتنظيم المناسبة التي تساعدها على تحقيق أهدافها. هذا من جهة ومن جهة أخرى فهي تتطلب صبرا وثباتا، خاصة في مثل الظروف الصعبة الحالية ، لا في تونس فحسب، بل كذلك في الوطن العربي والعالم حيث موازين القوى ما تزال لفائدة رأس المال والامبريالية والرجعية وحيث حركة العمال والشعوب والأمم المضطهدة ما تزال ضعيفة ومشتتة.
ولا يمكن لأحد أن ينكر أن العناصر “اليسارية” و”النقابية” و”القومية” و”المستقلة” التي التحقت بالحكومة لا شيء في سجلها يؤهلها لغير أن تكون لعبة بيد الرجعية وخادمة لها، وفي أفضل الحالات، وإذا ما بقيت ذرة شرف في أحدهم فإنه سيضطر إلى الاستقالة، هذا إن لم يقيلوه هم. إن الجميع يعرف أن حزب المسار الذي يقوده سمير الطيب، الحاصل على وزارة الفلاحة، كان رفض الانضمام إلى الجبهة الشعبية بعد تأسيسها وخيّر التحالف مع “نداء تونس” الذي كان التحق به عدد كبير من إطارات “المسار”، في إطار “الاتحاد من أجل تونس”. ورغم أن النداء غدر بالمسار وقرر الترشح في قائمات خاصة به، فقد ظلت قيادات “المسار” تمنّي النفس لآخر لحظة، بأن يضمهم السبسي لقائماته فكان أن ضيعوا على أنفسهم فرصة التحالف مع الجبهة ولم يحصلوا على أي مقعد في الانتخابات التشريعية. أما في الرئاسية فقد كان ميلهم للسبسي واضحا، ناهيك أن نواب المسار رفضوا، رغم المحاولات التي قام بها الأمين العام للوطد ونائبه، منح مرشح الجبهة الشعبية توقيعاتهم بدعوى أنهم ككتلة قرروا “الحياد” و”عدم تزكية أي مرشح”.
وقد حافظوا بعد نتائج الانتخابات على نفس الخط المهادن لليبراليين ناهيك أن الأمين العام للمسار طالب الجبهة الشعبية بالتحالف مع “نداء تونس” “حتى لا يتحالف مع النهضة”. وأخيرا ما أن عرض عليهم الشاهد منصبا في الحكومة حتى قبلوا عرضه بعد أن كانوا يصرحون بأنهم لن يشاركوا في الحكومة منتقدين سلوك السبسي معهم المهين أثناء حوار قرطاج. كما قبلوا بإهانات نواب النهضة في البرلمان يوم التصويت على منح الثقة. لقد قال أحد نواب النهضة لسمير الطيب “نحن لا ننسى ما كنت تقول ضدنا ولكننا نسامح”. أما محمد بن سالم وزير الفلاحة النهضاوي في حكومة الترويكا فقد “رحب” بهّ وذكره بمواقفه المعادية للنهضة التي يقبل اليوم بالمشاركة معها في نفس الحكومة دون أن يكون ثمة شيء قد تغير، وختم بن سالم كلامه الموجه إلى سمير الطيب:”نحن على عكسك أنت سنصوت لك وندعمك ونساعدك، وعلى كل فكل إناء بما فيه يرشح” (أي أن أخلاق النهضاويين هي غير أخلاقك).
أما عبيد البريكي ومحمد الطرابلسي فالجميع يعلم أيضا أنهما خدما لسنوات ، في عهد بن علي، مع السحباني في الاتحاد العام التونسي للشغل. وقد كان شعار ذلك العهد الولاء ولا شيء غير الولاء لبن علي والدفاع عن نظامه الدكتاتوري وإخضاع العمال والأجراء لمصالح رأس المال. وقد كان الطرابلسي والبريكي ممن قاموا بهذا الدور مقابل منافع شخصية يعلمها معظم النقابيين. لذلك ليس من الغريب أن يحظى هذان الشخصان، بتأييد الأعراف، حتى قبل تأييد قيادة الاتحاد. ولا نريد الخوض كثيرا في التحاق مبروك كورشيد، “القومي” المزعوم، فتكفي مقارنة ما كان يوجهه إلى السبسي من شتائم ومن اتهامات وبين ارتمائه في أحضانه اليوم وقبول منصب كاتب دولة في حكومة الشاهد حتى نفهم قماش الرجل. ولا يخرج التحاق إياد الدهماني بالحكومة وتولي منصب الناطق الرسمي باسمها، عن نفس السياق، فـ”الجمهوري” عرف دائما بتذبذبه كما أن غياب أمينته العامة بسبب المرض، عزز النزعة اليمينية لدى هذا الحزب، أضف إلى ذلك موقف أمينه العام السابق، أحمد نجيب الشابي، المساند منذ اليوم الأول لمبادرة السبسي.
وفي كلمة فإن ما نريد تأكيده هو أن هذه العناصر متعدّدة المشارب التي التحقت بحكومة الشاهد، ليس مفاجئا أن تلتحق بحكومة الشاهد وهي لن تفعل شيئا لتغيير مسار هذه الحكومة واختياراتها بل إنها ستكون من أدواتها لمواجهة الحركة الاجتماعية والتقدمية. وحتى لو التحق بهذه الحكومة أيّ قيادي بالجبهة الشعبية فإن مصيره لن يختلف عن مصير غيره، فهو سيجد نفسه، جالسا إلى جانب بعض حثالة التجمعيّين وممثلي المافيات والتهريب وعملاء الاستعمار وصندوق النقد الدولي والمسئولين سياسيا وأخلاقيا عن اغتيال شهيدي الجبهة الشعبية، شكري بلعيد، والحاج محمد البراهمي، وعن تطور الإرهاب في تونس وتسفير الشباب إلى ليبيا وسوريا والعراق ومالي، أي وزراء حركة النهضة، وحفنة من الانتهازيين الآكلين على كل الموائد، وسيفرضون عليه ما يريدون ويمرغون رأسه في الوحل وسوف ينتهي كما انتهى غيره في مزبلة التاريخ.
تشهير أم نقد؟
وفي المحصلة فإن انتقاد موقف الجبهة الشعبية من حكومة الشاهد باطل لأن موقف الجبهة الشعبية سليم من كل النواحي في حين أن الموقف الذي يدفع إلى المشاركة فيها هو خاطئ وكان سيلقي بالجبهة في مستنقع اليمينيّة ويفقدها كل مصداقية. وهنا نأتي إلى الادّعاء بأن الجبهة الشعبية أصبحت، بسبب مواقفها المعارضة، “معزولة ومهمّشة” وهي مطالبة بـ”تجديد خطابها” إن أرادت أن لا يكون مصيرها “التلاشي”، وأن الناطق الرسمي باسمها “استهلك رصيده” و”عليه أن يرتاح” الخ… إن هذا الكلام لا يمثّل نقدا للجبهة وقياداتها بل هو تشهير بهم وتقزيم لهم لأنهم لم ينخرطوا في مسار يميني فاشل.
إن الفرق بين النقد والتشهير يتمثل في أن الأول يتسم من حيث الأسلوب بالموضوعية في تقدير ما هو خطأ أو نقص، كما يتسم من حيث الهدف بالرغبة في إصلاح ذلك الخطأ وتجاوز ذلك النقص حتى يصبح الطرف موضوع النقد أي الجبهة الشعبية في قضية الحال، في وضع أفضل يمكنها من تحسين أدائها ومن التحول إلى قيادة سياسية فعلية للشعب، من أجل تحقيق أهداف الثورة. والنقد بهذا المعنى، الثوري، مطلوب، وهو ليس حقا فحسب بل هو واجب كل من يغار على الجبهة. أما الثاني، أي التشهير، فيتّسم من حيث الأسلوب بالذاتية التي تنفخ في المساوي وتهولها ولو أدى ذلك إلى اعتماد الافتراء، ونفي أو التقليل من أهمية المحاسن حتى لو كانت واضحة وجلية، أما من حيث الهدف فإن التشهير لا غاية منه، بوعي أو غير وعي، بتخطيط مسبق أو بغير تخطيط، سوى هدم ما بني مما يخدم، بقطع النظر عن النوايا، أطرافا لا علاقة لها بالبناء الأول بل لا مصلحة لها في وجوده أو على الأقل بقائه موحدا وذا قابلية للتطور. وإلى ذلك فإن التشهير، على عكس النقد الجدي، الثوري، يحبط ويزرع الشك الخ…
إن الجبهة الشعبية رغم أخطائها ونقائصها ليست في الواقع وفي نظر قطاعات واسعة من الشعب على الحالة التي يقدمها عليها منتقدوها، أي “معزولة” و”مهمشة” الخ…. فقد تطور نسبيا صيتها وهي تبرز، بما تعبر عنه من مواقف، كقوة معارضة أساسية إن لم نقل وحيدة للائتلاف الحاكم، قوة متمسكة بأهداف الثورة، وغير مستعدة للتنازل عنها، وعن الحقوق الأساسية للشعب. وقد قامت ببعض الجهد من أجل تجاوز الوضع الذي هي فيه. وحتى لا ندخل في جدل عقيم أفلم يكن بالإمكان الأخذ بعين الاعتبار ولو نسبيا ما جاء في”البارومتر السياسي” لمؤسسة “سيغما”، الذي نشر قبل مثلا قبل ظهور الرحوي بيوم أو يومين.
إن مؤسسة “سيغما” التي لا يمكن “اتهامها” بأنها تجامل الجبهة الشعبية أو ناطقها الرسمي، ومع ذلك فإنها في آخر سبر آراء لها (6 سبتمبر 2016) أشارت إلى تراجع نداء تونس بـ12 نقطة والنهضة بـ8 نقاط وإلى تقدم الجبهة بـ6 نقاط وهو أمر اهتمّت به وسائل الإعلام، حتى أن إحداها كتبت في صفحتها الأولى ما يلي: “النهضة تتراجع والجبهة قادمة”. (جريدة الصحافة) أما الناطق الرسمي للجبهة فقد منحته، المرتبة السادسة (قبل انتخابات 2014 مثلا كانت تضعه باستمرار في مرتبة متخلفة…)، في حين أن مؤسسة أخرى، “أمرود كونسيلتينغ” التي نشرت سبرا للآراء يتعلّق بشهر سبتمبر الجاري، لاحظت أن الجبهة الشعبية تحتلّ دائما المرتبة الثالثة، ولئن تراجعت بنسبة ضئيلة مقارنة بشهر جويلية الماضي، (0.5) فإن ذلك يندرج في سياق تراجع لأهم القوى السياسية: 7 في المائة بالنسبة إلى النداء و0.6 بالنسبة إلى النهضة. أما الناطق الرسمي فقد أكدت مؤسسة أمرود أنه حافظ على نفس نسبة شهر جويلية الماضي (11.9) ولكنه تراجع إلى المرتبة الثالثة بعد أن تقدم عليه المرزوقي. فلماذا يغمض البعض عينيه على هذه النتائج، التي تدل على الأقل، على أن الجبهة رغم نقائصها الكبيرة، لا تتراجع بشكل ملحوظ كما تتراجع أحزاب السلطة، وتحافظ على موقع مهم، ويطلق أحكاما عدمية على الجبهة الشعبية؟ إن السبب واضح وهو أنه ثمة نية لتقديم الجبهة الشعبية في أسوأ صورة حتى تصح عليها الأحكام المتجنية وتقع المطالبة بتغيير توجهها السياسي وقياداتها وناطقها.
وهنا نصل إلى النقطة الثانية المتعلقة بمطالبة البعض الجبهة الشعبية بـ”تجديد خطابها”. إن المطالبة بـ”التجديد” كانت على الدوام المدخل لكل الانحرافات اليمينية في تاريخ الحركة الثورية. فكلما أريد تغيير خط الحزب أو الحركة الثورية لتذييلها للبورجوازية والرجعية إلا وتكاثرت الدعوات إلى “ترك القوالب الجاهزة” و”المفاهيم التي تجاوزها الزمن”، وإلى “التحلي بالواقعية” و”البراغماتية” “والتكيف مع متطلبات الواقع الجديدة” الخ….
وفي قضية الحال فإنه لا ينبغي الاعتقاد أن المقصود بـ”التجديد” تعميق خط الجبهة مثلا وتخليصه من العمومية والسطحية وتحويله إلى برنامج عمل واضح ومفصل ودقيق، كما طالبت بذلك الندوة الوطنية، كما أنه لا يقصد بـ”التجديد”، تنويع أشكال تنظيم الجبهة وملاءمتها لمتطلبات الواقع حتى يتطور أداءها، أو تحسين أساليب تواصلها مع الشعب، لغة وأسلوبا، لتمكينه من استيعاب مواقفها وفهمها، بل المقصود هو أن تكف الجبهة عن ترديد مواقفها الجوهرية والمبدئية، ومطالبها الأساسية، التي ستظل بالضرورة، تكررها، (حتى وإن أعادت صياغتها كل مرة، وفقا للمستجدات، لتأكيد صحتها)، طالما أن الوضع لم يتغير والمرحلة لم تنته.
كما أن المقصود هو أن تكفّ الجبهة عن “الاحتجاج” و”المعارضة الدائمة” وتشارك في الحكم حتى لا يقال إنها دائما “سلبية”. لقد قال الرّحوي مثلا وبوضوح في إذاعة “أكبرس أف أم” أن على الجبهة أن “تتبنّى توجّها سياسيا جديدا” و”تراجع استراتيجيتها… وهو ما كرّره في إذاعة موزاييك. وبعبارة أخرى فإن “التجديد” يكمن، بالنسبة إليه، في الانحراف بالجبهة عن الأرضية الثورية والتقدّمية التي تأسّست عليها والتخلي عن المواقف السليمة التي اتخذتها، ومن بينها الموقف من “مبادرة السبسي” التي أوصلت إلى حكومة الشاهد، وإزاحة القيادات المتشبثة بهذا الخط وهذه المواقف وتعويضهم بقيادات جديدة مستعدة للتواطؤ مع التحالف اليميني الحاكم. وهو ما يفسر الترحاب الشديد الذي لقيته هذه المواقف في عدة أوساط رجعية وانتهازية، معادية للجبهة.
وإلى ذلك كله فإن من بين ما تتّهم به الجبهة على لسان هذا أو ذاك، هو أنها حكمت مسبقا على حكومة الشاهد بالفشل. ويضيف أصحاب هذا الزعم، لماذا لا تنتظر الجبهة النتائج؟ ولماذا تتمنى الفشل للرجل والحال أن البلاد في وضع صعب إلى غير ذلك من الترهات التي تستغبي الرأي العام. فهل أن يوسف الشاهد هابط من المريخ حتى لا يمكن للجبهة الشعبية أن تدرك مسبقا إلى أين يتجه بالبلاد؟ أليس ينتمي إلى ائتلاف يحكم البلاد منذ أكثر من عام ونصف وأغرقها في أزمة؟ ألم يكن عضوا في حكومة الحبيب الصيد؟ أليس أهم الوزراء في الحكومة كانوا في الحكومة السابقة؟ ألم يكن يعمل يوسف الشاهد مع السفارة الأمريكية في تونس وهو مدافع شرس عن الليبرالية المتوحشة؟ ألم يؤت به لتنفيذ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟ وأخيرا وليس آخرا ألم يؤت به لتمكين قصر قرطاج من وضع يده على القصبة والعودة إلى نظام رئاسوي وحل مسألة خلافة السبسي من الآن؟ هل كل هذا يتطلب ذكاء خاصا؟ ما المطلوب من الجبهة بالضبط: تترك الشاهد يدمر البلاد والشعب بدعوى إعطائه فرصة؟ أليس هذا نفس المنطق الذي حاولت تمريره الترويكا قبل سنوات؟ ماذا لو تركت الحركة الديمقراطية الترويكا تفعل ما تريد بدعوى إعطائها فرصة لتنفيذ برامجها ولم تتصدى لها منذ البداية؟ ألم يكن الناس سيستفيقون وقد تمكنت النهضة من “أخونة المجتمع” وبسط نفوذها على الدولة بما يمكنها من خنق كل معارضة في المهد؟
ثم هل أن الجبهة اكتفت بمجرد إعلان رفضها للمشاركة في المشاورات حول الحكومة وكفى؟ ألم تلتق السبسي مرتين وناقشت معه مطولا واستنتجت أن للرجل برنامجا آخر غير حل أزمة البلاد؟ ألم تصدر الجبهة أكثر من بيان وعقدت أكثر من لقاء صحفي لشرح موقفها، ألم يلاق موقفها وموقف نوابها في البرلمان صدى طيبا لدى فئات واسعة من الشعب كانت تخشى أن تنخرط الجبهة في اللعبة وتفقد البلاد وجود معارضة جدية تقاوم الظلم والاستغلال والفساد وتزرع الأمل؟
وإلى ذلك كله فإن هذه الأطراف تنكر على الجبهة ما بذلته من مجهودات في مختلف المراحل لتقديم مقترحات ملموسة للشعب لحل مشاكله، ونقصد هنا “مشروع الميزانية البديلة” ووثيقة البرنامج الانتخابي للجبهة الشعبية” (2014) اللتين أعدهما خبراء الجبهة. يضاف إلى ذلك مبادرة الجبهة الصادرة عن الندوة الوطنية الثالثة (مبادرة من أجل الإنقاذ والبناء) والتي تبلورت في جملة من المقترحات الملموسة التي لقيت صدى إيجابيا لدى الرأي العام، وهي مقترحات أصبح أكثر من طرف يتبناها مثل مراجعة المديونية وإصدار أوراق نقدية جديدة وفرض ضريبة مؤقتة على الثروات الكبرى الخ… وإلى ذلك كلّه، فما من حدث أو مناسبة هامّة إلاّ وكانت الجبهة الشعبيّة حاضرة بمقترحات ملموسة.
لقد تمّ تجاهل هذه المكاسب وترديد ما تردّده أبواق الرجعية من أن الجبهة الشعبية تعارض (ديما ضدّ، ديما لا) ولا تقدّم حلولا. وفوق كل هذا لقد مر الآن أكثر من شهر على تنصيب حكومة الشاهد، فما الذي حصل؟ عل أكدت الأحداث صحة موقف الجبهة أم نفته؟ ما هو الآن موقف المشهّرين بالجبهة وبقياداتها وناطقها الرسمي؟ هل لهم الشجاعة اليوم كي يخرجوا إلى الإذاعات والقنوات التلفزية ويدافعوا عن مشروع ميزانية حكومة الشاهد المكرسة لما جاء في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والمتجهة رأسا إلى مزيد تفقير الأجراء والفئات الوسطى من المجتمع؟ أين حكومة الشاهد من “وثيقة قرطاج” التي نبهت الجبهة الشعبية إلى كونها مجرد وثيقة شكلية للإيقاع بالموقعين عليها وتوظيفهم لإزاحة الحبيب الصيد وتسمية أحد المقربين للقصر؟
وخلاصة القول إن الرجعية ستظل تردّد نفس الدعاية المعادية للجبهة (ديما ضد، ديما لا…) طالما أن الجبهة تعارضها وتقاومها، وطالما أنها لم تسقط في شرك المهادنة والتواطؤ، بل إن هذه الدعاية لن تتوقّف حتى لو قدمت الجبهة عشرين برنامجا، لأن مشكل الرجعية ليس في أن يكون أو لا يكون للجبهة الشعبية برنامج، بل في كون الجبهة تحمل مشروعا معارضا لها. وبالطبع فإن التصدّي للدعاية الرجعية المعادية للجبهة لا يتم بالرضوخ إليها وباستبطانها بل بفضحها وبالاستمرار في الدعاية لمواقف الجبهة ومقترحاتها مع تطويرها وتدقيقها.
وحتى نختم هذه المسألة فلا بد من العودة إلى مسألة هيكلة الجبهة الشعبية وتوسيع الممارسة الديمقراطية داخلها. إن من يثير هذه المسألة لم يبتدع شيئا جديدا ولا هو يتمتع بسبق، هذا إن كانت النوايا حسنة ولم يكن المقصود بالضجيج حول “غياب الهيكلة”، التشهير بالجبهة وتبرير السلوكات الفردية، الخاطئة. فقد كانت المسألة التنظيمية من أهم المحاور التي تناولتها الندوة الوطنية للجبهة الشعبية وأصدرت بشأنها توصيات. وقد انكب المجلس المركزي على هذه المسألة وبعث دوائر في صلبه ورسم هيكلة مؤقتة، جهوية ومحلية، وطرح على نفسه معالجة الوضعية المزرية في القطاعات الشبابية والنسائية والنقابية. ولكن النسق الذي تجري به الأمور ظل ضعيفا للغاية. فقد جاءت “مبادرة السبسي” لتأخذ جانبا مهما من اهتمام المجلس المركزي على مدى ثلاثة أشهر. كما جاء الصيف بمشاكله ومنها تنقل عدد من الرفاق مع عائلاتهم إلى الجهات. ومن ناحية ثالثة فكان لا بد أن نقرأ حساب المؤتمر الوطني لرفاقنا في حزب الوطد الموحد.
ولكن كل هذا لا يبرّر بطء النسق الذي يعود إلى عدة عوامل منها أنه رغم التقدم في توحيد الجبهة سياسيا إلا أن الروح الحزبية الضيقة ما تزال تعطل أحيانا اتخاذ القرارات وهو ما يتطلب العودة بالنقاشات إلى الوراء ومراجعة مواقف كانت قد اتخذت في هذه المسألة التنظيمية أو تلك. كما أن الجبهة ما تزال عاجزة إلى حد كبير عن السير على ساقين، فتتابع الحياة السياسية وتتخذ المواقف وتنظم التحركات الميدانية من جهة وتعتني بشأنها الداخلي وتهيكل نفسها من جهة ثانية. وإلى ذلك فإن التشكّي من الحالة التنظيمية المتخلّفة لا يقابله، عمليا، في كافة مستويات الجبهة، مركزيا وجهويا ومحليا وفي مستوى الأحزاب، الدرجة المناسبة من الحرص على معالجة هذه الحالة، وهو ما ينبغي على كل الرفاق والرفيقات الإقرار به والابتعاد عن إلقاء المسئولية على الآخرين فقط. وأخيرا وليس آخرا إن الأمور في المجلس المركزي لا تسير بالنسق المطلوب، فالغيابات موجودة سواء في اجتماعات المجلس أو في اجتماعات هيئة التنسيق والمتابعة، وهو ما جعل تكوين بعض الدوائر شكليا، فقد بعثت ولكنها لا تقوم بالدور الموكول إليها. وكل هذه المسائل لا بد من خطة عملية مباشرة وسريعة لمعالجتها لوضع الجبهة على السكة من ناحية وللتسريع بالإعداد للندوة الرابعة من جهة ثانية.
أما بخصوص الديمقراطية داخل الجبهة بشكل عام، فما من شك أن غياب الهيكلة يؤثر سلبا في السير الداخلي للجبهة ويحد من مشاركة المناضلات والمناضلين في بلورة القرارات الهامة واتخاذها ومراقبة تنفيذها. ولكن هل يعني ذلك أن تتوقف الجبهة عن اتخاذ أي موقف من القضايا التي تطرح في انتظار هيكلتها؟ هل كان على المجلس المركزي مثلا إدارة الظهر إلى “مبادرة السبسي” وترك كل طرف يتصرف على هواه بدعوى أن الجبهة غير مهيكلة؟ إن الواقع لا ينتظر الجبهة حتى تهيكل نفسها، بل هي مطالبة بمسايرة الواقع والتكيف معه حتى لا تتجاوزها الأحداث، لذلك أخذ المجلس المركزي الذي توجد فيه تمثيليّة متساوية تقريبا لكل الأحزاب كما انوجد فيه تمثيلية للمستقلين (ثلث المجلس من المستقلين)، على عاتقه الإجابة عن تطورات الواقع السياسي مسلحا في ذلك بمقررات الندوة الثالثة التي كانت ناقشت الوضع السياسي العام وطبيعة التحالف الحاكم ومهام المرحلة وأصدرت مبادرة وطنية (مبادرة من أجل الإنقاذ والبناء) لمعالجة أزمة البلاد.
ومن هذا المنطلق تناول المجلس المركزي للجبهة الشعبية موضوع مبادرة السبسي و”حكومة الوحدة الوطنية” في سلسلة من الاجتماعات وكانت كل نقطة يوجد حولها خلاف تُعرَض للتصويت بعد نقاش مستفيض، ولم يعترض أي طرف على هذه الطريقة الديمقراطية المنصوص عليها في النظام الداخلي للجبهة، خصوصا أن الخلافات لا تتعلق بجوهر الموقف بل بتفاصيل وجزئيات تكتيكية. وعليه فإن الموقف الذي اتخذته الجبهة من حكومة الشاهد ومن المشاورات التي تمت حولها، إنما تم بطريقة ديمقراطية، ولا وجود لفرض أو تمرير مواقف من هذا الطرف أوذاك، وليس أدل على ذلك من أن أي طرف من أطراف الجبهة، أحزابا ومستقين، لم يشكك في شرعية ذلك الموقف. ولكن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال مزيد تأخير هيكلة الجبهة، كما لا يعني أن الأحزاب ستظل تعوّض هياكل الجبهة إلى ما لا نهاية. فمن شأن هيكلة الجبهة إعطاء دفع كبير لحياتها الداخلية ولنشاطها.
ولكن لنفترض جدلا أنه “لا وجود لديمقراطية داخل الجبهة” وأن المواقف التي اتخذها المجلس المركزي، هي “مواقف فوقية، لا تعبر إلا عن رأيه هو فقط” كما يدعي الرحوي، فهل أن موقف حزب الوطد الموحد قد اتخذ هو أيضا بطريقة غير ديمقراطية؟ وهل أن حزب الوطد الموحد هو أيضا حزب غير مهيكل ولم تجر فيه نقاشات ديمقراطية؟ ولنفترض جدلا أن الموقف الذي اتخذته قيادة الوطد قبل المؤتمر لم يكن موقفا “ديمقراطيا” ولا يعبر إلا عن توجه داخل الحزب وليس عن الحزب ككل… أفلم يكن بوسع المؤتمر أن يراجع ذلك الموقف؟ لماذا أكد المؤتمر الموقف الذي اتخذته قيادة الحزب ورفض تبني موقف المشاركة في الحكومة؟ ألا يعني هذا أن موقف قيادة الوطد الموحد كان منذ البداية يعبر، على الأقل، عن رأي أغلبيّ؟ ألم يكن الأجدر بمن يتهجم على موقف المجلس المركزي أن تكون له الجرأة والشجاعة بأن ينتقد موقف حزبه أولا الذي أكد أمينه العام، الرفيق زياد الأخضر، بأنه كان له دور هام في بلورة موقف الجبهة الرافض للمشاركة في حكومة الشاهد وفي المشاورات التي تمت حولها؟
كل هذا يبين أن إثارة مسألة الديمقراطية وهيكلة الجبهة إنما هو لتبرير، بل لتشريع سلوك غير ديمقراطي والدّوس على أبسط المبادئ التنظيمية. إن من لا يقبل، بأن ينضبط لموقف الأغلبية المتّخذ ديمقراطيا، ويشقّ الممارسة الموحّدة للجبهة، بل إنّ من لا يكلف نفسه حتى مجرّد استشارة رفاقه في كتلة الجبهة الشعبية في هذه المسألة أو تلك ويتصرّف كما يعنّ له، لا يمكنه الادّعاء بأنه ديمقراطي كما لا يمكنه إعطاء الدّروس في الديمقراطية. إن من يختار طوعا أن يكون في تنظيم، أو في مجموعة معناه أنه يقبل قواعد العمل الجماعي، ويترك ذاته ونرجسيته جانبا، ويراعي مصلحة التنظيم قبل مصلحته الخاصة. وحين تكون له فكرة هو مقتنع بصحتها فإن أول ما يفعله هو طرح هذه الفكرة على رفيقاته ورفاقه والعمل على إقناعهم بها فإن اقتنعوا بها فيا حبذا وإن لم يقتنعوا بها فما عليه إلا أن يصبر ويثابر ولا يتعالى على رفاقه وحزبه أو تنظيمه، ولا يتملكه الغرور الكاذب ويذهب في اعتقاده أنه الأوعى والأقدر ولا يغتر بتصفيق أبواق البورجوازية وتهليلها وتمجيدها ونفحها لشخصه مؤقتا حتى يقع في الفخ المنصوب له، فإن أكد الواقع صحة فكرته فيعود وقتها إلى رفاقه ورفيقاته ويثير معهم النقاش من جديد، وإن أثبت الواقع خطأ فكرته فلا ضرر من أن يعترف بخطئه وينقد ذاته.
لقد سبق للندوة الوطنية أن ناقشت هذه المسألة وتمّ الاتفاق على أنه في صورة عدم التوافق يقع اللجوء إلى التّصويت وحسم المسألة بالأغلبية والأقلية. وفي هذه الحالة فإن الأقلية تلتزم بموقف الأغلبية حفاظا على وحدة ممارسة الجبهة، على أن يبقى لها الحق في الدفاع عن موقفها داخل أطر الجبهة. وقد رفضت كل المكونات بلا استثناء أن تتحول الجبهة، بسبب خلاف ما، إلى جبهات لكل واحدة منها موقف. وقد كان بعض ممن يتّهم الجبهة اليوم بغياب الديمقراطية في صلبها حاضرا في الندوة ولم يعارض أو يعبر عن موقف مخالف. وهو ما يفسر الاستياء الذي خلفته بعض المسلكيات التي لا تحترم ما تم الاتفاق عليه، لدى العديد من مناضلات الجبهة ومناضليها. فالرأي الغالب في ردود الفعل داخل الجبهة هو أن من يريد حقا نقد الجبهة من أجل التقدم بها وتصحيح أخطائها إنما يفعل ذلك داخل أطر الجبهة، وليس خارجها، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال استعمال التخلف التنظيمي للجبهة لتبرير الأخطاء المرتكبة في حقها والتي بين الواقع أن المستفيد منها هو أعداء الجبهة وخصومها.
امتحان جديد للجبهة، أو ربّ ضارة نافعة
إن ما يجري اليوم هو امتحان جديد للجبهة الشعبية. فالبلاد في أزمة خانقة والائتلاف الرجعي يريد حل هذه الأزمة على حساب الشعب الكادح، ومن مصلحة هذا الائتلاف أن يزيح من طريقه عقبة الجبهة الشعبية التي تمثل اليوم الفصيل المعارض الرئيسي، لينفرد بالحركة الاجتماعية والشعبية ويخضعها لنيره ولنير المؤسسات المالية الدولية وبرامج “التقشف” التي التزمت بها الدولة التونسية (رسالة النوايا). ومن هذه الزاوية فليس أفضل للائتلاف الحاكم من محاصرة الجبهة إعلاميا وشن حملات تشويه وتقزيم عليها وإظهارها بمظهر الحركة الطفولية، غير الجادة، الرافضة لكل شيء، الخائفة من تحمل المسئولية، الخارجة عن الصف الوطني، إلى غير ذلك من النعوت التي يطفح بها قاموس الرجعية.
ولكن يبقى السلاح الأخطر للرجعية، إلى جانب القمع، هو إثارة البلبلة والانشقاقات من الداخل لما فيها من إضعاف للجبهة الشعبية وتلهية لمناضلاتها ومناضليها عن مهامهم الأساسية. وقد رأينا في الأيام الأخيرة كيف انطلقت الحناجر والأقلام، على إثر تصريحات الرحوي، لـ”تبشر” بانشقاق في الجبهة الشعبية أو لتعلن أن “رياح التغيير بدأت تهب في الجبهة الشعبية”. وقد كانت الفرحة أشدّ في جريدة “الفجر” النهضاوية. فهذه الصحيفة التي كانت ترى في الرحوي رمز “الاستئصالية” اليسارية، أصبحت ترحّب به وتنشر صورته في صفحتها الأولى، وتهلّل بموقفه وبموقف عبيد البريكي، الحاصل على وزارة والذي كان يرى قبل أشهر، في الجلوس إلى جانب وزراء “النهضة” في الحكومة، “خيانة لدم شكري”، وتبشّر بظهور “يسار معتدل، وواقعي….” مقابل “اليسار الراديكالي…” الذي تجسده الجبهة الشعبية.
إن هذا الوضع يتطلب من الجبهة الشعبية الكثير من اليقظة والعزيمة والجرأة والسرعة في تنفيذ القرارات لسد الباب أمام التشكيك والإحباط. كما يتطلب من الجبهة التحلّي بكثير من الحكمة واجتناب الردود الانفعالية التي تؤجج الصراعات الهامشية والتركيز على الأمور الجوهرية، فحملات الائتلاف الحاكم ومؤامراته ضد الجبهة لن تتوقف بل من المتوقع أن تشتد في الظرف الحالي الذي أصبحت فيه الجبهة المعارضة الرئيسية في البلاد. كما أنه سيوجد دائما أشخاص متردّدون، غير ثابتين، تستهويهم فكرة “الدّخولية”، لسبب أو لآخر. وفي هذا السياق فلنقل “ربّ ضارة نافعة” ولنستغل الظرف من أجل التقدم بجبهتنا ومعالجة نقائصها التي وقفت الندوة الوطنية الثالثة عليها:
1ـ توزيع الوثيقة السّياسية الصّادرة عن الندوة الوطنية الثالثة على كافة مناضلات الجبهة ومناضليها.
2ـ تفعيل مقررات الندوة الوطنية والمجلس لمركزي المتعلقة بالهيكلة المؤقتة للجبهة وتكليف كل عضو من أعضاء المجلس المركزي بجهة من الجهات وضبط رزنامة في الغرض وتحديد سقف زمني للانتهاء من هذه المهمة.
3ـ مراجعة الوضع داخل المجلس المركزي وهيئة التنسيق والمتابعة من أجل فرض الانضباط والالتزام بتحمل كل عضو للمسئولية المناطة بعهدته وإجراء تحوير في الدوائر إن اقتضى الأمر ذلك.
4ـ تنظيم لقاء مركزي موسّع (أعضاء المجلس المركزي، نواب الجبهة، عدد من الخبراء…) لتعميق النقاش حول تكتيك الجبهة يتمخّض عنه صياغة مقترحات وبدائل أكثر دقة لمواجهة الوضعية الراهنة للبلاد. وهو ما يتطلب من دائرة الدراسات القيام بدورها في تجميع المعطيات وتقديم المادة للمجلس المركزي في أسرع الأوقات.
5ـ تحديد خطة نضالية مباشرة تمكن الجبهة الشعبية من متابعة التحركات الشعبية وتأطيرها والتأثير فيها، بل وتقديم المبادرات ولف الناس حولها.
أما في خصوص التعاطي مع التجاوزات المتعارضة مع مقررات الجبهة ومواقفها والماسة بوحدتها:
1ـ إصدار المجلس المركزي بيانا يضع فيه النقاط على الحروف بخصوص تطور الأوضاع الراهنة وتأكيد موقف الجبهة الشعبية من حكومة الشاهد ومن مبادرة السبسي عامة ومآلاتها،
2ـ ضبط المجلس المركزي والكتلة البرلمانية لمدونة سلوك ملزمة لكافة أعضاء الكتلة وتحديد الإجراءات المنجرة عن عدم احترامها.
3ـ الاتفاق على من له صلاحية الحديث بصفة: “قيادي في الجبهة الشعبية”، وهم أعضاء المجلس المركزي باعتبار انتمائهم لهذا الهيكل ومشاركتهم في بلورة المواقف واتخاذها فضلا عن اطّلاعهم على حياة الجبهة.
4ـ الاتفاق على أن أعضاء كتلة الجبهة يتكلمون بصفة “نائب” عن الجبهة الشعبية، حتى لا يقع الخلط بينهم وبين أعضاء لمجلس المركزي.
5ـ ضبط الإجراءات التي يتعين اتخاذها مستقبلا ضد التجاوزات مهما كان موقع مرتكبها حفاظا على وحدة الجبهة.
حـزب العمّــال
سبتمبر ـ أكتوبر 2016