وائل نوار
يوم الخميس 30 ماي استمعت في المباشر إلى الجزء الأخير من مداخلة النائب عن الجبهة الشعبية (أم هل نقول النائب السابق عن الجبهة الشعبية أم النائب الحالي عن كتلة الجبهة الشعبية سابقا؟ على كل) والقيادي في حزب الوطد الموحد المنجي الرحوي في حصة “ميدي شو” بإذاعة “موزاييك”، وكتبت عمّا أتاه من شتم يعكس مستوى أخلاقيا وسياسيا متدنّيا. لكنّ بعض التعليقات طلبت مني الاستماع إلى الحلقة كاملة (حلقة ميدي شو ليوم أمس) قبل الحكم، وفعلا انتظرت حتى حصُلْت على الحلقة كاملة وبي قليل من تأنيب الضمير خوفا من أن أكون تسرّعت في إطلاق بعض الأحكام، لكن عندما شاهدت الفيديو كاملا استفزتني الحصّة أكثر وها هي تدفعني إلى الكتابة مجدّدا.
عنف وتهوّر وارتباك
أولا من زاوية الشكل، فقد كان تدخل الرحوي عنيفا أشبه بخطاب تحريضي بائس من فوق “حجرة سقراط” بالمركّب الجامعي وفيه الكثير من التجنّي والابتذال والاستعلاء الكاذب، والعارف بشخصية المنجي الرحوي “الديبلوماسي” و”المنفتح” حتى على أقصى اليمين (تبادل العناق مع الحبيب اللوز بالمجلس الوطني التأسيسي) بل حتّى على الشخصيات الأمنية المورّطة في القمع والتعذيب، يعلم أنّ هذا التشنج والتحريض مفتعلان ومقصودان وليسا مجرّد انفعال أو حماس عفوي، فحين تسمع مداخلة زياد الأخضر أمين عام الوطد الموحد ورغم الخلاف تجد على الأقل استعدادا ولو في الظاهر على الأقل، للحلول والحوار، أما عندما تستمع إلى الرحوي وهو يستعمل عمدا جملا من نوع “الجيلاني الهمامي الأرعن والطفولي وغير المسؤول” و “زهير حمدي صاحب الارتباطات الإقليمية المشبوهة هما من يخرب الجبهة” تفهم أنه يدفع دفعا إلى القطيعة واللّاعود.ة فمثل هذه التصريحات عندما تصدر عن القواعد تخلق إشكالات فما بالك عندما تصدر عن قيادات، بل ما بالك عندما تصدر عمّن يريد ترشيح نفسه للرئاسية باسمنا جميعا ويكون رمزا لجبهتنا ولقياداتنا وقواعدنا؟ ونحن نفهم جيدا لماذا يعمد “النائب الموقّر” إلى الدفع إلى القطيعة، فهي وحدها التي تمكّنه من تنفيذ أجندته الخاصة بدفع الجبهة إلى اليمين والترشح للرئاسة مدعوما من حزبه.
وهذه القطيعة ممكنة عندما يقوم منجي بشتم الناطق الرسمي لحزب العمال وتشويه أمينه العام وأيضا بشتم يشبه الوشاية الرخيصة فيما يخص ما سماه “العلاقات الإقليمية” للرفيق زهير حمدي أمين عام التيار الشعبي في إشارة إلى العلاقات المتميزة للتيار الشعبي مع قوى المقاومة في الوطن العربي (مع العلم أنّ الرحوي كان أحد زوار دمشق الذين قابلوا بشار الأسد وامتدحوه). وأنا لا أكتفي بهذه المداخلة على أمواج إذاعة “موزاييك” لأحسم بأنّ المنجي يدفع في اتجاه القطيعة، بل أيضا على اجتماع النواب الذي انتهى باستقالة 9 منهم. فقد حضر الاجتماع الرفيق عمار عمروسية ولاحظ أنه كلما اقترب الاجتماع من الوصول إلى تهدئة أو نصف حل إلاّ وتدخّل الرحوي بعنف للتأكيد على “أن الجبهة انتهت” وأنه لا تراجع عن الاستقالة عن حل الكتلة كخطوة أولى لحل الجبهة والانتقال إلى مرحلة الصراع على من يرث “الشقف”.
الرحوي وعقدة حمه الهمامي
ثانيا، لم يترك الرحوي أيّ مجال أو فكرة أو جملة قالها دون أن يحشر فيها حمة الهمامي، ويصوّره كأنه المتحكّم في كل شيء داخل الجبهة والمسؤول عمّا وصل إليه الوضع داخلها والرافض للتواصل مع الوطد الموحد والمستقيلين…الخ… وفي الحقيقة فإنّ كل هذه الأقاويل هي مجرد أكاذيب والرفاق في الوطد الموحد يعلمون ذلك جيدا، فمنذ أن بدأت الأمور في المجلس المركزي تنحو منحى الخلاف الشديد الذي لامس عدم الاحترام، لم يعد الرفيق حمة يحضر اجتماعات المجلس المركزي بطلب من عدد من الأمناء العامين وذلك لكي لا يتورط بصفته ناطقا رسميا في تغليب رأي على رأي ولكي لا يُحرج بقية الأمناء الأعضاء أو يتحرّج منه حين يتمّ النقاش عن مسائل تهمّه مباشرة (الناطق الرسمي، الترشح للرئاسة)، كما أنّ حمة ليس عضوا بمجلس الأمناء فلكي لا يتم المزج بين صفته كأمين عام حزب العمال والناطق الرسمي باسم الجبهة فإنّ الرفيق الجيلاني الهمامي هو من يمثل حزب العمال في مجلس الأمناء، والرسائل التي وجّهها مجلس الأمناء إلى حزب الوطد الموحد لم تكن ممضاة من حمة الهمامي كما أشار المنجي بل هي ممضاة من أمناء عامين لسبعة أحزاب على تسعة من أحزاب الجبهة، كما أنّ حمة لم يتدخّل في أيّ وسيلة إعلام للحديث عن الخلاف داخل الجبهة رغم عشرات الدعوات والاتصالات الصحفية التي تصله بهذا الشأن يوميا ولم يردّ حتى على بعض ما طاله شخصيا من سبّ وقدح وقاذورات قيلت في حقه وفي حق الحزب الذي يترأّسه، بل لا أخفي سرا حين أقول إنّ جزءا من الأغلبية داخل الجبهة طالبت ومازالت تطالب حمة بالتدخل العلني والحسم في هذا الشأن، لكنه رفض بصفته مايزال ناطقا رسميا للجميع رغم أنه -بالطبع- مقتنع بموقف حزبه وموقف أحزاب الأغلبية.
فلماذا يصرّ الرحوي إذن على إقحام حمة في كل مرة إن لم تكن الغاية الوحيدة من ذلك هي التشويه، وهذا السلوك ليس بجديد فمنذ 2014 والمنجي الرحوي، كل سنة، يطلع علينا من إحدى الإذاعات والقنوات التلفزية ليوجّه سهامه تجاه حمة أحيانا في صيغة “نقد” وأحيانا بعبارات شبه سوقية (بابورو صفر)، كما رفض في سنة 2014 تقديم التزكية النيابية لحمة في الرئاسية ككل نواب أحزاب الجبهة حينها ولم يمض التزكية إلاّ بعد جهد جهيد من بعض رفاقه في حزب الوطد الموحد، كما طالعت اليوم منشورا للصديق منصف هوايدي يشهد فيه بأنّ المنجي الرحوي ورفاقه في جندوبة كانوا يطلبون من الناخبين في الجهة التصويت للجبهة (أي للرحوي) في التشريعية وللسيدة كلثوم كنو في الرئاسية (وليس لحمة مرشح الجبهة)، هذا العداء القديم الجديد الذي يكنّه المنجي لحمة -على خلاف العديد من مناضلي الوطد الموحد- في اعتقادي هو حقد على كل ما يمثّله حمة ولا يمكن للمنجي أن يمثله، فحمة رمز الصمود ضد التعذيب ورمز مقاومة الدكتاتورية يمثل عقدة نضالية لمن لم يُمض حتى على عريضة مساندة للشعب الفلسطيني أيام بن علي، وحمة الجامع لمكونات الجبهة وللجزء الأكبر من اليسار التونسي يمثل عقدة تجميع لمن لا يستطيع حتى توحيد حزبه حوله، وحمة الحاسم والمبدئي للنهاية يمثل عقدة مبدئية لمن يسيل لعابه أمام وزارة مالية، وأخيرا حمة المنتصر لقناعاته الحقوقية والفكرية يمثل عقدة حقوقية لمن يرتبط بنقابات الأمن ويؤمن بالتعذيب لاستخراج المعلومات ويعتبر حقوق النساء “موش وقتو”.. في الحقيقة فإنّ حمة الهمامي -في ذهن المنجي- هو عقبة أمامه لتحقيق طموحاته المرتبطة بالموقع أكثر من الموقف ولذلك وجب تشويهه باستمرار. وفعلا منذ 2014 والمنجي سائر على هذا المنوال… والعجيب في الأمر فإنّ حمة الهمامي الذي تتوفر فيه كلّ الخصال التي ذكرتها وأكثر لم أره يوما يشيد بخصاله حتى في دوائر ضيّقة، بل هو قمة في التواضع. أمّا المنجي “المتواضع جدا جدا”، فهو يقول أمس على موزاييك بكل غرور “أنا اللي قدموه “البسودو-جبهة” طيلة أعمارهم انجّم نقدمو في ساعتين”، ما شاء الله على الغرور يا جماعة؟ دعني أسألك يا منجي فإذا كنت كما ذكرت فلماذا لم تحضر عندك هذه العبقرية لا أقول في ساعتين بل في 23 سنة من حكم بن علي لتمضي على الأقل (ماناش طالبين منك حاجة أكثر من جهدك) ولو عريضة مساندة للقضية الفلسطينية؟ وماذا قدمت أيضا للجبهة الشعبية منذ تأسيسها؟ بل ماذا قدمت للجبهة في جهتك في جندوبة؟ أنت نفسك تدرك أنك لم تقدّم أكثر من أيّ شبل من أشبال الجبهة ولذلك تداركت وحدك على موجات إذاعة “موزايك” أمس وأضفت “ما نحكيش آش قدمت للحزب وإلاّ للجبهة نحكي آش قدمت لتونس” فعلا لأنك تدرك أنك لم تقدم شيئا للجبهة ولا حتى لحزبك، أمّا الحديث عن “قدمت لتونس” فهو مجرد حديث عام لا يختلف عن “ناقفو لتونس” و”مصلحة تونس فوق كل اعتبار” ..الخ.. لأنّ مصلحة تونس كل يراها من زاويته.
وأخيرا قبل أن أنهي هذه النقطة الثانية، وردّا على “كان جيت في بلاصة حمة ندورها البلاد الكل” أوّلا فإنّ حمة الهمامي “البلاد دارها الكل أكثر من مرة” فهو أكثر مناضل في الجبهة يتنقّل بين الجهات بل يمكنني القول إنه يتنقّل بين الجهات أكثر من أيّ نائب أو أمين عام جبهوي آخر وذلك بشهادة الجميع، وثانيا هل يجب أن تكون ناطقا رسميا للجبهة كي “تدور البلاد”؟ لماذا لا تتنقّل سيد المنجي لتحضر مع رفاقك الجبهويين في الجهات مثلما يفعل عمار والجيلاني ومباركة وغيرهم… إنّ مثل هذه العبارة التي قالها المنجي تستفز، لأننا نعلم أنّ المنجي يعرف أنّ حمة يتنقّل يوميا بين مختلف جهات البلاد، فإذا كان يعرف ذلك فلماذا يقوم بمثل هذا التصريح؟ أفليس هذا كذبا مقصودا وتجنيا لغايات في نفس المنجي؟
ثالثا، لقد أراد منجي الرحوي تصوير حزبنا أي حزب العمال كالآتي، والعبارة له، ” هوما رفاقهم وجزروهم، هو مومن شد معاهم الحبس وما لقاش فيهم الخير”… طبعا يمكنني أن أردّ على السيد المنجي ردّا بالمثل، كأن أقول “ورفاقكم الي جزرتوهم من منظمتكم الشبابية ولديّ الأسماء، ورفاقك التاريخيين اللي كانوا في “الوطد” قبلك بسنوات اللي جزرتوهم في مؤتمركم الأخير واضطروا إلى الاستقالة وأرملة أمينكم العام الشهيد وعائلته ما لقاتش فيكم الخير”… هذه الردود ذات الطابع “الأخلاقوي” هي ردود سطحية والهدف منها هو فقط التشويه والمزيد من التشويه.. فنحن ندرك أنّ الخلافات التي شقت حزب الوطد الموحد أدت في النهاية إلى مغادرة عائلة الشهيد ومجموعة كبيرة من منتسبي حزب الشهيد شكري بالعيد بما فيها رئيس مؤتمره عبيد البريكي، هي خلافات سياسية وتنظيمية عادية ولم نساهم يوما في تأجيجها أو استعمالها بل ولم نحضر في نشاطات حزب تونس إلى الإمام رغم الدعوات التي تصلنا احتراما لتحالفنا السياسي مع الوطد الموحد، وبماذا يردّ علينا المنجي؟ يردّ علينا باستعمال عدد من الرفاق الذين غادروا حزبنا بعد خلاف سياسي وتنظيمي وتوظيف ذلك في الأزمة الحالية توظيفا وضيعا.
إنّ حزبنا كان وما يزال وسيظل حزبا ديناميكيا مبنيّا على الوحدة التي أساسها الصراع وسيبقى هناك دوما وافدون ومغادرون فنحن لسنا حزبا دون لون أو طعم أو رائحة ولسنا كالبعض حزبا يمكنه الاتساع للجميع، كلاّ نحن حزب طبقي لا يتسع مثلا للبرجوازية الكبيرة، ولا يتسع لمن لا يؤمن بخطنا الثوري، ولا يتسع لمن لا يحترم قوانيننا ونظمنا الداخلية وديمقراطيتنا المركزية، حزبنا لا يتّسع للموظفين المنخرطين في سياسة الائتلاف الحاكم ولا للرموز الانتهازية في بعض الجمعيات والمنظمات…الخ.. ونحن فخورون بذلك ولنا من التجربة الحزبية أكثر من ثلاثين عاما. وإلى ذلك كله فنحن لا نشوّه ولا “نجزّر” من كان معنا وانسحب بل نحن اختلفنا مثلا مع محمد الكيلاني في تسعينات القرن الماضي ولكننا إلى اليوم نذكّر بخصاله حين كان في حزب العمال وقد كرّمناه منذ ثلاث سنوات في ذكرى التأسيس وهو أمين عام حزب آخر. ومومن اليوم وإن اختلفنا معه سياسيا وفكريا وافترقنا فإننا لا نلغي تاريخه ونضاله في حزبنا، فهو ملك الذاكرة الجماعية والوطنية. إنّ مبدأنا هو أنّ “نضالك في الماضي لا ينفي نقدك على أخطائك اليوم وأخطاؤك اليوم لا تنفي نضالك بالأمس”. ولذلك فما يستفز في ما قاله المنجي هو الهدف من قوله، هو يعلم جيّدا أنّ حزبهم شهد انسحابات واستقالات وشقوقا أكثر بكثير من حزبنا ورغم ذلك يصرّ على طرح هذه المسألة في الإعلام لماذا؟ طبعا الهدف هو تشويه حزب العمال وتشويه حمة الهمامي. وطبعا بعد كلّ هذا فإنّ المنجي الرحوي يريد أن يكون مرشحنا (بما فيه مرشح حزبنا) للرئاسية؟؟
التّستّر وراء شعار الدّيمقراطيّة
رابعا طرح المنجي نقطة الديمقراطية والهيكلة، سأبدأ بالجانب الأول أي الديمقراطية، ولن أطيل كثيرا في هذا الجانب لأنّ الجميع يعلم أنّ شمّاعة الديمقراطية أصبحت جد مستهلكة إلى درجة أنه لو غادر أحد اليوم حزبا أو جبهة بسبب غياب فعلي للديمقراطية لما صدّقه أحد. لكن فقط في هذا الجانب أريد أن أطرح بعض الأسئلة: إذا كان الرفاق في الوطد الموحد مهتمّين فعلا بالديمقراطية فلماذا قاموا بطرح الرحوي في المجلس المركزي وبعده في مجلس الأمناء ولم يتمّ التطرق “للآلية الديمقراطية” (الاستشارة الواسعة) إلاّ عندما وجدوا ثمانية أحزاب من أصل تسعة مع ترشيح حمة الهمامي؟ (بالطبع الحزب الوحيد الذي صوت للمنجي هو الوطد الموحد أي حزبه) فلو وجدوا مثلا العكس أي ثمانية مع المنجي بل قل خمسة أصوات مع المنجي فهل كانوا سيطرحون “الآلية الديمقراطية للحسم”؟ وإذا كانوا سيطرحونها في كل الحالات فلماذا النقاش من أصله حول أيهما الأفضل للترشيح حمة أم منجي في مجلس الأمناء؟ ثم إذا كان المبدأ هو الاستشارة الواسعة فلماذا لم يطرح الموحد ذلك بالنسبة للتشريعية بل طرحوا التجديد الآلي للنواب الحاليين الـ15 دون نقد وتقييم لتجربتهم وأدائهم، والمحاصصة بالنسبة للبقية كلّ حسب حجمه؟ فهل الديمقراطية فرض في الرئاسية وسنة في التشريعية؟ طرح المنجي أيضا قضية التجديد والتداول والتشبيب، وليس المجال هنا للنقاش التقني والتواصلي حول مواصفات المرشح للرئاسية لكن أتحدث عن الخلفيات التي يطرح بها الرحوي الموضوع لأنه وبكل بساطة لماذا لا نعكس السؤال؟ لماذا لا نتداول ونجدّد ونشبّب في النواب؟ لماذا أصرّ الموحد في النقاشات الداخلية للتشريعية على إعادة ترشيح النواب السابقين، وربما ينطبق السؤال أكثر على المنجي الرحوي بصفته أمضى دورتين في البرلمان وترشح صلب الجبهة لدورة ثالثة في التشريعية فضلا عن الرئاسية (التصريح لممثل حزب الوطد في جلسة المجلس المركزي والذي صرّح بأنّ حزبهم يعيد ترشيح كل نوابه الحاليّين للتشريعية بما فيهم المنجي)، فلماذا لا يبادر المنجي بالتداول والتجديد والتشبيب لو كان فعلا هذا ما يحرّكه وهذا ما يرى فيه مصلحة للجبهة؟
أمّا الجانب الثاني والذي يخصّ الهيكلة فقد لمّح المنجي إلى أنّ حزبهم أراد هيكلة الجبهة وبقية الأحزاب رفضت، أمّا الحقيقة فهي مخالفة تماما لذلك والدليل أنّ مراسلات ومقترحات الهيكلة قُدّمت كتابيا ويمكن الاطّلاع على مراسلة حزب العمال حول كيفية التقدم بالجبهة، ومراسلة التيار الشعبي حول الشكل التنظيمي للجبهة، ورسالة البعث حول إعادة هيكلة الجبهة ومؤسساتها، ووثيقة الوطد الاشتراكي حول تحيين الأرضية والنظام الداخلي والتنظيم، ووثيقة رابطة اليسار “مساهمة تقييمية” ووثيقة القطب ومنيرة يعقوب وفرج الشباح الخ… فضلا عن عشرات الرسائل والأفكار التي كتبها المستقلون للمجلس المركزي، كل هذا يبيّن إحدى “سيئات” الرحوي والوطد الموحد عامة وهو التظاهر الكاذب بأنه الوحيد الذي يقترح ويطالب بينما الآخرون وخاصة حزب العمال وحمه الهمامي يرفضون بغاية الحفاظ على الوضع كما هو. وأنا أقترح في هذا الصدد على مختلف مكونات الجبهة الشعبية نشر وثائقها وإسهاماتها حتى يعرف القراء الحقيقة.
ولنمرّ الآن إلى الجانب العملي، من عطّل عملية تنظيم الجبهة؟ لقد قام الناطق الرسمي بطلب من المجلس المركزي بطباعة آلاف الانخراطات باسم الجبهة، فمن عطّل مدّ الجهات بها؟ أليس هو حزب الوطد الموحد عن طريق ممثله في المجلس المركزي وهو المسؤول رسميا عن دائرة الهيكلة والتنظيم وله كل الصلاحيات للقيام بذلك تكريسا لقرار المجلس المركزي؟ كما أقر المجلس المركزي عشرات الخطط التنظيمية والهيكلية فلماذا لم تنفّذ من دائرة التنظيم؟ من عطّل هيكلة الشباب؟ أليس شباب حزب الموحد أساسا هو الذي رفض هيكلة شباب الجبهة؟ والأمثلة على ذلك عديدة، فلماذا يغالطنا المنجي كل هذه المغالطات؟ لماذا لا يبدأ أولا بنفسه، ماذا قدّم لهيكلة الجبهة في جهته أي في جندوبة؟ وما هو وضع هياكل الجبهة هناك؟ كل الجبهويين من الجهة يؤكدون أنه وحتى الحد الأدنى من تنظيم الاجتماعات في الجهة كان بمجهودات أحزاب وأفراد آخرين بالجهة، وأنّ النائب الرحوي لا يقابل أبناء الجهة من الجبهة إلاّ بمناسبة الانتخابات أو بالأحرى إعادة انتخابه كما أنه عطّل لمدة سنة كاملة نشاط المكتب الجهوي للجبهة لأنّ المنسق المنتخب وهو مناضل مستقل لا ينتمي إلى حزب الوطد الموحد؟.
اكذب، اكذب لعلّه يبقى شيء
خامسا وأخيرا، قام المنجي بتقديم وضعية الخلاف الحالي في الجبهة بكثير من المغالطات (وقد رددت على بعضها هنا وفي منشورات سابقة) وانتهى إلى الحل الذي قدمته السبعة أحزاب إلى حزب الوطد الموحد (في وثيقة مكتوبة) من أجل رأب الصدع وفي هذا الشأن خلط الأمور بعضها ببعض وترك بعض الأجوبة ضبابية وقزّم البعض الآخر، حيث قال “حزبنا موافق على هذه الوثيقة لكن حمة يريد فرض إمضاء منجي على الوثيقة وهو أمر غير مقبول”، في البداية وكالعادة حشر المنجي الناطق الرسمي حمة الهمامي في الموضوع في حين أنّ الوثيقة مكتوبة وممضاة من طرف سبعة أحزاب ولا يوجد إمضاء الناطق الرسمي بها، وثانيا قوله بأنّ حزبهم موافق على الوثيقة مناقض تماما لما صرّح به المنجي قبلها بدقائق في نفس الحوار عندما قال “ترشحي مازال قائما وحزبي هو المعني بسحبه” في حين أنّ النقطة الأولى من الوثيقة هي الالتزام بالرأي الأغلبي في الرئاسية أي ترشيح حمة الهمامي. أمّا الجانب الأخير “الغير معقول” وهو مطالبة المنجي بالإمضاء فهو معقول جدّا ودعني أقولها بصراحة فالأحزاب السبعة لا ثقة لها في المنجي الرحوي ولذلك طلبت إمضاءه لإقامة الحجة عليه ساعة يفاجئ الجميع كما فاجأهم في مناسبات أخرى وفي مسائل أخرى، بتقديم ترشحه، وهذا لم يكن مخفيا ففي اللقاء حول نقاش الوثيقة والذي حضره عن الأحزاب السبعة الرفيقان عمار عمروسية ورياض بن فضل وحضره عن حزب الوطد الموحد اثنا عشر قياديا، واجههم السيد بن فضل بذلك بصراحة. وفي الحقيقة فإنّ ذلك مفهوم فالمنجي الرحوي لم يكن ينضبط في أي يوم من الأيام للجبهة سوى في تشكيل الحكومات (انظر بيان الجبهة وبيان حزبه في هذا الشأن) أو في المواقف (انظر الموقف من استقلالية البنك المركزي ومن قانون الميزانية ومن إقالة وزير الداخلية ..الخ) وحتى في المجلس فهو لا ينسّق ولا ينضبط لرئيس كتلته على خلاف بقية النواب دون استثناء بما فيها نواب الموحّد الذين طالما انضبطوا للموقف الرسمي (قبل التصدع الأخير), إنّ الرحوي لا ينقاد إلاّ بأجندته الخاصة، ولذلك فمن الطبيعي أن تطلب الأحزاب إمضاء المنجي الرحوي على وثيقة الاتفاق إلى جانب الأمناء العامين بصفته المرشح المعني بالاتفاق مثله في ذلك مثل حمة الهمامي الذي طلب منه التوقيع أيضا ولم يطلب من الرحوي فقط. ولكنّ هذا الأخير أي الرحوي، رفض ذلك ولقد اجتهد الرفيق خير الدين الصوابني أمين عام حزب الطليعة واقترح صيغا توفيقية أخرى “لرفع الحرج” عن حزب الوطد الموحد ووافق الجميع على ذلك ثم عاد الموحد للرفض مجددا، فماذا نفهم من ذلك؟ الحزب يوافق على الإمضاء والمنجي يرفضه، فما نفهمه وهو ما نعلمه جيدا وما كرّره المنجي في كواليسه المقرّبة عدة مرات هو أنه سيترشح للرئاسية في كل الحالات حتى ولو سحب حزبه دعمه منه ممّا يعني أنّ الجبهة سيكون لها مرشحان. وإذا كان هذا صحيحا وهو ما يتماشى ومنطق المعطيات المذكورة أعلاه فأنا لا أحسد الرفاق في الموحد على الوضع الذي أوقعهم فيه المنجي وأتفهّم أنه وضع مقلق جدّا بين وحدة حزبهم ووحدة الجبهة ولن ألومهم جدا على اختيارهم مهما كان، لكن أرفض تحميل أيّ جهة أخرى زورا وبهتانا مسؤولية ما يحدث للجبهة. إنّ التصدع الذي تعيشه الجبهة مسؤول عنه بصفة مباشرة حزب الوطد الموحد وبأكثر دقة المنجي الرحوي، فقد اتصل مجلس الأمناء بحزب الوطد الموحد في عدة مناسبات واقترح عشرات الحلول وحضر معهم جلسات عديدة (15 لقاء) وكان ذلك بطلب منه لا بطلب من الموحد وبوفود مختلفة (زهير حمدي، أحمد الصديق، خير الدين الصوابني، يوسف الشارني، رياض بن فضل، عمار عمروسية، رشيد العثماني..) وفي المقابل لم يسع حزب الموحد إلى عقد أيّ لقاء أو اجتماع مع مجلس الأمناء، بل لقد رفض الحضور فيه واعتبره حضورا ” للمغالبة” وادعاء المنجي بأنّ مجلس الأمناء لم يسع إلى الحلول هو ادّعاء آخر كاذب فالموحد هو الذي ظل دائما يناور ويماطل ربحا للوقت بهدف فرض مواقفه الخاصة على الأغلبية. وإثر آخر لقاء انتظم بين وفد مجلس الأمناء والموحد (وفد مكون من بن فضل وعمروسية مع الاثنى عشر قياديا من الموحد) كنا ننتظر تفاعلا إيجابيا للخروج بالجبهة من الأزمة لكن فوجئنا بالرسالة التي أرسلها الوطد الموحد إلى مجلس الأمناء وبالقرار الفظيع بالاستقالة من الكتلة قصد حلها وتوظيفها ضد أغلبية مكونات الجبهة، وبالهجمة الإعلامية ضد مجلس الأمناء وضد الناطق الرسمي، فمن أكبر العادات السيئة عند الرفاق في الوطد الموحد (وكل من تعامل معهم في مختلف الملفات يدرك ذلك) عادتان: العادة الأولى هي أنه يخلق لك المشكلة ثم يطالبك بإيجاد حل لها والأمثلة على ذلك كثيرة فمثلا تقوم لجنته المركزية بترشيح الرحوي للرئاسية علنيا (رغم الاتفاق بين مكونات الجبهة بأن لا يتسرّب النقاش الداخلي للعموم وبالخصوص مرشحي الرئاسية والتشريعية قبل الندوة الوطنية) ثم يقول لنا “الآن يجب أن نتعاطى مع الواقع، الإشكال قائم والرأي العام على علم به والجبهة يجب أن تجد الحل” وآخر مثال على هذا السلوك أيضا هو مطالبته اليوم بإيجاد حلّ لما آلت إليه وضعية كتلة الجبهة الشعبية بعد الاستقالات في حين أنه هو الذي قرر هذه الاستقالات وهو الذي يجب أن يتحمل مسؤوليتها، والعادة الثانية هي ترك الأمور والنقاشات تتقدم لمدة أشهر وهو مشارك فيها وجزء منها ثم في لحظة ما يعود بك إلى نقطة الصفر بعد أن تكون قد تقدمت أشواطا في النقاش والاتفاقات، يمكن أن تتّفق مع الرفاق في الوطد الموحد في ألف قضية وقضية ويكون ذلك مسجّلا في محضر جلسة وممضى في اتفاقات وفي لحظة معينة وبعد مراكمة أشهر من تقدم النقاش يطلع علينا الرفاق غفلة وفجأة ببيان أو تصريح مخالف بل ومناقض لكل الاتفاقات ولمّا تستوضح تكون الإجابة دائما جاهزة وهي إمّا “لجنتنا المركزية انعقدت وقرّرت ذلك وهي إطار سيادي” أو “الرفيق الذي اتفق معكم لا يلزم” أو “لقد غيّرنا موقفنا والمواقف ليست نصا مقدسا” أو “إن مقرر جلسات المجلس المركزي كاذب ولم يسجل موقفنا بدقة” الخ…. هذه العادات والسلوكيات السيئة في العمل المشترك (وقد ذكرنا فقط ظاهرتين من ضمن عشرات الظواهر والسلوكيات) إضافة إلى كل ما سبق ذكره جعلت من المستحيل التوصل إلى أيّ حل أو أتفاق وعجّلت بعزلة الوطد الموحد وإقصاء نفسه بنفسه فلا أحد أقصاه ولا أحد أطرده أو طالب بطرده. بل هو الذي ما انفك وبشكل علني استفزازي يحقّر مكونات الجبهة الأخرى ويقزّمها (تصريحات الرحوي وغيره من قيادات الوطد الموحد في وسائل الإعلام) ومن المضحكات المبكيات أنّ من يقزّمه اليوم ويصرّح بأنه لا يمثّل حزبا يحوّله إلى حزب وصديق حالما ظنّ أنه بالإمكان كسبه إلى موقفه. وفي كلمة فإنّ الوطد الموحّد مسؤول وحده عن الوضع الذي يجد فيه نفسه وعن الوضع الذي تجد فيه الجبهة نفسها أيضا.
في النهاية…
إنني أكتب هذا النص في الأصل ردا على مغالطات المنجي في إذاعة “موزاييك” لكن أيضا لإطلاع الرأي العام وقواعد الجبهة بما فيها قواعد حزب الوطد الموحد على حقيقة خلفيات وتفاصيل الخلاف داخل الجبهة. فلمّا أستمع إلى المنجي وكذبه على موجات الراديو أفهم أنّ المتعاطفين معه إمّا أنهم واعون بكذبه ورغم ذلك فهم منساقون وراءه، وإمّا أنه تمّت مغالطتهم بوقائع وتفاصيل ومعطيات مغلوطة، وأنا أرجّح ذلك، وأرجو أن يساهم هذا النص في توضيح بعض المعطيات. وإن كنت آسف عمّا آلت إليه أوضاع الجبهة إلاّ أنني مقتنع بأنّ الجبهة ستستمر فلا يمكن لأيّ طرف مهما كان (حزبا أو شخصا) أن ينهي وجودها بانسحابه منها أو بمحاولة تشويهها، فالواقع الموضوعي يتطلّب وجود الجبهة الشعبية مهما كان المغادرون أو الوافدون.
“وما يبقى في الواد كان حجرو”.