بقلم: عمار عمروسية
يتعرّض الرفيق حمة الهمامي الأمين العام لحزب العمال والناطق الرسمي للجبهة الشعبية إلى حملة تشويه مُنظّمة ومدروسة. وهي حملة قديمة متجدّدة، كل مرة ترتدي ثوبا بحسب الظروف والتطورات السياسية في البلاد. وتتداول على القيام بها أطراف مختلفة، كلّ له منطلقاته وأهدافه الخاصة به. والغريب أن أطرافا تبدو في الظاهر متناقضة الخلفيات الأيديولوجية والسياسية تلتقي موضوعيا في هذه الحملة. فقد حركت أطراف برجوازية رجعية ظلامية هذه الحملة في ظروف سابقة، بعد إسقاط الدكتاتورية، في علاقة ببعض الاحتجاجات التي شهدتها مناطق من البلاد ووصل بهم الأمر حدّ اتهام حمة بتوزيع السلاح والمال للقيام بأعمال تخريبية أو بعلاقة بمحطات انتخابية (2011) حيث تمّ تنظيم حملة تكفير واسعة النطاق ضده. هذا علاوة على الأكاذيب التي لم ينفك سيلها يتهاطل حتىّ باتت تثير السخرية من قبيل القول بأنه لم يعمل يوما في حياته وأنه يملك سيارات فاخرة وأملاكا عقارية بالداخل والخارج وما إلى ذلك من الدعايات التي يعلم القاصي والدّاني زيفها.
ولئن ما تزال هذه الدعايات رائجة دون أن تلقى صدى فإنّ ما جدّ من جديد هذه المرة هو دخول عناصر قيادية ووسطى وقاعدية من حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد على الخط ليروّجوا بدورهم دعايات أخرى لا تمت للحقيقة بصلة. أوّل من بدأ بهذه الحملة منجي الرحوي، عضو المكتب السياسي والنائب بالبرلمان، الذي دخل عالم السياسة والنضال بعد الثورة وكبرت رغباته فجأة بصورة غير عادية، حدّ الهوس بالصعود إلى مركز رئيس البرلمان الإفريقي (2018) وعندما لم تنفع تدخلات الديبلوماسية التونسية والباجي قائد السبسبي نفسه في مساعدته على ذلك اتجهت أنظاره إلى موقع رئاسة الجمهورية وقصر قرطاج باعتباره يرى في نفسه شخصية عبقرية نادرة، قادرة، كما قال بعظمة لسانه في “إذاعة موزاييك” (برنامج “ميدي شو” بتاريخ الخميس 30 ماي 2019 )، على أن تنجز في ساعتين ما “أنجزه بعض أشباه الجبهويين في أربعين سنة”.
خطة منجي الرحوي ومن وراءه
لتهرئة صورة الجبهة وحمة
بدأ الرحوي حملته في إطار خطة انطلقت بتنظيم حملة تشكيك في الجبهة ومهاجمتها في مطلع كل موسم سياسي جديد منذ 2015، فقد خرج الرجل بصورة مفاجئة ودون علم الجبهة أو نقاش الموضوع في هياكلها ليعلن تقييمه الخاص لأداء الجبهة. فقد جاء في موقع قناة نسمة التلفزية بتاريخ 30 أكتوبر 2015 ما يلي: “تعيش الجبهة الشعبية وضعا دقيقا في ظل اختلاف التقييم حول الأداء في المرحلة الفارطة وعودة التباين الأيديولوجي بين مكوناتها على السطح.. ويبدو أن الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير الجبهة الشعبية التي استطاعت تحقيق بعض المكاسب الانتخابية ولكن دورها لم يتطوّر منذ ذلك الحين وقد علم موقع ” نسمة ” أنّ هناك ضغطا لإدخال تغييرات هيكلية قد تؤدّي إلى تخلي حمة الهمامي عن خطة الناطق الرسمي للجبهة الشعبية لفائدة النائب منجي الرحوي “(1).
في نفس التوقيت تقريبا من السنة الموالية أدلى الرحوي بتصريحات مماثلة تناقلتها وسائل الاعلام والمواقع الإلكترونية. فقد جاء في موقع “Tuniscope” مثلا بتاريخ 8 سبتمبر 2016 (أربة أيام بعد انتهاء مؤتمر حزب الوطد الموحد) بعنوان “منجي الرحوي: خطاب حمة الهمامي غير مقنع وهو في حاجة للراحة والتجديد” ما يلي: “قال القيادي في الجبهة الشعبية منجي الرحوي اليوم الخميس 8 سبتمبر 2016 أن قيادات الجبهة مطالبون بتنمية رصيدهم لأنه لا وجود لسياسي منغلق يرفض النقاشات يستطيع النجاح. كما أكد الرحوي من جهة أخرى أن خطاب الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية أصبح غير مقنع ومكرّر وأن رصيده أصبح ضعيفا وأنه في حاجة إلى الراحة والتجديد وتقديم أشخاص آخرين قادرين على تقديم الإضافة في حوار له على موجات “موزاييك ف أف أم”. و”قال في نفس السياق أن رصيد حمة الهمامي تآكل بسبب تكراره نفس الخطاب منذ سنوات متسائلا ” هل سيصوت له الـ 250 ألف ناخبا الذين منحوه أصواتهم مجددا”(2). وبالطبع فإن الرحوي لا يفسّر شيئا ولا يعطي أي توضيح بخصوص مواطن ضعف أداء أو خطاب حمه وباقي قيادات الجبهة ولا يقدم أي بديل لذلك “ينير” به الطريق للجبهويات والجبهويين.
ومن جهة أخرى فقد ورد في موقع “africanmanager” بالعربية يوم 5 سبتمبر 2016 ما يلي: “قال القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد منجي الرحوي إنّ على الجبهة الشعبية أن تغيّر خطابها وسلوكها خلال الفترة المقبلة، معتبرا أنّ الانطباع العام عند الشعب التونسي أصبح يربط الجبهة بالرفض الدائم لجميع المقترحات وبالمعارضة الدائمة والجذرية للسلطات الحاكمة. وأكّد الرحوي في تصريح لإذاعة “اكسبريس أف أم” اليوم الاثنين 05 سبتمبر 2016، أنّه كان يفضّل أن تشارك الجبهة في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة وأن لا ترفض دعوة يوسف الشاهد للتشاور بخصوص تركيبتها ” (3). وبالطبع فإن هذا التصريح جاء مثله مثل التصريح الذي سبقه أسابيع قليلة بعد أن حُرم الرحوي من دخول حكومة الشاهد بضغط من حزبه ومن المجلس المركزي للجبهة الشعبية. وهي من المرات القلائل الذي كشف فيها الرحوي ولو بشكل مقتضب عما يعنيه بتغيير الجبهة لخطابها ولسلوكها السياسي وهو أن تنتقل من موقع المعارضة لهذه الحكومة الرجعية المتكونة من “نداء تونس” ومن “حركة النهضة” أساسا إلى موقع المتعامل بل المشارك فيها تحت غطاء “النجاعة السياسية” وهي الأكذوبة التي اختفى وراءها كل الانتهازيين “الدخوليين” على غرار صديقه سمير الطيب الذي يشغل اليوم وزير الفلاحة والذي ترك الأمانة العامة لحزبه (المسار) لينضمّ إلى حزب الشاهد الجديد (تحيا تونس) ويحتل فيه رتبة “مناضل قاعدي”.
بعد سنة من ذلك وفي نفس الموعد، أي مستهل السنة السياسية 2017، يُصرح منجي الرحوي تقريبا بنفس الشي على موجات “إذاعة موزاييك” وهو ما تناولته وسائل الإعلام والمواقع الإعلامية من ذلك ما جاء في موقع “babnet” القريبة من “النهضة” والتي تصطاد كل التصريحات التي من شأنها إظهار الجبهة في حالة إرباك داخلي: “قال القيادي في الجبهة الشعبية المنجي الرحوي في حوار في برنامج “ميدي شو” الذي يبث عبر أمواج إذاعة “موزاييك” اليوم الثلاثاء” أنه لن يصوت للباجي قائد السبسي ولا لحمة الهمامي في الانتخابات الرئاسية 2019 وأضاف المنجي الرحوي ” سأصوت فقط للمنجي الرحوي”.. (4) وفي نفس السياق دوما وبنفس المناسبة (بداية السنة الجديدة 2018) يكرر الرحوي دون كلل نفس “الديسكو” فتتناقله وسائل الاعلام ويدخل الارتباك قواعد الجبهة التي لا تفهم بماذا ابْتُلي الرحوي حتى يختار كل مطلع سنة سياسية جديدة ليتوجه إليها برسالة “تفاؤل وتشجيع” من نوع خاص جدا. ذلك ما حصل مرة أخرى في شهر سبتمبر 2018 وإليكم مثالا على ذلك. جاء في العديد من المواقع منها موقع babnet بتاريخ الاثنين 10 سبتمبر 2018 ما يلي: “قال القيادي بالجبهة الشعبية منجي الرحوي أنّ الجبهة ”إذا بقيت كما هي الآن، قد لا تحصل على عدد النواب الذي حصلت عليه في انتخابات 2014 خاصة إذا تغيّر القانون الانتخابي والعتبة .ودعا الرحوي، في تصريح لجريدة الصباح الأسبوعي الصادرة اليوم الاثنين 10 سبتمبر، إلى ”حسم المسألة التنظيمية وتطوير هيكلة الجبهة على غير صيغة تجميع الأحزاب وتغيير الزعامة” مضيفا ”لم نحصل على قبول شعبي واسع ومازلنا نراوح إن لم أقل بأننا تراجعنا إلى الوراء، الجبهة ليس لها وضع تنظيمي تفتخر به”. وأضاف منجي الرحوي ”الجبهة الشعبية لا تفي بالحاجة من أجل خوض المعركة الانتخابية في 2019 . يذكر أن خلافات قد ظهرت للعلن مؤخرا بين أهم مكونات الجبهة الشعبية وهما حزب الوطد وحزب العمال” (5).
وعلى هذا المنوال واصل الرحوي هجوماته على الجبهة وعلى ناطقها الرسمي وانضم لهذه الحملة عدد من عناصر الوطد الموحد وأحيانا عناصر قيادية ووسطى تبدو وكأنها جوقة مكلفة بنفس المهمة لترديدها تقريبا نفس الجمل والعبارات والمعاني التي تنادي خاصة “بتغيير الزعامة” في توقيت واحد. وتكثفت الحملة قبيل انطلاق نقاشات المجلس المركزي للجبهة مطلع هذه السنة. وبالعودة لما جرى في هذه النقاشات حول المسألة التنظيمية التي تم اختزالها في “قضية الناطق الرسمي” تحت عنوان “التداول” نفهم الآن سر هذه الحملة ودوافعها الحقيقية. لقد دأب منجي الرحوي على مهاجمة حمة وانتقاد أداء الجبهة في إطار خطة تقوم على عنصرين اثنين:
- انتقاد أداء الجبهة، بعبارات عامة وفضفاضة، بدعوى سوء أداء قيادتها وخاصة الناطق الرسمي في مسعى لتهرئة صورته والمساس بقدرته على مواصلة القيادة كتمهيد لتبرير ضرورة تغييره وتنحيته من خطة الناطق الرسمي والحيلولة دونه والترشح للرئاسة
- تقديم منجي الرحوي متزعّم هذه الحملة نفسه بديلا لملأ الفراغ ليس كناطق رسمي وإنما أساسا كمرشح الجبهة في الرئاسية. وقد وصل هذا الخطاب بما فيه من غرور ونرجسية أقصاه في آخر حوار له بإذاعة “موزاييك” يوم الخميس 30 ماي الماضي حيث ادعى أن الأمور لو كانت بيده لكان “خلا الدنيا” و”صال وجال في البلاد” موهما المستمعين بأن السبب الوحيد الذي عرقله هو أن الزعامة ليست بيده ولكنه لم يقل لماذا لم يصل ويجل في جندوبة؟ ولماذا لم يصُلْ ويَجُلْ في البرلمان حيث ظل أداؤه عاديا دون ذكر “التوريطات” التي ورّط فيها الجبهة أحيانا.
إنّ الغاية من كل هذا هو توفير المبررات لتقبل فكرة ترشّح منجي عوضا عن حمه. ولم تكن رسائل منجي وهو يشوه حمه (ومن خلاله مشروع الجبهة الشعبية بأرضيتها الثورية والتقدمية ومواقفها السياسية الحالية المعارضة للائتلاف الحاكم)، موجهة في الحقيقية إلى قواعد الجبهة الشعبية ونصيراتها وأنصارها بقدر ما هي موجّهة إلى جهات أخرى، أي البورجوازية الليبرالية التي ترى في حمه يساريا اشتراكيا، متشددا ودغمائيا و”معارضا” لكل شيء و”مخربا”، كما ترى في الجبهة الشعبية التي يتولّى خطة الناطق الرسمي باسمها معارضة جذرية غير طيعة، ليقول لها إنه، أي الرحوي، موجود وهو منفتح عليها وعلى توجهاتها الليبرالية ومستعد لمشاركتها الحكم وتمرير بعض القوانين والإجراءات التي تخدم مصالحها وبالتالي يمكن التعويل عليه لمراجعة خط الجبهة السياسي وخطابها الذي يعتبره هو “متكلسا” و”غير واقعي” وضرب صورة حمه الهمامي الرمزية والتاريخية التي لم يقدر على تشويهها لا بن علي ولا من خلفوه في الحكم بعد الثورة، ومن خلاله ضرب اليسار التاريخي التونسي برمزياته المتنوعة وما راكمه بفضل تضحيات أجياله المتعاقبة من مكاسب تحاول الرجعية بشقيها “الحداثوي” المزعوم والظلامي تصفيتها.
وبالطبع فقد كانت الخطة تقتضي البدء بالحملة بصورة مبكرة وقبل 4 سنوات من موعد الانتخابات الحالية لأن قلب موازين القوى لفائدة منجي يتطلب فعلا كثيرا من الوقت وعملا إعلاميا مكثفا لأن الوطد الموحد ومنجي نفسه يعلّمان علم اليقين حجم التفوق الذي يحظى به حمة على أكثر من صعيد. فشتان بين من قضّى حياته في النضال يقارع الديكتاتورية (في عهدي بورقيبة وبن علي) والقوى الظلامية على حد السواء وكانت حياته بين السجون والمنفى والسرية دون أن يتزحزح عن مبادئه ودون أن ترهبه عصا القمع ولا مغريات الشهرة والنجومية أو تستدرجه الأطماع في المناصب والمنافع ومغريات الحياة السهلة بعد سقوط الديكتاتورية وبين شخصية مغمورة لم يسجل له تاريخ النضال ضد الاستبداد أي خصلة ولم ينبس ببنت شفة أيام كان بن علي يلاحق حمة ورفاقه من مناضلي حزب العمال ومناضلاته بل لم يسبق له أن أمضى حتى على عريضة مناصرة لفلسطين وكان منغمسا في حياته المهنية والخاصة يلهث وراء الترقيات وعائدات “البزنس” ولم يدخل “عالم السياسة والنضال” إلاّ يوم أصبح متاحا للجميع بالكلام والإشهار والتبجح بالشعارات. شتان بين من جمع في شخصه صفات المفكر والكاتب والمثقف والمناضل الميداني وعرف كيف يقرن قناعته الفكرية بممارسته اليومية وبين من لا يحذق إلا النجومية الإعلامية و”شو” البلاتوهات والبرلمان. شتان بين من يلتزم سياسيا وميدانيا، في الداخل والخارج بالجبهة وبحدها الأدنى المشترك وأحيانا على حساب حزبه أو موقفه الخاص، وبين من لا يتصرف إلا وفق أجندته الخاصة ولا يتردد في التعالي على معظم مكونات الجبهة ولا يتحرج في التصريح بأنه “لا يعول عليها” وفي نفس الوقت يريد الترشح للرئاسة باسمها وباسم الجبهة الشعبية.
في مطلع شهر مارس الماضي حانت ساعة المرور إلى الطور الأخير من خطة الوطد الموحد أي ساعة إعلان ترشيح منجي (المخطط لها داخل الوطد الموحد حسب تصريحات أمينه العام منذ حوالي العام) بشكل مفاجئ في خرق واضح للاتفاق الحاصل بالإجماع داخل مجلس الأمناء للجبهة الشعبية والقاضي بعدم إعلان المرشح إلا بعد الاتفاق داخليا وحسم الأمر لفائدة مرشح وحيد كائنا من كان، وذلك حفاظا على سمعة الجبهة الشعبية ككيان موحد. ولتبرير هذا السلوك اللاديمقراطي والمستهتر بالاتفاقات الجماعية حاول الوطد الموحد تحويل وجهة النقاش من هذا الإطار إلى إطار آخر غير مطروح بالمرة وهو حق الرحوي في الترشح. وهم يعلمون علم اليقين أن حزب العمال وحمة وبقية قادة الجبهة الشعبية لا اعتراض لهم بالمرة على أن يقدم أكثر من أمين عام أو قيادي في الجبهة ترشحه وكل ما في الأمر هو حسم الترشح داخليا قبل إعلانه للعموم اجتنابا للمهاترات والمماحكات التي لا طائل من ورائها في وسائل الإعلام أو في شبكة التواصل الاجتماعي بين مناضلات الجبهة ومناضليها.
مسؤولية الوطد الموحّد في محاولة فرقعة الجبهة
وفي محاولة أخرى وللتغطية على نكران مسؤوليتهم في السبق إلى خلق الإشكال نادى الوطد الموحد بعد أن أصبح الخلاف واضحا حول الطريقة والأسلوب بالقيام “باستشارة واسعة” في صفوف مناضلي الجبهة لحسم الترشح والحال أن هذا المقترح سبق أن تم استبعاده من كافة مكونات الجبهة يوم الندوة الوطنية المصغرة للجبهة الشعبية (3 فيفري 2019) بمبررات وحجج أجمعت كل أحزاب الجبهة بمن فيها حزب الوطد الموحد ذاته على وجاهتها وعلى رأسها عدم وجود “قاعدة جبهوية واضحة، خارج الأحزاب، يمكن تشريكها في الاستشارة أو في التصويت” بسبب عدم توزيع الانخراطات رغم توفرها منذ مدة وهي مسؤولية ترجع لدائرة الهيكلة والتنظيم التي يتولى رئاستها أحد ممثلي حزب الوطد الموحد في المجلس المركزي.
إن الديمقراطي هو من يتبنى الديمقراطية ويدافع عنها بتماسك في كل القضايا والمسائل المطروحة أمام الجبهة. ولا يمكن أن يكون ديمقراطيا نزيها وصادقا من يتمسك بالاستشارة الواسعة بخصوص حسم مسألة الترشح للرئاسة، وبالمقابل يطالب بتزكية أعضاء البرلمان الحاليين بشك آلي بدعوى أنهم مرشحون غير قابلين للنقاش ولا يرى أية فائدة من استشارة القواعد فيما إذا كان لهم الحق في تقييم مردود هؤلاء النواب لتزكية ترشحهم من جديد أو رفضه. ولا يمكن أن يدّعي الديمقراطية من يدعو إلى الاتفاق على اسم الناطق الرسمي الجديد للجبهة في إطار ضيق وفي شكل مفاهمات داخل الأمناء العامين قبل أن تنعقد الندوة التي من المفروض أن تكون هي الوحيدة المخولة بانتخابه سواء بصفة مباشرة أو عن طريق القيادة الجديدة. وليس ديمقراطيا من يجد نفسه أقليا – وهو حال الوطد الموحد – في اجتماع الأمناء العامين للجبهة بصدد نقاش اختيار مرشح الجبهة أو تحديد تاريخ الإعلان عن تغيير الناطق الرسمي ولكنه يرفض الانصياع للقاعدة الديمقراطية (التصويت وقبول الموقف الأغلبي) وممارسة الفيتو ومنع حسم الملف للمرور لبقية الملفات. وأخيرا وليس آخرا ليس ديمقراطيا من يتنصل من الاتفاقات الحاصلة في عديد المسائل والمدونة في محاضر جلسات سابقة وبعضها ممضى عليه اسميا من طرف كل الأحزاب بل والطعن في محتوى محاضر جلسات سبق أن تم تبنيها والقدح في صدقية الرفيقين علي بن جدو ومقداد بن مالك المكلفين رسميا وبالإجماع بتدوين التدخلات وصياغة محاضر الجلسات وإرسالها إلى كافة أعضاء المجلس قبل كل اجتماع للاطلاع وإبداء الملاحظات.
وبصورة عامة هل من الديمقراطية أن يعطل الوطد الموحد طوال حوالي أربعة أشهر النقاشات الداخلية حول الملفات التي شُرع فيها فقط لأنه يريد أن تكون القرارات والمواقف كما يراها هو كطرف؟ وهل من الديمقراطية أن يقع تقزيم بقية الأحزاب (القطب والحزب الشعبي للحرية والتقدم والبعث والحز الوطني الديمقراطي الاشتراكي الخ…) حينما لا توافقه الرأي على غرار ما جاء على لسان الأمين العام لحزب الوطد الموحد يوم الندوة الوطنية المصغرة (3 فيفري 2019): “هاذي أحزاب ما عادش موجودة، لكن مرحبا بيها في الجبهة لكن ما تقسمش معانا البلايص وما تقررلناش مواقفنا. انجمو نرشحو بعض أمنائهم العامين كجبهويين مستقلين إذا توفرت فيهم الكفاءة والإشعاع”. ولكن هذا التقزيم يتحول في السر أو في العلن إلى تمجيد وتهليل إذا أراد الوطد الموحد توظيف موقف هذه الأحزاب لصالحه في الخلاف مع أغلبية مكونات الجبهة (القطب مثالا في خصوص “توسيع الاستشارة لتعيين مرشح الجبهة للرئاسية الخ…) أو إذا أراد استمالة إحداها غير متوان عن اللهث وراءها لتحديد موعد منفرد كما حصل أخيرا مع حركة البعث أو الحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي.
إن استخدام شعار “الديمقراطية” ومحاولة استغلال حساسية المناضلين ومتتبعي الشأن الجبهاوي لهذه القيمة انكشف وسينكشف أكثر كلما انتشرت بينهم وتوفرت لهم تفاصيل المعطيات والمجريات والحقائق حول ما حصل وسيدركون بلا شك أن الوطد الموحد يتحمل المسؤولية كاملة في الزج بالجبهة في صراعات هي في غنى عنها في مثل هذا الظرف الحساس. كما سيدركون أيضا الغاية الحقيقية من استهداف حمة وخاصة في المدة الأخيرة وسيدركون أن تحميله مسؤولية فشل الجبهة، والتنكر لمكتسباتها ليس غير محاولة يائسة للتغطية على الدور السلبي الذي لعبه الوطد الموحد داخل الجبهة الشعبية في عرقلة تنظيمها وهيكلتها ونشاطها.
لقد تابع التونسيون والتونسيات حملة التشويهات والتصريحات المتشنجة لكل من منجي الرحوي وأيمن العلوي وخطب التشهير التي طالت حمة وقياديين آخرين من الجبهة (الأمين العام للتيار الشعبي خاصة) بلغت حد التخوين والاتهام بالعمالة، وبعد كل ذلك يطلب من حمة الدعوة لاجتماع المجلس المركزي الذي لو كتب له الانعقاد فلن يحضره أغلب أحزاب الجبهة بسبب التجاوزات المذكورة والانحراف بالجدل السياسي إلى مستوى أخلاقي وضيع من جهة ولأن الهدف من دعوة المجلس المركزي وبعده الندوة الوطنية لا يعدو أن يكون مناورة للالتفاف على كل الخطوات التي قطعت في إطار الاستعداد للانتخابات وإعادة طرح كل شيء من جديد في الوقت الذي بدأت فيه أحزاب أخرى عرض برامجها الانتخابية مع العلم أن الوطد الموحد الذي أصبح يطالب اليوم وفي مثل هذا الوقت الذي لا يفصلنا فيه سوى شهر تقريبا عن تقديم القائمات الانتخابية كان هو الذي أجهض، بتعطيل النقاشات وعدم الامتثال لمقررات الأغلبية، انعقاد الندوة الوطنية الرابعة مرة أولى بتاريخ 9 مارس ومرة ثانية بتاريخ 30 مارس الماضي. في مثل هذه الأوضاع ما عاد بإمكان الناطق الرسمي إصلاح الأوضاع التي يتحمل فيها الوطد الموحد مسؤولية حالة القطيعة التي جرّوا بقية مكونات الجبهة إليها ناهيك أنهم طلبوا لقاءات ثنائية مع عدد من الأحزاب فرفضت ذلك. فعوض أن يطلب الوطد الموحد من الناطق الرسمي الدعوة لاجتماع المجلس المركزي كان حريا بهم، كإشارة منهم لتجاوز الإشكاليات، المبادرة بأنفسهم بالاتصال بالأحزاب الأخرى لهذا الغرض مع السعي إلى خفض التوترات معها، لا أن يخلقوا ألف مشكل ومشكل مع هذه الأحزاب ثم يطالبون الناطق الرسمي “بتحمل مسؤوليته” وبإجبار تلك الأحزاب على الجلوس معهم.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الوطد الموحد منذ أن غادروا اجتماعات الأمناء العامين يوم 19 مارس 2019 رافضين الالتزام بموقف الأغلبية من ترشيح حمه للرئاسيات قبل الخوض في التشريعية، لم يكلفوا أنفسهم عناء الاتصال بأي من بقية مكونات الجبهة. في المقابل نشير إلى أن الأمناء العامين لم يدخروا أي جهد لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر. فقد أجرت عدة وفود من قيادة الجبهة حوالي أربع أو خمس عشرة لقاء للنقاش معهم ومحاولة إقناعهم بالعودة للجلسات شرط توضيح موقفهم من التجاوزات التي قاموا بها من قبل والتعهد خاصة باحترام الاتفاقات المشتركة وأساليب العمل الجماعي والكف عن استعمال وسائل الضغط من خارج الجبهة (إعلام الخ…) لتمرير أجندات حزبية أو شخصية. وكان آخر وفد حاور الوطد الموحد بحضور 12 قياديا من مكتبهم السياسي ولجنتهم المركزية يتركب من النائب والقيادي بحزب العمال عمار عمروسية والأمين العام لحزب القطب رياض بن فضل يوم 14 ماي الفارط. وقد فشل هذا الوفد في زحزحة الوطد الموحد عن مواقفهم الانعزالية رغم ما اقترحه عليهم من تنازلات وحلول وسطية.
لقد اتضح بالملموس أن طلب اجتماع المجلس المركزي لم يكن بغاية تسوية الخلاف وإعادة الأمور إلى مجاريها ولكن فقط للاستهلاك الدعائي والإعلامي مقابل الاستمرار في حملات التشهير والسب لقياديين في الجبهة وفي أحزابها ولاتخاذ ذلك غطاء لحل كتلة الجبهة دون سابق إعلام وإعادة تشكيلها دون بقية أعضائها الذين لا يتفقون مع ممارساتهم وممارسات بعض النواب المستقلين الذين يسعى بعضهم سواء لتصفية حساباته مع حزبه الذي انسحب منه أو لفرض إعادة ترشيحه للانتخابات القادمة دون تقييم لأدائه من طرف رفيقاته ورفاقه بالجهة التي رشحته.
ما هي مسؤولية حمة فيما حصل؟
حاولت الجبهة في أكثر من مرة تقييم أوضاعها العامة والداخلية وكانت آخر محاولة بعيد الانتخابات البلدية وتقدم حزب العمال بنص تقييمي (تم نشره مؤخرا في موقع الحزب وفي صفحته الرسمية) كان الرفيق حمة الهمامي هو من أعده. وكما يلاحظ المطلع على هذا النص فإن حمة كان أكثر الناس وعيا بخطورة الوضع في الجبهة وأن أسبابا هيكلية وأخرى سياسية عامة تقف وراء هذه الوضعية. كما أنه توقف عند ضعف أداء هياكل الجبهة وقادتها ومناضليها، مما يعني أن المسؤولية في هذه الإخلالات موضوعية وجماعية عامة. والمتابع لنشاط الجبهة يعرف أن هيكل المجلس المركزي الذي يشرف عليه حمه هو الهيكل الوحيد الذي يعمل بانتظام وأن عددا قليلا من التنسيقيات حافظت على نشاطها ولو بصورة متقطعة وأن تدخل قيادة الجبهة لم تكن كافية لتغيير الوضع. كما يعلم المطلعون على أوضاع الجبهة الداخلية أن الناطق الرسمي كان أكثر أعضاء القيادة التزاما بنشاطات الجبهة الداخلية والخارجية ذلك أنه لم يتغيب عن الاجتماعات مثل العديد من أعضاء المجلس المركزي كما كان حاضرا في كل الأنشطة الميدانية ولبى دعوات التنسيقيات الجهوية وحافظ على حضور الجبهة الشعبية في المشهد الإعلامي علاوة على حفاظه على خط الجبهة السياسي واحترام قرارات قيادتها المركزية في مداخلاته في وسائل الإعلام حتى لو كان لا يتفق معها إن جزئيا أو كليا. ويعلم الجميع أنه لولا تدخل الناطق الرسمي لما أمكن تقديم 120 قائمة في الانتخابات البلدية ولما أمكن تحقيق التناصف الأفقي بينها. في المقابل من ذلك اختفى أثناء تلك الانتخابات بعض القادة – الذين يتجرؤون اليوم على انتقاد أداء حمة والتشهير به – ومنهم من لم يقم بشيء يذكر لتشكيل قائمة حتى في بلدية المدينة التي يقطنها فما بالك بتعبئة مناضلات ومناضلي حزبه الذي ساهموا في عرقلة تشكيل العشرات من القائمات بسبب تقاعسهم.
وردا على التهجم على الناطق الرسمي واتهامه بعدم التدخل في النزاع الحالي الذي تعيشه الجبهة الشعبية فيجدر التذكير بأن الاتفاق الحاصل – بالإجماع – داخل المجلس المركزي بتفويض الأمناء العامين لأحزاب الجبهة الشعبية قضى بأن يحضر عن كل حزب ممثل واحد وحيد، وبما أن حزب العمال كلف أحد أعضاء قيادته بتمثيل الحزب ما كان من الممكن أن يتواجد حمة ضمن هذا الفريق. ومن جهة أخرى فقد طلب عدد من الأمناء العامين أنفسهم من حمة عدم الحضور في النقاشات المتعلقة بمسألة الناطق الرسمي والترشح للرئاسية بما أنها تعنيه هو شخصيا وهو ما يجعل من حضوره محرجا إذ من شأنه أن يضيق على حريتهم في إبداء رأيهم بهذا الخصوص إن إيجابا أو سلبا، وبعبارة أخرى فإن الناطق الرسمي حاول قصارى جهده النأي بنفسه عن الصراع الذي عرفته الجبهة سواء بعلاقة بمرشح الجبهة للرئاسية أو لخطة الناطق الرسمي حفاظا منه على صفة الحياد ومن أجل تسهيل مهمة الأمناء العامين في التوصل إلى حل توافقي.
ولتكن الأمور واضحة لا بد من التذكير بأن حمة لم يتشبث مطلقا لا بالبقاء في خطة الناطق الرسمي ولا بالترشح للرئاسية. ففي هذا الإطار سبق وأن طلب من المجلس المركزي تخصيص جلسة من جلساته لتغيير الناطق الرسمي. وقد جاء هذا الطلب في رسالة رسمية بلغت كل أعضاء المجلس وتم مؤخرا نشرها في موقع الحزب لكشف الحقائق وإنارة الراي العام ومناضلي الجبهة خصوصا (6). أما بخصوص الترشح للرئاسية فإن الجبهة الشعبية سبق وأن أقرت مبدأ المشاركة واستغلال الترشح للرئاسية كمناسبة من مناسبات التعريف بالجبهة ونشر أفكارها ومواقفها ومشروعها وليس بغاية دخول قصر قرطاج تماما مثلما يقع استغلال التواجد في البرلمان من أجل فضح اختيارات الرجعية وتقديم البدائل للشعب وليس بوهم المشاركة في الحكم أو الاستفادة من الكراسي. وقد جاء ترشيح حمه بناء على قرار من قيادة حزب العمال كمساهمة منها في المجهود السياسي العام للجبهة ولم تكن برغبة شخصية منه. مع العلم أن حمه لو كان حقا يرغب في المواقع لما كان فسح المجال مثلا في انتخابات التأسيسي عام 2011 ومجلس نواب الشعب عام 2014 لرفاق ورفيقات آخرين له لكي يترأسوا هم القائمات ويعمل هو على إسنادهم في حملاتهم الانتخابية في مختلف أنحاء البلاد.
في الختام نذكر بالحكمة البليغة القائلة “الحيلة في ترك الحيل” التي وللأسف لم يعمل بها الوطد الموحد، إذ كان من مصلحتهم ومصلحة الجبهة الكشف عن نواياهم وطلباتهم بوضوح وصراحة منذ البداية. فالجميع في الجبهة كان يعلم أن منجي الرحوي بدأ حملته مبكرا ليكون هو المرشح للرئاسية في 2019 وعوض أن يقنع الناس بذلك عن طريق نشاطه وإسهامه في تطوير الجبهة سياسيا وتنظيميا وميدانيا والتشبث بأرضيتها والدفاع عنها في وجه الخصوم والأعداء فقد تراءى له أن الطريق الوحيد لتحقيق هدفه هو تشويه حمه وقيادات الجبهة إشباعا لنرجسيته وغروه الشخصي من جهة والتودد لبعض أجنحة الحكم والبورجوازية لتقبل به. كما أن الغالبية كانوا على وعي أيضا بأن تعمّد الوطد الموحّد تعطيل نشاط الجبهة كان لنفس الغرض ظنا منهم أن أي نجاح للجبهة (خاصة في الانتخابات البلدية) سيحسب لحمه ولقادة الجبهة الحاليين وينقّص من حظوظ منجي وحظوظهم سواء في كسب ورقة الترشح للرئاسية أو تولّي خطة الناطق الرسمي. وفي الحقيقة كان من الممكن اختصار كل هذه المسافة وتلافي كل هذه الأزمة. فلا أحد ينكر على الوطد الموحد حقهم في ترشيح من يريدون للرئاسية أو لخطة الناطق الرسمي. ولا نذيع سرّا أن أكثر من أمين عام أسر للأمين العام لحزب الوطد الموحد بأنهم لو رشحوا للرئاسية قياديا آخر من حزبهم عدا الرحوي، لوجدوا حقا حرجا في التعاطي مع ذلك الترشح أما أن يرشحوا الرحوي فمعناه أن الوطد الموحد اصطف وراء مواقفه اليمينية المنافية لأرضية الجبهة وخطها السياسي وعلاقاته بقصر قرطاج. ونحن نتفهم اليوم عجز الوطد الموحد عن التراجع عما ورطوا أنفسهم فيه بدافع الكبرياء الكاذب ورفض مبدأ النقد والنقد الذاتي الذي يطالبون به الغير ولا يطبقونه هم. نقول ذلك لأن الجميع على علم بالوساطات التي يلهث الوطد الموحد وراءها “تحت الطاولة” عبر منظمات وطنية وشخصيات مستقلة وإعلاميين وإطارات في أحزاب الجبهة بينما كان الأفضل والأجدى والأكثر مبدئية وثورية هو أن يختصروا المسافة ويعترفوا بأخطائهم ويكفّوا عن التشهير أمام ملايين التونسيات والتونسيين برفاقهم الذين جمعهم بهم النضال منذ سبعة أعوام تحت سقف الجبهة الشعبية وعن تخوينهم بالتخفي وراء صورة الشهيد شكري بلعيد الذي ساهم هو والشهيد الحاج البراهمي في بلورة أرضية الجبهة وصيانتها في حياتهما وقبل أن تختطفهما يد الغدر، ويٌقْدموا على قرار الشجعان بطرح التجاوز المبدئي والصريح معهم.
إن تكتيك تركيز السهام على حمه تكتيك فاشل ولا طائل من ورائه علاوة، على أنه غير أخلاقي. إن حمه حافظ على مدى سبع سنوات على خط الجبهة ودافع عنه بتماسك وكان وفيا في تصريحاته ومداخلاته لما يتفق عليه رفيقاته ورفاقه الذين لا يتوانى عن الإنصات إلى ملاحظاتهم ونقودهم وحتى احتجاجاتهم أحيانا، وهو سرّ رضاء غالبية قيادات الجبهة الشعبية على أدائه، وثقتهم به.
ويا جبل ما يهزّك ريح…
إحالات للتثبت ومزيد الاطلاع
( 1 ) – انظر على الرابط التالي :
( 2 ) – انظر على الرابط التالي :
https://www.tuniscope.com/ar/article/102477/arabe/actu-arabe/mongi-283623
( 3 ) – انظر الرابط التالي :
( 4 ) – انظر الرابط التالي :
https://www.babnet.net/rttdetail-147968.asp
( 5 ) – انظر الرابط التالي :
https://www.babnet.net/rttdetail-167534.asp
( 6 ) – انظر الرابط التالي :