يتابع الرأي العام العالمي منذ أيام تطوّرات الأحداث في قضية حبس الرئيس البرازيلي الأسبق لولا داسيلفا بعدما نشر موقع “ذي انترسبت” للصحافة الاستقصائية وثائق تورّط بعض القضاة والأجهزة القضائية الذين يعتبر الموقع أنّهم تصرّفوا في خرق تامّ لقوانين البلاد وأنّهم أقحموا الجهاز القضائي في صراع سياسي رجّح كفّة قوى اليمين المعادية للرئيس لولا ومكّنهم من الفوز في الانتخابات الأخيرة.
كشف الموقع المذكور السابق في التقرير الذي نشره يوم 9 جوان الجاري عن جملة من المكالمات الهاتفية والإرساليات المشفّرة التي تبادلها المدّعي العام سرجيو مورو الذي تولّى إدارة القضية الشهيرة “لافا جاتو” (التّطهير السريع) والمندرجة ضمن مقاومة الفساد مع عديد قضاة التحقيق المكلّفين بالملف وخاصة مع القاضي الذي حكم في القضية وأدان لولا وأودعه السجن دون أدلّة إدانة كافية حسب عديد المراقبين. وقد زاد من صدقيّة هذه الوثائق مجازاة المدعي العام سرجيو مورو بتعيينه وزيرا للعدل في حكومة الرئيس اليميني بولسونارو.
وقد أثبتت الإرساليات التي تمّ الكشف عنها خواء القضية المعروفة تحت اسم “البيت ذي الطوابق الثلاثة”، والذي اتّهم “لولا” بملكيّته دون وجه حق، من كل مستندات قانونية، وهو ما يعني أن الحكم الصادر ضدّه فيها والقاضي بسجنه لمدة ثماني سنوات لم يكن إلا الغطاء القانوني لحرمانه من الترشّح للانتخابات الرئاسية في الوقت الذي كانت كل عمليات سبر الآراء تسند له الفوز فيها.
كما أثبت التقرير المنشور بالمستندات كيف حرم “لولا” من إيصال صوته بضعة أسابيع قبل إجراء الانتخابات عبر حوار سمحت المحكمة العليا لإحدى كبريات صحف ساو باولو بإجرائه معه ، وكيف أن القضاة المورّطين في مؤامرة إدانته عبّروا صراحة في الإرساليات المتبادلة بينهم عن خشيتهم من عودة حزب العمال إلى الحكم. وأظهر بما لا يدع مجالا للشك أنّ عمليّة حبس لولا لم تكن سوى حلقة من حلقات المخطّط الذي بدا باستهداف “ديلما روسيف” التي تمّ إزاحتها من الرئاسة بما أصبح يُعرف بمهزلة الانقلاب البرلماني.
وأمام كل هذه المعطيات، عادت قضيّة سجن لولا من جديد إلى السّطح وأصبحت تتبنّاها قطاعات عديدة من الرأي العام الشعبي والديمقراطي، فتكثّفت المطالبة ليس فقط بإطلاق سراحه الفوري، بل وكذلك ملاحقة المتسبّبين في هذه المهزلة “القضائية” وعلى رأسهم وزير الدفاع الحالي الذي كُلّف في السابق بحياكة كلّ خيوط هذه المؤامرة. ولم يعد حتى وليّ نعمته بولسونارو قادرا على الدفاع عليه، بل إنّه فضّل مقاطعة ندوة صحفية كان يعقدها حالما وجّه له سؤال بهذا المعنى، وهو اليوم غير قادر على منع مثول وزيره للعدل أمام لجنة التحقيق التي شكّلها مجلس الشيوخ تحت ضغط الرأي العام الشعبي والديمقراطي.
وتسعى اليوم وسائل الإعلام ذات الانتشار الواسع والمملوكة لشركات عابرة للقارات مثل صحيفة “فانتاستيكو” و”تلفزيون العالم” (غلوبو تي في) إلى مواصلة بثّ الأكاذيب بخصوص الملفات المذكورة والتقليل من تأثير المعطيات الجديدة على الرأي العام الشعبي لكبح حملة المقاومة، واعتبار أن إدانة لولا من تحصيل الحاصل ولا يمكن التراجع فيها تحت أيّ مسمى. وهي عيّنة ناصعة على الكذبة الديمقراطية لمّا يتحكّم في مجرياتها المال الفاسد والإعلام المأجور.
إن المطالبة بالحرية ل لولا داسيلفا لم تعد اليوم مقصورة على رفقائه وأنصاره من حزب العمال الذين يرابطون منذ اعتقاله في اعتصام مستمر أمام سجنه في مدينة كورتشيبا، بل إنها أصبحت تحرّك قطاعات نقابية وحقوقية وشعبية عديدة جعلت منها أحد مطالبها الأساسية، وحوّلتها من أروقة المحاكم المظلمة إلى الشوارع والميادين والساحات. فما من تحرّك وما من مظاهرة، مهما كانت مطالبها المباشرة، إلاّ وجعلت من قضية إعادة الحرية ل لولا هدفا من أهدافها.