خمسة أحزاب هي حزب العمال والتيار الشعبي وحركة البعث والحزب الاجتماعي للحرية والتقدم والوطد الاشتراكي تشكّل اليوم الجبهة الشعبية في نسختها الرابعة.
وهي المكونات التي بقيت وفية للخط الثوري الذي تأسست عليه الجبهة وتواصل المسيرة على طريق تحقيق أهداف الثورة وفاء لشهداء الجبهة الشعبية وللشّعب التونسي الذّي أسقط أشرس الدكتاتوريات بحثا عن الشّغل والحريّة والمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية.
في حين يصر حزب وحيد هو الوطد الموحد والمنسق العام لليسار العمالي ممثلا في شخصه دون موافقة حزبه على المضي نحو مغادرة الجبهة بعد اسقاط السقف على الجميع في تنفيذ لمهمّة تخريبيّة ستكشف الأيام القادمة عمّن يقف وراءها.وهو ما دفع عناصر قيادية من اليسار العمالي لاصدار بيان أكدت فيه تمسّكها بالجبهة الشعبية واستعدادها لمواصلة النضال في صفوفها.
ويقف حزبان هما الطليعة والقطب في منتصف الطريق بين الطرفين مع استقالات من قيادة الحزبين وخاصة صلب القطب ( 8 عناصر قيادية اصدرت بيانا تعرب فيه عن استقالتها من حزب القطب و تمسكها بالجبهة الشعبية). واستقالة مناضل قيادي من الطليعة والتحاقة بحركة البعث.
طبيعة الصراع لئن اتخذ الصراع في بدايته شكل “تجاذب” بين حزبين (العمال والموحد) و”تنافس” بين شخصين ( حمة الهمامي والرحوي) فانه في الحقيقة والواقع صراع بين تصورين سياسيين الاول يرى في الجبهة تنظيما مستقلا عن الائتلاف الحاكم ,يعمل من خارج المنظومة لتحقيق اهداف الثورة وتغيير واقع التونسيين تغييرا جذريا عبر حركة الشارع مع اعتماد الانتخابات كآلية لتحسين موازين القوى, وبين تصور ثاني يقوده الموحد وبعض المستقيلين من حزب العمال يرى في الجبهة كيانا سياسيا مرنا مفتوحا لكل الديمقراطيين الذين يجمعهم حد ادنى ديمقراطي اجتماعي مع امكانية التقاطع مع بعض طراف الائتلاف الحاكم من اللليبراليين لمواجهة “العدو الرئيسي” (النهضة ) أي بلغة اوضح المواصلة في تكتيك جبهة الانقاذ واعتماده برنامجا استراتيجيا مجمعا للمكونات والمجموعات التي تريد الانضمام الى صفوف الجبهة الشعبية مع التعويل على الانتخابات كآلية اساسية للوصول الى الحكم وعدم نفي المشاركة في الحكومات الليبرالية.
لقد شقت الجبهة الشعبية منذ التاسيس نزعات يمينية اصلاحية واخرى يسراوية كانت دائما في حالة صراع يتمظهر من خلال السلوكات والمواقف المتناقضة سواء في المحطات الانتخابية واثناء التحركات الاحتجاجية عندما تحتد المواجهة مع منظومة الحكم او عند رسم التكتيكات والمهمات العملية (الانتخابات العامة المبكرة – مبادرة الجبهة الشعبية لاسقاط حكومة الشاهد…).
ولئن تراجعت اصوات اليسراويين لتنحصر في بعض الاوساط الصديقة للجبهة فان النزعات اليمينية تنامت واشتد عودها وباتت تطل براسها من اكثر من جهة ومكون واصبح حزب الوطد الموحد خلال الازمة الاخيرة التعبيرة المنظمة بامتيازعن الخط اليميني داخل الجبهة بعد ان كان مقتصرا على تيار داخل هذا الحزب بقيادة المنجي الرحوي.( صوت الشعب الالكتروني تناولت هذا الموضوع باطناب من خلال عديد النصوص القيمة التي يمكن الرجوع لها). ان التركيزعلى مسالة الملكية الفكرية “الباتيندة” ومحاولة السطو على “الشقف” واحقية العودة الى المجلس المركزي المنتخب من عدمها او المواصلة في الاعتماد على مجلس الامناء, ومسؤولية الناطق الرسمي في ادارة الازمة التي تضيق وتتسع وفق منطلقات وزوايا نظر كل شخص…يخفي وراءه الجوهر الحقيقي للخلاف/الصراع الذي يبقى صراعا سياسيا بامتياز بقطع النظر عن الاحقية القانونية.
الجبهة الى اين لقد وصل الصراع داخل الجبهة اليوم الى مرحلة اللاعودة.ليس بسبب التعنت والهروب الى الامام مثلما يفهم البعض بل لان المواقف متباينة الى درجة لا تحتمل التوفيق بينها.وامام الجبهويين طريقان على كل مكون اختيار الطريق التي تنسجم مع قناعاته ورؤيته للعمل المشترك برنامجا وخطا سياسيا وتنظيما.
الخلافات في السابق كانت قابلة للتجاوز والتطويق.وكانت روح الحفاظ على الجبهة موحدة وباي ثمن هي السائدة خاصة بعد الاكتواء بنار الاغتيالات التي مست خيرة القيادات الجبهوية.وربما كان هناك احساس بان اي انشقاق او انقسام هو بمثابة الطعنة من الخلف لشهداء التاسيس..لكن مع الوقت وفي خضم الصراع الاجتماعي والسياسي وفشل الجبهة الشعبية في البروز كقوة بديلة, اتضحت المواقف والتوجهات اكثر ونضجت ولم يبق سوى الحسم لفائدة هذا الخط او ذاك.وقد اكدت عشرات الندوات والجلسات بما تخللها من حوارات وصراعات ان الحسم هو الحل وان المواصلة كما في السابق باتت مستحيلة.والقول بان المستقيلين من كتلة الجبهة عبروا عن استعدادهم للتراجع في الاستقالة هو كلام لا يجد ما يرره في سلوك المنسحبين.
كل المكونات وجدت نفسها امام حتمية الانخراط في الصراع والاختيار بين تصورين.ولم يعد امامها متسع من الوقت للبقاء على الربوة.لقد انفجرت الصراعات والاستقالات في اكثر من مكون وبالجملة احيانا وبصورة خاصة داخل الاحزاب المترددة التي خيرت البقاء على الربوة محاولة احيانا الركوب على الخلاف والاستفادة منه.والاكيد ان هذه الصراعات والاستقالات ستتواصل لتفرز تشكيلات جديدة ستعزز صفوف الجبهة ,جبهة التاسيس.كما ان البرنامج العام للجبهة وارضيتها السياسية وعلاقاتها الداخلية والخارجية واساليب عملها المستقبلية ستكون بحاجة الى مزيد التعميق والبحث والتوافق. المشروع الوطني الكبير سيتحول من مجرد عناوين عامة الى برامج ملموسة مرتبطة بواقع الشعب ومستجيبة لانتظاراته.
والجبهة الشعبية في نسختها الرابعة ستستفيد من تجربتها ومن خلافاتها لتكون اكثر وضوحا وجاهزية وفاعلية وستعمل باكثر وحدة وانسجاما.وهو ما سيفتح امامها طريق الانغراس على نطاق واسع لتربط مع جمهورها الطبيعي. لقد اكدت عملية تشكيل التنسيقية الوطنية لشباب الجبهة التي تمت بسرعة ودون عناء والمضي في اعداد برنامج عمل وشروع المكونات النسائية للجبهة في الاعداد لبعث تنسيقية نسائية والحسم بسرعة في توزيع الدوائر الانتخابية بين مختلف المكونات والروح التعاونية التي تسود في عملية تشكيل القائمات ان الجبهة الشعبية في نسختها الرابعة باتت اكثر انسجاما واستعدادا للعمل المشترك.وهي مؤشرات ايجابية على امكانية انطلاقة جديدة مثمرة وبناءة.وما على الجبهويين الصادقين حملة المشروع البديل سوى الانخراط بعزيمة فولاذية في تطوير وتجذير المشروع الوطني الديمقراطي الشعبي.
علي البعزاوي