الفكرة
أذكر أن أحد الأصدقاء حدّثني عن رواية عجز عن إتمام قراءتها بتعلّة أنها مأساوية إلى درجة يستحيل معها أن لا تصاب بإحباط عند الانتهاء من تصفّحها فطلبت منه ان يسلمني إياها للاطلاع عليها وكانت مفاجأة الى حدّ الصدمة التي امتزجت بالمرارة والإحساس باللاّقيمة أمام حجم اليوميات المريرة التي تحدّث عنها بطل ” القوقعة ” وهو عنوان الرواية للكاتب السوري مصطفى خليفة.وكانت قراءتها قادحا للسؤال:هل لنا في تونس أدبا للسجون؟ لأنطلق بعدها في رحلة بحث ليست بالهيّنة ساعدني فيها الأستاذ علي الحربي بشكل كبير في اقتراح أسماء مساجين سياسيين حوّلوا تجاربهم السجنية إلى أعمال إبداعية بكل اقتدار.ولأكشف عالما رائعا من المجال الإبداعي الذي يستحق كل الاهتمام والدراسة ليكون ميلاد ملتقى أدب السجون في دورته الأولى سنة 2016.
التأسيس
لا يخفى على أحد أن أدب السجون على خطّ التماس مع السياسة وهذا يجعل من طرحه في جمعية ثقافية مغامرة كبرى خشية ان يتحوّل الملتقى بوقا للدعاية الحزبية ومخافة أن تتحوّل منصّته الى منبر للاستقطاب السياسي والدعاية الأيديولوجية لذلك كان الاختيار على ان يتمّالتعامل مع أدب السجون من زاوية ثقافية أدبية فنّية بحته تحتفي بالإنسان داخل السجين السياسي الذي ملّ من تعاطف الآخر فقط مع تجربته السجنية ليقدّم كمبدع مثير للإعجاب مثله مثل أي مبدع أخر في المجال الثقافي.وكانت البداية في مارس 2016 مع الدورة الألى والتي تضمّنت ندوة علمية بعنوان “أدب السجون: شهادة على النضال أم شهادة على الإبداع” مع معرض كتب سجنية وحفل فنّي لفرقة البحث الموسيقي وأصبوحة شعرية بعنوان “أنين الأقبية” يذكر أنه ماكان للملتقى ان يتمّ لولا الدخول في شراكات متفاوتة مع دار الثقافة عبد الحكيم عبد الجواد بقصيبة المديوني والمندوبية الجهوية للثقافة بالمنستير والاتحاد العام التونسي للشغل جهويا ووطنيا
المسار
ما كان لملتقى أدب السجون أن يتواصل وأن يحقّق نجاحه لولا الشراكة الفعلية للمبدعين الذين لم يتردّدوا في المساهمة في كل فعالياته سواء بإلقاء المحاضرات أو القراءات الشعرية او حتى المرافقة الموسيقية ليسجّل الملتقى مشاركة أسماء وازنة جدا كانت سببا في إشعاعه وطنيا وعربيا وحتى دوليا.جلب الملتقى،في الدورتين الأولتين، أنظار الكثيرين ممّن عاشوا التجربة السجنية أو غيرهم من المبدعين الشيء الذي دفع بهيئته المديرة إلى مزيد الإشتغال على أهدافه والسعي الى توسيع آفاقه بانفتاحه على أشكال أخرى من السجون وهي السجون اللاّمرئيّة التي كانت مدخلا لمشاركة عدد أكبر من المبدعين فسجّلت الدورة الثالثة مشاركة أخصائية نفسية ورسّامة تشكو من إعاقة عضوية وأمنيين مبدعين مع حضور أسماء وطنية كجلول عزونة ويوسف الصديق وسليم دولة وصلاح الدين الجورشي وغيرهم ممن أثروا الملتقى بمداخلاتهم الفكرية.
الأهداف
إن ملتقى أدبيا يهتمّ بأدب السجون يحتاج الى رؤية ثاقبة ومرجعية فكرية راسخة حتى يؤسس إلى مشهد ثقافي مسؤول يؤسس إلى غد أفضل لوطن كلّ ما فيه يشجّع على العيش المشترك ويجعل منه ارضا يطيب فيها العيش.طبعا لا يمكن لهذه المرجعية أن تكون حزبية ضيّقة فحينها ستصبح كل الفقرات موجهة لغايات غير ثقافية وهو ما يرفضه كل أعضاء الهيئة المديرة رفضا قاطعا، ليكون إحساسهم العميق بالمواطنة هو القادح الأول في المبادرة لتتّحدد معها الأهداف الأساسية لهذه التظاهرة الثقافية المتفرّدة في تونس وفي الوطن العربي بأكمله ولعل أهم الأهداف هي الدعوة إلى قراءة جديدة للتاريخ وأخذ العبرة مما حدث زمن الاستبداد حتى نكون قادرين على المحافظة على مكاسب الثورة وأعنى هنا بالأساس الديمقراطية وحرية التعبير.كما جعلنا من أهدافنا الاحتفاء بالإنسان كمبدع يحتفي بالحياة ويعتقد في جدوى الحرف والكلمة كإطار جامع وكقاسم مشترك بغض النظر عن مأساوية التجربة للسجين السياسي أو الإكراهات الوظيفية لرجل الأمن وفي هذا الإطار كان السعي للمّ الشمل وتوفير أجواء حميميّة تشجّع على المصالحة النفسية التي هي أقصى ما نتمناه كمنظمين ويبقى المجال الإبداعي هاجسا للملتقى باعتبار أنه ملتقى أدبيا وفكريا غايته الحرف الجميل والكلمة الطيبة واللحن المميّز
العوائق والتحديات
ككلّ بادرة ثقافية تحتاج إلى الترسيخ مازال ملتقى أدب السجون يتلمّس طريقه كي يكون محطة ثقافية رسمية تحظى باهتمام سلط الاشراف سواء في المركز أو في الجهة، إذ نسجّل بكلّ أسف الغياب الكامل للمسؤولين في الدورات الأربع، باستثناء المندوب الجهوي للثقافة بالمنستير، وهو موقف مستغرب فعلا لا نعلم له سببا.كما نسجّل كذلك استغرابنا من الدعم الضئيل للملتقى الذي شهد القاصي والداني بنجاحه ونتساءل كيف نتعامل بلامبالاة مع ملتقى ذي خصوصية يعتبره كل المهتمين بالشأن الثقافي علامة مضيئة لجهة المنستير.أرجو من الجميع ان يتفهّم أن ملتقى أدب السجون ليس ملتقى عبد الحكيم ربيعي بل ملتقى جمعية صالون الربيع الثقافي التي هي جزء من النسيج الجمعياتي لمعتمدية قصيبة المديوني ولولاية المنستير.لن يطول إشرافي على الملتقى سأنسحب حين تنتهي مهمتي في الجمعية وسيبقى الملتقى مكسبا للجهة فحافظوا عليه.
حاوره: سمير طعم الله