لمواجهة انتشار فيروس “كورونا” أعلنت رئاسة الحكومة مؤخّرا جملة من الإجراءات منها الموجّهة لأصحاب الدخل المحدود و عمّال النظافة، وهذه الإجراءات كانت مركّزة لديها بما فيها الإجراءات أو المبادرات الراجعة بالنظر للمجالس البلدية.
بخصوص جملة الإجراءات المعلنة، حاورت “صوت الشعب” الخبير الاقتصادي والمستشار البلدي ببلدية تونس الدكتور لطفي بن عيسى.
حاوره: لطفي الهمّامي
صوت الشعب: من خلال المعطيات المتوفّرة لديكم، هل أنّ الإجراءات المتخذة، منها الحجر الصحي العام، بصدد تطويق الوباء في جهتكم؟
قبل إقرار الحضر الصحي بيوم ومنع الجولان بيومين انعقدت جلسة استثنائية للمجلس البلدي لمدينة تونس وذلك يوم الاثنين 16 مارس 2020 أُقِر إثرها حزمة من الإجراءات الملحّة لغاية الترفيع من درجة الحذر والتوقّي من انتشار عدوى فيروس الكورونا تتمثّل في غلق الأسواق الأسبوعية بكامل المنطقة البلدية وكذلك حديقة البلفيدير والفضاءات الترفيهية والثقافية والرياضية وذلك لمدة شهر قابلة للتجديد. كما أقرّ المجلس غلق قاعات الألعاب والحمامات العمومية وحدّد عدد الحضور في مراسم إبرام عقود الزواج بكافة القاعات البلدية حسب مساحة القاعة وضبط عدد الحضور في مراسم الدفن. كما شدّد في شروط منح تراخيص إقامة الحفلات الخاصة، وأكّد على منع بيع الأكلة الخفيفة في محيط المستشفيات والمؤسسات الإستشفائية إضافة إلى التوصية بدعوة أصحاب المساحات التجارية الكبرى بتوفير مادة الجال المطهّر لاستعماله من قبل الحرفاء وتحسيسهم بتجنّب لمس السلع دون اقتناءها.
كما لاحظنا بعد أسبوعين من الحضر الصحي في الدوائر البلدية الخمسة عشرة التابعة لمدينة تونس تفاوتا كبيرا في احترام الحضر الصحي العام من حي لآخر مردّه تفاوت في الوعي بخطورة الوضع الوبائي من ناحية وتأخّر الحكومة في أخذ الإجراءات المصاحبة، الاجتماعية والمالية الاستثنائية، الضرورية وارتباك في خطّتها الاتّصالية ما انجرّ عنه الازدحام في أكثر من مكان وخاصة في الأسواق اليومية وأمام مكاتب البريد ومقرّات السلط المحلية والجهوية وكذلك حالة من الاحتقان الاجتماعي وبداية التحرّكات الاحتجاجية في بعض الأحياء نتيجة فقدان موارد الارتزاق اليومي بالنسبة إلى عدد كبير من أصحاب المهن الهشة و وارتفاع أسعار العديد من مواد الاستهلاك الأساسية وندرة البعض منها في المسالك التجارية القانونية بفعل الممارسات الاحتكارية .
و لئن سجّلت دوائر بلدية تونس أرفع عدد من الإصابات فهي لم تصنف كبؤرة وبائية باعتبار أن أغلبها حالات مستوردة وسجلت إلى اليوم فقط حالة وفاة. لكن عدد الإصابات مرشّح للارتفاع في مختلف الجهات حسب التوقعات وهوما استوجب التمديد في مدة الحجر الصحي العام على مستوى وطني إلى غاية يوم 19 افريل الجاري.
صوت الشعب :تعمل الحكومة على مركزة اتخاذ القرارات والإجراءات، وقد وجّهت في الغرض مراسلة تهم البلديات، ألا يعتبر ذلك حدّا من مبادرات البلديات، وكيف تفهمونه؟
فعلا وجهّت رئاسة الحكومة منشورا إلى الجماعات المحلية بتاريخ 25 مارس 2020 تدعو فيه إلى عدم اتّخاذ تدابير خارج إطار القرارات التي تم الإعلان عنها من قبل الحكومة ومراجعة سلط الإشراف وجوبا وبصفة مسبقة في صورة ما اقتضت الضرورة اتخاذ إجراءات أخرى من قبلها حول هذا الموضوع وذلك تبعا لمبادرات جهوية في مجال النقل بين المدن للحد من انتشار الوباء.
في هذا الصدد لا بدّ من التذكير أنّ مجلة الجماعات المحلية التي أطلق عليها اسم “الدستور الصغير” قد أقرّت مبدأ التدبير الحرّ بالنسبة إلى الجماعات المحلية في أكثر من مجال ويتعيّن على السلط المركزية احترام هذا المبدأ وتجنب خرقه خاصة في هذه الظروف الاستثنائية كما توحي به نبرة المنشور المذكور.
أما المبادرات السابقة واللاحقة للمجلس البلدي لمدينة تونس فهي تدخل ضمن صلاحياته القانونية لأنها مبنية على سياسة القرب التي تميز العمل البلدي من خلال إلمامه بواقع المواطنين بمختلف انتماءاتهم الطبقية واطّلاعه الدقيق على مشاغلهم اليومية.
إنّ التنسيق مع السلط المركزية يصبح مُلزما للبلديات كلّما تعلّق الأمر بإجراءات تدخل ضمن الصلاحيات المشتركة كما نص على ذلك الفصل 243 من مجلة الجماعات المحلية مثال ذلك الإجراء المتعلق بغلق الملاعب حيث استوجب ذلك التنسيق مع وزارة الشباب والرياضة تجنبا لأي تعقيدات على مستوى تطبيق الروزنامة الرياضية. كما أن بلدية تونس بعثت مركز نداء (centre d’appel) بمقر البلدية بالقصبة خاص بالأشخاص المشتبه بإصابتهم بفيروس الكورونا وذلك للتخفيف عن رقم 190 التي وضعته وزارة الصحة والمتعلق بالطب الإستعجالي (SAMU) وذلك بالتنسيق مع مصالح الوزارة المذكورة.
صوت الشعب: مع استمرار الحجر الصحي العام وتعاظم النقص في المواد الغذائية، ما هو دوركم في هذه الحالة؟
أوّلا الإشكال لا يتعلّق بمخزون المواد الغذائية الذي يبدو أنه يلبّي الحاجيات الاستهلاكية، بقدر ما يتعلق بمسالك توزيعها. لذا يتعيّن على الحكومة التصدي للمحتكرين بأكثر صرامة والتعاطي مع عمليات الاحتكار كجرائم حرب، فعلا لا قولا، وتنويع آليات التزويد ومراقبة المسالك التجارية بأكثر نجاعة.
ثانيا وبقطع النظر عن الإجراءات المعلنة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية المتعلقة بالمساعدات المالية والعينية لفائدة الشرائح الاجتماعية المعوزة والهشة والتي كان عليها التنسيق مع السلط المحلية عند إعدادها، فبلدية تونس تعتزم تقديم مساعدات اجتماعية عينيّة استثنائية (مواد غذائية أساسا) لفائدة بعض الأسر الأكثر احتياجا القاطنين بمختلف الدوائر البلدية وذلك بناء على قاعدة بيانات متوفّرة لدى مصالحنا ووفق آليات جديدة تشرك المجتمع المدني في هذا العمل هي الآن تحت الدرس.
صوت الشعب: عمّال النظافة في الخط الأول، وهم عرضة للمخاطر مثلهم مثل الإطار الطبي والشبه الطبي. هل سخرت لهم البلدية الأدوات الضرورية للوقاية؟
أعدّت بلدية تونس خطة لمجابهة وباء الكورونا بكامل الدوائر تتمثل في عمليات التنظيف والتعقيم بصفة مستمرة بالتنسيق مع إدارة حفظ الصحة وحماية المحيط الحضري بإدارة النظافة والشرطة البيئية وبعض مكونات المجتمع المدني. وقد شملت المستودعات والمحلات البلدية وعربات الميترو ومحطات الحافلات والميترو الخفيف وعربات النقل الجماعي والمؤسسات العمومية والخاصة والمنشآت الدينية والتربوية والمنشآت البلدية والمؤسسات الأمنية والثقافية والتجارية والصناعية والمؤسسات الاستشفائية والمقاهي والمطاعم والأسواق اليومية والاسبوعية والعمارات والأحياء السكنية بما في ذلك الأنهج والأزقة وغيرها من المرافق.
وحرصا على سلامة الأعوان البلديين تم وضع على ذمتهم ما يحتاجونه من بدلات ونظارات وقائية وكمامات وقفازات وأقنعة وأحذية وغيرها من وسائل الوقاية لحمايتهم من تأثيرات عمليات التعقيم ورفع الفضلات.
وفِي الأخير نرجو أن يتجاوز شعبنا هذه المحنة وأن تكون لنا هذه الجائحة درسا لنا وللإنسانية جمعاء أن تكون مقدراتها وإمكانياتها لفائدة الرأسمال الحقيقي: الإنسان؛ من أجل رقيّه وكرامته وعزته وأمنه وسلامته.