بدأ رئيس الحكومة حواره التلفزي ليوم الخميس 2 أفريل الجاري بالجانب الصحي والعلمي. وعدّد 455 حالة إصابة في كامل أنحاء البلاد، منها 27 حالة في المستشفى، دون بيان عدد الحالات الخطيرة منها. واعتبر رئيس الحكومة أنّ الوضع الصحي تحت السيطرة. إن هذا الحكم هو من قبيل الدعاية السياسية ولا يستند إلى منهجية علمية إذ أنه لا يمكن الحكم على الوضع الصحي إلا بتقدير علمي لعدد المصابين، و هذا لا يتمّ إلا بتعميم التحاليل المخبرية. غير أن تونس أجرتْ إلى حدّ الآن عددا محدودا من التحاليل المخبرية (5 آلاف تحليل منذ بداية الوباء في تونس مقابل ما بين 300 ألف و500 ألف تحليل مخبري أسبوعيّا في ألمانيا مثلا)، وبالتالي ليس لرئيس الحكومة ولا لفريقه العلمي القدرة على الخروج علينا بهذه الأحكام إلا بعد تعميم التحاليل، ودون ذلك فليس إلا دعاية سياسية لتغطية قصور المقاربة التونسية على مواجهة الوباء المستجد. وهي مقاربة تستنسخ بشكل آلي الاستراتيجية الفرنسية والإيطالية التي قامت على الحجر التدريجي وعلى التحاليل الموجّهة لمن لهم أعراض خطيرة ولمحيطهم الضيق. ولقد فضحت الإحصائيات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية فشل هذه المقاربة إذْ تجاوز عدد المصابين في فرنسا الـ58 ألف وتجاوز عدد الوفيات الـ5 آلاف. أمّا في إيطاليا فعدد المصابين تجاوز 115 ألفا وعدد الوفيات 13 ألفا، وبالمقابل لم يتجاوز عدد الوفيات في ألمانيا 145 من جملة 80 ألف شخص مصاب.
أمّا بالنسبة إلى التحاليل المخبرية فقد صرّح رئيس الحكومة أنّ العدد المتوفّر حاليا هو 6 آلاف اختبار PCR مع اقتناء 20000 اختبار في القريب العاجل. ونحن نرى أنّ الإمكانيات المخبرية لوزارة الصحة ووزارة التعليم العالي يمكن أن تؤمّن القيام بأضعاف هذا العدد من التحاليل المخبرية الناجعة، لكن ليس لهذه الحكومة من الجرأة السياسية لتوفير الاعتمادات المالية لتعميم التحليل المخبري وهذا ما كشفه لنا تلعثم رئيس الحكومة وتردده حين سئل عن الإجراءات التي قد يتخذها لحمل الأعراف في تونس على القيام بواجبهم المالي والمادي في مقاومة وباء كوفيد19. واستطرادا في حديثه عن التحاليل ذكر رئيس الحكومة أن تونس اقتنت 400 ألف اختبار سريع ستخصّص للإطار الصحي والأمني والعسكري. وننوّه هنا بأنّ نجاعة هذه الاختبارات السريعة متوسطة في الكشف عن وجود الفيروس بحكم حساسيتها (sensibilité) المنخفضة وهو ما أقرّ به رئيس الحكومة، ممّا يعني أنّ عددا غير معروف من المصابين وبدون أعراض من الأمن والصحة والديوانة والجيش سيواصلون نقل العدوى لزملائهم وإلى عائلاتهم. وهكذا لن نقدر على حصر العدد الحقيقي للمصابين وبالتالي سنعجز عن احتواء الوباء. كما أن رئيس الحكومة لم يجب عن سؤال بالغ الأهمية برأينا وهو غياب المخابر بالمناطق الداخلية خصوصاً وأنّ عدد الحالات في هذه المناطق / الجهات في ارتفاع متواصل، لكنه انجرّ إلى تبريرات شعبوية من قبل “الوسع باهي…”.
أمّا في علاقة بالحجر الصحي فقد شدّد رئيس الحكومة على نجاعته، وهو محقّ في ذلك شريطة تطبيقه، وصرّح أن نسبة احترام الحجر تقدّر بـ80%، ولا نعلم كيف قدّرها، ونحسبها أقلّ من ذلك بكثير خاصة في الأحياء الشعبية والقرى والأرياف ولعلّ ما تناقلته وسائل الإعلام من طوابير أمام مكاتب البريد والمعتمديات يدعّم رأينا. وهو يدلّ على تضخيم رئيس الحكومة لهذا الرقم في إطار دعايته السياسية.
أمّا عن استعدادات وزارة الصحة، فقد ذكر رئيس الحكومة أن الوزارة أعدّت 3 مراكز COVID+ بطاقة استيعاب جملية تقدر بـ100 سرير إنعاش للحالات الخطيرة، إضافة إلى 100 سرير إنعاش موزّعة على عدد من المؤسسات العمومية والخاصة، مع توفير 700 سرير آخر مجهّز بجهاز أكسيجين للحالات الأقلّ خطورة. لكن الفخفاخ لم يبيّن التوزيع الجغرافي للأسرّة، التي تتمركز في المدن الساحلية الكبرى وهو ما يطرح إشكالا لوجستياً لنقل المرضى وهو ما لم يتعرّض له رئيس الحكومة ومحاوروه. إن عملية نقل مريض في حالة خطيرة من ريف سليانة إحدى ولايات الشمال الغربي إلى أحد المستشفيات الثلاثة لن تكون سلسة في حالة عدم التحكّم في عملية النقل وإجراءات الوقاية.
لقد تحدّث رئيس الحكومة عن مسار لمرضى الكوفيد (circuit covid) لكنه لم يتحدّث إلى اليوم عن بروتوكول للتعامل مع المرضى في خضم وباء الكوفيد، والمقصود بالمصطلح الأول هو مجموع الإمكانيات والوسائل التي توضع تحت ذمة مرضى الكوفيد بعد التشخيص، أمّا المصطلح الثاني فهو يحيل إلى أسلوب التعامل مع جميع المرضى قبل التشخيص. إن عدم وجود هذا البروتوكول عطّل العمل بعدد من الأقسام الطبية التي ظهرت فيها حالات غير متوقعة من مرض كورونا والتي وقع غلقها في بداية الأزمة للتعقيم كما سبّب حالة من الهلع حتى لدى الإطار الطبي و شبه الطبي… إن وضع هذا البروتوكول وتعميمه على كل الإطار الصحي في القطاعين العام والخاص والأطباء في عياداتهم كفيل بإحكام خطة التعامل مع هذا المرض والأشخاص المشتبهين بالإصابة به وبالتالي حصر انتشاره.
وتعرّض الفخفاخ كذلك إلى وسائل الوقاية وأكّد توفّرها بالكميات الكافية، لكنه تحاشى إعطاء أيّ رقم، ممّا يشكك في دقة تصريحاته خاصة أنّ عديد المستشفيات مازالت تشكو نقصاً حادا للكمامات. وقد زلّ لسان رئيس الحكومة ليفصح لنا بأنّ الكمّامات هي من وسائل الوقاية، وهو ما يوصي به مركز الوقاية من الأمراض الأمريكي والصيني، لكن لم يبيّن إن كانت الكميات “المتوفرة” حسب زعمه تكفي لتوزيعها على عموم المواطنين. وفي سياق دعايته، صرّح رئيس الحكومة بوجود قرابة 20 ألف علبة “كلوروكين” (chloroquine)، لكن لم يبيّن أن هذا الدواء ما هو إلاّ في مرحلة الإختبارات السريرية المعمّمة لدراسة فعاليته ضد وباء كوفيد-19 وأنه توجد 4 أدوية أخرى محتملة تعطى للمرضى في إطار دراسة تشرف عليها منظمة الصحة العالمية. إن تونس ليست مشاركة في هذه الدراسة ولا تقوم إلى اليوم بأيّ اختبار سريري لدراسة مدى فاعلية هذه الأدوية، ويبدو أنّ تعميم استعمال “الكلوروكين” جاء بقرار سياسي مغلّف بتوافق علمي لم يطرح على نفسه الانخراط في دراسة منظمة الصحة العالمية إلى الآن.
وقد لمّح إلياس الفخفاخ إلى رفع الحجر الصحي في حال احترامه بشكل صارم خلال هذين الأسبوعين، وزعم بأن قرار رفع الحجر من عدمه يتخذ بعد استشارة مجلس علمي (لم يذكر تركيبته مع الإشارة إلى أنّ حزب العمال طالب بمجلس علمي متعدد الاختصاصات). ونشير هنا إلى أنّ رفع الحجر الصحي سيكون خطأ قاتلا إذا لم يأخذ بعين الاعتبار المسألتين التاليتين :
– حصر العدد الحقيقي لمجمل الحاملين للفيروس عبر تعميم التحاليل المخبرية الناجعة.
– تقدير دقيق لحالة المناعة الجماعية، خاصة أن التلاقيح لن تكون متوفرة قبل أشهر (يؤكد الصينيون أن النتائج الأولى للتلاقيح لن تظهر قبل شهر سبتمبر القادم).
ختاما نعتبر أن خطاب الفخفاخ لم يقدّم الأرقام والحجج الملموسة التي تجعلنا نطمئنّ إلى وجود استراتيجية وطنية فعّالة لمقاومة وباء كوفيد-19، وكان خروجه الإعلامي عملية اتصالية ذات خلفية دعائية غايتها تخفيف الاحتقان الاجتماعي الذي بدأ يتعاظم من خلال عودة التحركات الاجتماعية في الأحياء الشعبية والقرى النائية، رغم الحجر الصحي وحضر التجوّل. كما أنه في جانب منه يندرج ضمن الصراع المتفاقم حول الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث وهو صراع على حساب مصالح الشعب التونسي.
الدكتور وليد بالضيافي، مختص في الإعلامية المطبقة على البيولوجيا
الدكتور زياد بن عبد الجليل، مختص في العلوم البيولوجية
عن فريق البحث العلمي لحزب العمّال