“الكورونا” قاتلة وتنتشر بسرعة… تماما كالعنف ضدّ النساء…”
إيناس سبيحة
مع تواصل الحجر الصحّي العام والتزام المواطنات والمواطنين بالبقاء في المنازل يزداد القلق على الفئات المهمّشة والمفقّرة ويزداد القلق أيضا على أكثرهم عرضة للتهميش الاقتصادي والاجتماعي وكلّ أشكال العنف الجسدي، المعنوي والجنسي… والمقصود بذلك، النساء.
فكما أسدلت “الكورونا” الستار عن عجز النظام الرّأسمالي وإفلاسه، فإنّها قد عرّت وأكّدت حقيقة أنّ النساء هنّ الأكثر اضطهادا دائما والأكثر تضرّرا في الأزمات…
أرقام حالات العنف ضدّ النّساء في تصاعد
أكّدت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، تضاعف عدد الإشعارات على الرقم الأخضر 1899 بخمس مرّات خلال الفترة الممتدّة بين 23 و27 مارس 2020، ويأتي ذلك بعد إعلانها عن توفّره كامل أيّام الأسبوع 24/24 ساعة عوض العمل بالوقت الاداري.
ولم تنحصر هذه الظاهرة على البلاد التونسية. فقد شهدت حالات العنف ضدّ النساء ارتفاعا في بقيّة البلدان التي فرضت الحجر الصحّي العام. ففي الصين تضاعفت حالات العنف ثلاث مرات في بعض المناطق في أوّل أسبوع من الحجر الصحّي. أمّا فرنسا فقد شهدت ارتفاعا بنسبة 36%.
الحجر الصحّي والعزلة الاجتماعية تؤدّي إلى تزايد العنف
أكّد العديد من الخبراء أنّ الحجر الصّحي يؤدّي إلى زيادة التوتّر، ويعدّ مناخا تتزايد فيه وتيرة العنف بالأخصّ على الفئات الأكثر هشاشة في العائلة، أي النساء والأطفال. إنّ الكثير من النساء في العالم لسن معرّضات إلى خطر المرض والموت الناجم عن فيروس “الكورونا” المستجدّ فقط، بل هنّ أيضا معرّضات إلى خطر العنف الذي لسنا نبالغ إن قلنا إنه قد يُعرّضهنّ إلى الموت أيضا. فالعديد منهنّ لقين حتفهنّ جرّاء العنف الذي تعرّضن إليه أو بإقدامهنّ على الانتحار لوضع نهاية لمعاناتهنّ…
إهمال للنساء المعنّفات
كما جرت العادة فإنّ قضايا النّساء هي أولى القضايا التي توضع في خانة “موش وقتو” خلال الأزمات، رغم أنّ مثل هذه الفترات محدّدة في مدى تطبيق مبادئ حقوق الإنسان وضمان الحقوق الأساسيّة… فناهيك عن إكراه النساء على العيش مع معنّفيهنّ تحت سقف واحد دون القدرة على الخروج… فإنّهن يفتقرن إلى المعلومة عن كيفية الإبلاغ في حال تعرّضهنّ إلى العنف، بل إنّ أغلب النساء اللاتي يتعرّضن إلى العنف لا يعرفن أرقام الوحدات المختصّة لمناهضة العنف ضدّ النساء، كما أنّ من توجّهن إلى مراكز الأمن تعرّضن إلى اللاّمبالاة بتعلّة الظرف الحالي الذي تمرّ به البلاد.
هشاشة اقتصاديّة في ظلّ أزمة اقتصاديّة
في ظلّ النظام الرأسمالي، تشغل أغلب النّساء الأعمال الأكثر هشاشة (معينات منزليات، عاملات فلاحيات…) وتعانين من تدنّي الأجور وغياب التغطية الاجتماعية ناهيك عن أنهنّ الأكثر عرضة إلى الطرد في وقت الأزمات… وهاهنّ اليوم في ظلّ هذه الحرب على الفيروس وإعلان الحجر الصحي العام بلا عمل يضمن قوتهنّ اليومي وبلا مساعدات إلاّ من شملتهنّ إجراءات الحكومة التي نسيت أنّ هناك نساء يبقين تحت رحمة معنفيهنّ في هذه الأزمة، وأنّ هناك نساء يُعلن عائلاتهن بمفردهنّ رغم أنّهن مازلن متزوّجات قانونيّا… فبعض المعنّفين يستغلون هشاشة النساء الاقتصاديّة وحاجتهنّ إلى الأمان ليمارسوا عليهنّ ضغطا وعنفا مقابل توفير أبسط مقوّمات الحياة…
فضيحة الدّعوات إلى ممارسة العنف على النّساء
تعالت في هذه الفترة دعوات إلى ممارسة العنف ضدّ النساء في المنازل لتخفيف الضغط على الرجال في هذه الفترة… هذه الدعوات فضحت الكمّ الهائل من استبطان المجتمع التونسي للعنف ضدّ النساء وتتفيه هذه الظاهرة… هذه الدعوات تمثّل نقطة سوداء أخرى في هذه الفترة. وتساهم في رفع مستوى الضغط النفسي على النساء ومن إمكانية تعرّضهنّ إلى نوع من أنواع العنف على الأقل في ظلّ غياب كامل لأيّ حملة مناهضة لهذه الدعوات أو حملات بديلة للتحسيس حول نبذ العنف وأهمية التبليغ عنه.
آليّات حماية النّساء… دون تناغم تبقى دون أثر يُذكر
لئن زخر القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ النساء بآليات الحماية والوقاية من العنف إلّا أنّ قراءة بسيطة للواقع اليوم تُظهر دون تردّد ضعف تطبيقها. فناهيك عمّا ذكرناه سابقا من تهاون مع قضايا العنف في مراكز الأمن، فإنّ مجهود مختلف مؤسسات الدولة المعنيّة بقضايا النساء يبقى متوسّطا ولا يرتقي إلى المستوى المطلوب. وفي المقابل ورغم غياب الإمكانيات، تحاول بعض الجمعيات والمنظمات النسائية والنسويّة والحقوقية الدفع نحو إيصال معاناة النساء في هذا الوضع والتحسيس حول قضيّتهنّ. لكنّ كلّ هذا المجهود لن يكون مجديا دون تحمّل كلّ الأطراف مسؤولياتها لمجابهة هذا الفيروس القاتل الذي انتشر منذ قرون… فيروس العنف القاتل… تماما مثل “الكورونا”…
2020-04-05
إلى الأعلى