بقلم خالد الهدّاجي
نحن نحبّ الحياة ونعيشها بفنّ، نحب الإقامة على هذه الأرض بشكل جمالي لكن ذلك لا يكفي بل يجب أن نكون مصدر إزعاج وحقد لكلّ أعداء الحياة وأعداء الإنسانية. ومثلما قالها محمود درويش على “هذه الأرض ما يستحقّ الحياة”. لكن أيضا على هذه الأرض ما يكفي من حقد و كراهية وقتل وذبح وتجويع واستغلال وتدمير وجهل وتدجيل، على هذه الأرض ما يكفي من الظلم والظلام، على هذه الأرض ما يستحقّ أن نحترق لنضيء درب الإنسانية.. على هذه الأرض العطشى ما يستحقّ أن نرويها بدمائنا لنزرع ورود الحب والحرية، لنزرع بذرة الإنسان الفعلي الإنسان الذي ليس بعد.. في عالم الفوضى والوحشية هذا وحدهم الأحرار من يعرفون معنى الحب والعشق، ووحدهم من ينذرون دماءهم من أجل زراعة ورود الإنسانية الأحرار، وحدهم حملة الفوانيس في ليل الذئاب.. ولأنّ الحرية لا تتجزّأ فأن تكون حرّا ليس هو أن تفعل ما تريد و ليس أن تدافع عن حريتك الفردية بل هو أن تدافع عن مبدأ الحرية في حدّ ذاته لأنّ في غياب الحرية عن وطنك لن تكون حرّا وإن توهّمت ذلك.. حينها ستكون حرّا في اختيار البضائع والسلع وأنواعها في المتاجر والمغازات الكبرى ولن تكون حريتك إلاّ حرّيّة العبيد في اختيار أسيادهم..
لأننا نؤمن بالإنسان و بأنّ كلّ من يولد على هذه الأرض له الحقّ في أن يحيا وأن يحلم وأن يحبّ وأن يرقص، له الحقّ في التمتع بإنسانيته وكرامته.. مهما كان دينه أو عرقه أو لونه.. لكن على هذه الأرض ما يكفي من دماء سالت وما زالت تسيل بسبب الطائفة والعرق واللون.. يقول نيلسون مانديلا” أنّ الإنسان حين يولد لا يعرف الكراهية لكنهم يعلّمونها له وإذا كان باستطاعة الإنسان أن يتعلّم الكراهية فلماذا لانعلّمه الحب؟؟” يبقى السؤال مطروحا كوصمة عار على جبين الإنسانية التي يسود فيها كلّ شيء إلاّ الحب والتي تستباح فيها كرامة الانسان وكلّ الجرائم والفظائع ويحرّم فيها الحبّ.. ربما كان سؤال المناضل ضدّ العنصرية مانديلا سؤالا سيّء الطرح وجبت إعادة صياغته بشكل آخر كأن نتساءل من يعلّم الإنسان كلّ هذا الكره والحقد والوحشية؟ ولماذا؟ من ينشر الجوع والخراب والحروب ومن يثير الفتن والقبليات والصراعات العرقية والعنصرية؟؟ لا أريد أن أسيء الظنّ بالسيد مانديلا وأقول أنه ينطلق من منظور ليبرالي للمسألة وإن كان الأمر كذلك، لكننا نعرف من يثير كلّ هذا الحقد البشري ومن يتسبّب في كلّ هذه الأنهار من الدماء.. نعرف أنّ البورجوازية الرجعية والمتوحشة والمستكلبة هي تستنزف أحلام الشعوب في الحرية والكرامة وهي التي تزداد توحّشا وتعطّشا للدماء كلّما هدّدت مصالحها.. ونعرف أنها تلتجئ إلى الفاشية والإرهاب كلّما تعرّضت إلى الأزمات تكشف عن وجهها البشع والمعادي للإنسانية.
فبالنسبة إليهم كلّ شيء يجب سلعنته، الإنسان سلعة والدّين سلعة والحب بضاعة والديمقراطية وحقوق الإنسان ليست سوى الأقنعة الناعمة التي تخفي وراءها الوجه البشع “دراكولا الامبريالية” المتعطّش دوما إلى دماء البشر ليستمرّ في الوجود والتضخّم.. نعرف أنّ أعداء الحياة هم من ينشرون الحقد والعنف والفوضى فقط ليرقصوا على جثث المفقّرين والمستضعفين.. ونعرف نحن أبناء الحياة أنّ على هذه الأرض ما يكفي من الوحوش وذئاب الليل، على هذه الأرض ما يكفي لنقاوم ونقاتل من أجل من نحبّ لأننا لا نؤمن إلاّ بالإنسان والحبّ وهذه القضية تكفي لنكون على استعداد دائم لدفع حياتنا ثمنا للإنسان للحرية والحب والجمال…