الرئيسية /
أقلام /
من وباء الكورونا المُستجدّ إلى وباء رأس المال المُستبدّ
من وباء الكورونا المُستجدّ إلى وباء رأس المال المُستبدّ
الخوف هو شعور غريزي يبدأ معنا منذ أوّل يوم في حياتنا، وهو أقدم وأقوى عاطفة بشرية، وأقوى أنواع الخوف هو الخوف من المجهول، و”الخوف يهزم النّاس أكثر من أي شيء آخر” (نابليون بونابرت)، فعندما نكبر ينتابنا الخوف من الجوع والفقر والمرض والموت وفقدان الأحبّاء.
وعلّمنا التّاريخ أنّ الخوف هو وسيلة وطريقة استخدمها الحُكّام للسّيطرة على المحكومين وقت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وخاصّة زمن الكوارث الطّبيعية وانتشار الأوبئة الخطيرة، حيث قال أحد مؤسّسي الولايات المتّحدة الأمريكية أنّ “الخوف هو أساس الحكومات” (جون آدمز).
كما أنّ الخوف هو من أبرز الأدوات المُستخدمة في التّسويق التّجاري، ففي كبرنا نشتري مُستحضرات التّجميل خوفا على صغرنا، وعندما نمرض نقتني الأدوية خوفا على حياتنا، ونشتري أقوى الأقفال وأفضل كاميرات المُراقبة خوفا من السّرقة، … إلخ. وقياسا على ما سبق، ها أنّنا نُفرط في غسل أيدينا بالماء والصّابون ونُكثر من عمليات التّعقيم للمنازل وأماكن العمل والشّوارع، ونضع الكمّامات على أفواهنا. كما أوقفت الحكومة الحياة العامّة وحتّى الخاصّة، وكلّ ذلك من أجل مُقاومة عدوّ مُستجدّ ومُخيف لا نراه بالعين المُجرّدة أطلق عليه العُلماء فيروس كورونا (كوفيد 19 +).
وحيث وكعادتهم السّيئة النّابعة من طبيعتهم الّتي لا تتغيّر، استولى الرّأسماليون الانتهازيون على الوضع المُخيف بسرعة كبيرة، لدرجة أنّنا أصبحنا نفتقد في السّوق الى أبسط ضروريات الحياة، كحاجتنا الماسّة للِتْر من ماء الجفال أو كيلوغرام من السّميد أو الطّحين (الفرينة) في بلد طالما وقع تسميتها تاريخيّا بمطمور روما لكثرة زرعها ووفرة إنتاجها وتنوّع خيراتها، فاستفحل الاحتكار وارتفعت الأسعار بفعل انتشار الأقاويل والشّائعات المُخيفة حول خُطورة الوضع الوبائي.
واشتغلت ماكينة الإعلام الرّسمي والخاصّ ومن ورائهم لوبيات رأس المال ، لينتشر الخوف والهلع في صُفوف أبناء الشّعب على حياتهم ومُستقبلهم ، وتعزّز ذلك الخوف من هول الأخبار المُتدفّقة من كُلّ حدب وصوب والمتحدّثة عن تزايد المُصابين المهُول يوميّا بالوباء ، وكثرة الوفيات في العالم ، وحرق جُثث الموتى ، وحتّى رفض دفنهم في بعض جهات البلاد خوفا من العدوى ( بنزرت ، مجاز الباب ، منوبة ) . فأصبحنا في تونس كغيرنا من شعوب العالم ننام ونستفيق على أخبار المرض والموت والجوع والفقر والاحتكار وكلّ أخبار الدّمار ، فهذا الوباء اللّعين حكم قصريّا على أكثر من 3 مليار من البشر في العالم بالمكوث في بيوتهم وفرض عليهم حضر التّجول في انتظار لقاح أو دواء أو حلّ جذري للتّخفيف من انتشاره أو القضاء عليه نهائيا كما وقع القضاء على غيره عبر التّاريخ .
وحيث تعطّلت الحياة في البلاد برزمة من القوانين والإجراءات الّتي اتّخذتها الحكومة لمقاومة هذا الوباء وصلت إلى حدّ المسّ من حُرّيات النّاس وذلك ” بسجنهم ” مؤقّتا في بيوتهم حُجّتها في ذلك خوفها على الصّحة العامّة للشّعب وحمايته من فتك الوباء به ، وأنّ لا مخرج لأبناء الشّعب سوى مُكوثهم في بيوتهم لمدّة قد تطول أو تقصر للتّقليل والحدّ من انتشار الوباء بينهم ، فأصبحنا نعيش الرّعب والخوف ، إذ بإصابة أحدهم هو بالضّرورة إصابة للآخرين ، وموت أحدهم هو إعلان موت للآخرين الذين عاشوا أو تعايشوا معه ، وبالتّال أصبحت استجابتنا للخوف أوتوماتيكية .
حيث أنّ هذا الوباء رغم خطورته وتميّزه بسرعة التّنقّل المُباشرة وغير المُباشرة، ولا تعلم حكومتنا “الثّورية” أين يختفي وكيف يتنقّل ويختار ضحاياه، فقد كان له الفضل في كشف المستور عن واقع خلناه فقط مُرّا، ولكن تبيّن بالكاشف أنّه أمرّ من الحنظل، فلقد كشف لنا الوباء جميع التّناقضات والإرهاصات والخور من السّياسة الموبوءة للحكّام الجُدد الّذين تحت يافطة “الدّيمقراطية” الملغُومة المُتحكّم فيها من الخارج، إلى الاقتصاد المُنهار الّذي لا يرتقي إلى تطلّعات الجماهير الشّعبية المُفقرّة والمعزولة ومسلوبة الكرامة، إلى الوضع الاجتماعي المُحزن والمُخزي لأكثر أبناء الشّعب المُضطهد، إلى الوضع المُتدهور للصّحة العمومية وكلّ مجالات الحياة العامّة من تعليم وسكن ونقل وتغطية اجتماعية وثقافة ورياضة وترفيه، إلى زُمرة من لوبيات رأس المال الّتي تتحكّم في جميع الدّواليب والمؤسّسات الحيوية للدّولة الّتي أصبحت بين عشيّة وضُحاها تتباكى بفعل الأزمة والقرارات الحكومية المُتخّذة لمقاومة الوباء والّتي كان لها فيها النّصيب الأكبر الّذي يصل إلى حدود 80 في المائة مُقابل الفُتات لأغلبية أبناء الشّعب وخاصّة منهم الفئات الهشّة والمُفقّرين .
وباسم مقاومة وباء الكورونا، حُكم علينا بأن نكون “مُوحّدين” رغم أنوفنا تحت ما يُسمّى بـ “الوحدة الوطنية”، أي بين الرّئيس والمرؤوس، بين الوزير والغفير، وبين الأغنياء والفقراء، وبين أصحاب المصانع والعُمّال، وبين ملاّكي الأراضي الكبار والمُزارعين، بين الفرقاء السّياسيين من اليمين إلى اليسار، بين قاتلي أبناء الشّعب والمقتولين، بين العرف والصّانع، بين الإمام والمأموم، بين من ينامون في القُصور ومن ينامون في الأكواخ وفي الشّوارع، بين المُستكرشين ولاقطي الزّبالة المُقتاتين من عُلب البلاستيك والبيرة المُستهلكة، …
فكم أنت “جميلة” يا حكومة الكورونا، ها قد “وحّدتي” فجأة بين الأضداد الّتي لا يُمكن لها لا نظريّا ولا علميّا ولا تاريخيّا أن تتوحّد بفعل التّناقض في المواقع والمصالح والأهداف، فها أنّ أغنياء البلاد “تحرّكت” في أذهانهم “الوطنية”، وفي قلوبهم “الرّحمة والحنان” وأصبحوا بفعل “سحر” الكورونا يُحبّون الفقراء ويعطفون ويُغدقون عليهم من ثرواتهم الطّائلة الّتي لا تقدر الحكومة بفعل التّوازنات الطّبقية أن تُحاسبهم عليها.
فحتّى حكومتنا الغرّاء، حكومة “الأحزاب الثّورية” أصبحت حياة التّونسيات والتّونسيين عزيزة جدا عليها وتُريد أن تستثمر في الزّاد البشري لهم بخوفها على صحّتهم ومُستقبلهم. وبقدرة قادر أصبحت لها الأموال، وحتّى تفرض وجودها وسيطرتها على الوضع أخذت جُملة من الإجراءات “التّاريخية” رغم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة الّتي خلّفتها حكومات ما بعد “الثّورة” وما قبلها، إذ خصّصت قرابة 3 آلاف مليون دينار حسب تصريح رئيسها لتستجيب لمُتطلّبات مُعالجة الأزمة الّتي زادها الوباء تأزّما خطيرا أكثر من قبل بما يُنذر بتطوّرات في مُختلفات المجالات الاقتصادية والاجتماعية لا يُحمد عقباها ستُهدّد استمراريتها. فالتّاريخ البشري غنّي بالأمثلة في علاقة بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والكوارث الطّبيعية والأوبئة الّتي هزّت عُروش أعتي الملوك والسّلاطين والحُكّام، وغيّرت وجه العالم على صعيد السّياسة والاقتصاد والمجتمع والأدب والفن والعلم ومختلف مجالات الحياة.
فحكومتنا انتهجت كغيرها من الحكومات سياسة التّخويف والتّهويل من خُطورة الوباء، واعتمدت سياسة غريبة وعجيبة لا تخرج عن سياسة القطيع التّقليدية، واستعملت كلّ ما في جُعبتها من آليات السّيطرة من قوانين وعسكر وأمن وإعلام وخبراء في الميدان الاقتصادي والصّحّي للتّحكّم في جماهير الشّعب الّذي لا يؤتمن لديها والّذي يُمكن أن يهزّ عرشها في أي لحظة وخاصّة عندما لاح شبح الجوع مؤخّرا في العديد من جهات البلاد الّتي فُقدت فيها المواد الحياتية الأساسية الّتي يعتمد عليها أغلبية أبناء الشّعب الكريم في حياته اليومية كالسّميد والطّحين (الفرينة) والحليب والزّيت والسّكّر … أي كلّ المواد المُدعّمة المُتعارف عليها، فأبناء الشّعب قد جُبلوا تاريخيا بفعل الاستعمار المُباشر وغير المُباشر وقهر الحكومات المُتعاقبة على عدم المُطالبة بحقّهم في اللّحم والسّمك والكافيار والشوكولاطة الفرنسية الفاخرة والغلال الطّازجة والسّكن الرّاقي والنّقل الخاصّ والمسابح والرّياضة والثّقافة …الّتي يستأثر بها “كبار البلاد” الّذين “وحّدتهم” معنا حكومتنا الغرّاء مؤخّرا فجأة دون أن “تستشيرنا” وتّمكّننا من حقّنا في إبداء رأينا في ” الوحدة الوطنية ” بين أغنياء الشّعب وفُقرائه، وأخذت القرار بمُفردها خارج سياق التّاريخ وواقع الحيف الطّبقي المُعاش على أرض الواقع . فقد تبيّن بالكاشف واقع القهر الطّبقي والتّفاوت الاقتصادي والاجتماعي في تونس الّتي قيل أنّها مُستقلّة ودحرت الاستعمار المُباشر منذ 1956 الّذي خرج ظاهريّا من الباب لكنّه عاد في حينه من الشبّاك ليستمرّ وضع القهر والاضطهاد الطّبقي متواصلا منذ سنين.
إذ أنّ البلاد والعباد مرتهنين إلى صناديق النّهب الدّولية الّتي تُملي خيارتها وشروطها على سماسرة الحكم في تونس لتنفيذها على حساب الوطن وحقوق أبناء الشّعب، إذ وقع ضرب وتقزيم كلّ المرافق العمومية من صحّة وتعليم ونقل وخدمات اجتماعية وثقافة ورياضة وترفيه وكلّ مظاهر الحياة الكريمة مُقابل إرساء وتشجيع سياسة الخوصصة كبديل عنها، ولعلّ واقع أزمة وباء الكورونا قد زاد في فضح ما وصلت إليه سياسة الحكومات الرّجعية العميلة فيما يتعلّق بكلّ ما هو عمومي ومنها الصّحة العمومية الّتي تعتبر الملاذ الوحيد لأبناء الشّعب المُهمّش والمُفقّر، فواقع المستشفيات المُحزن خير دليل على ما نقول على خلاف واقع المصحّات الخاصّة الّتي ترتادها القلّة الميسورة من أصحاب رأس المال والوظائف العُليا في الدّولة .
اليوم في ظلّ الأزمة الصّحية شاهدنا سياسيّين طالما صدعوا رؤوسنا بالحديث عن الحرّية والعدل والمساواة بين المواطنين، مُرتعشين ومُرتبكين في إدارة الأزمة، إذ اتّخذوا قرارات في ظاهرها كبيرة وعظيمة، وفي باطنها تحمل بوادر أزمة اقتصادية واجتماعية ستكون كارثية على أبناء الشّعب، إذ من جُملة قُرابة 3 ألاف مليون دينار لم يستأثر الفُقراء والكادحين والعمّال والموظّفين إلاّ بعض الإجراءات الوقتية الّتي لا تُسمن ولا تُغني من جوع والّتي ستزيد في تأزيم أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر بالكثير كتأجيل سداد فواتير الكهرباء والماء وتأجيل خلاص القروض من 3 إلى 6 أشهر وإسناد منح ظرفيّة تتراوح من 50 إلى 200 دينار للفئات المُهمّشة والفقيرة الّتي لا تسدّ رمقهم في ظلّ واقع الاحتكار والارتفاع الجنوني للأسعار، ليستأثر أرباب العمل المُستكرشين بنصيب الأسد من حزمة الإجراءات المُتّخذة وعلى الرّغم من ذلك فقد عبّروا عن عدم رضائهم بها باعتبار وأنّ منطق رأس المال هو واحد في جميع أصقاع الأرض، فدينهم وأخلاقهم وسياستهم وأهدافهم هي الرّبح ولا غير الرّبح، ولأجل ذلك نجدهم يُمارسون الضغط لرفع الحجر الصّحي لتعود مصانعهم ومؤسّساتهم للعمل ولو كان ذلك على حساب صحّة العمّال مُستقبلهم، ولأجل ذلك يُمارسون سياسة التّخويف ضدّهم بإمكانية خسرانهم لمواقع عملهم في ظلّ استمرار الحجر الصّحي في البلاد .
فأمر حكومتنا غريب جدا في سياستها تجاه الأزمة الصّحية، إذ أنّ الجُهد الكبير الّذي بذله إطارات الصّحة من أطباء ومختصين وخبراء وممرّضين وعمّال وإعلام في توعية النّاس بخطورة الوضع وكيفية الوقاية من الوباء لمدّة أكثر من نصف شهر، أهدرته مصالح وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التكنولوجيا وغيرهما من المصالح بتجميع مآت الآلاف من التّونسيّين أكداسا فوق بعضهم أمام مراكز البريد لإذلالهم من أجل صرف المنح التّعيسة دون اتّخاذ الإجراءات الضّرورية لضمان عدم انتشار العدوى بين صفوفهم، ولكنّ هيهات فلقد فات الأوان وننتظر خلال الأسابيع القادمة ارتفاعا مهولا في عدد الإصابات بالفيروس نتيجة ذلك . فحكومتنا الغرّاء قد قتلت أبناء الشّعب مرّتين بنفس الحجر، الأولى بإذلالهم بمنحة رخيصة لا تفي بالغرض، وأخرى بتجميعهم أمام مصالح البريد كعُلب السّردين النّتنة لصرفها لهم لينتشر الوباء بينهم بسهولة.
فحتّى وزارة الصّحة الّتي تتباهى بأرقام انتشار الوباء ويقول وزيرها بأنّ الوضع تحت السّيطرة، وكثيرا ما حدّثنا دون كمّامة (ماسك) ليؤكّد ذلك، وهي أرقام غير واقعية وغير علمية لا تعكس حقيقة انتشار الوباء في البلاد، والدّليل على ذلك هو اتّباعها لسياسة بطيئة مقصودة باقتصارها على إجراء التّحاليل للعيّنات الّتي تتصّل بالرّقم 190 فقط والوسط الّذي سُجّل فيه وجود الوباء، ولم تنتقل على سياسة تعميم التّحاليل على مختلف الأوساط المعنية بذلك كقطاع الصّحة المُهدّد بالوباء وكذلك عمّال النّظافة وأبناء المؤسّستين العسكرية والأمنية في مرحلة أولى على أقلّ تقدير كمرحلة أولى، فواقع الأمر يؤكّد بما لا مجال للشّك فيه أنّه مُنتشر بشكل كبير ستكشف عنه الأيّام القادمة، وما تراجع وزير الصّحة النهضاوي الّذي لقّبه البعض بـ “الجنرال” عن عدم لبس الكّمّامات وإعلانه بضرورة لبسها مُستقبلا للجميع ما هو إلا مؤشّر على انتشار الوباء ودليلا قاطعا على فشل خطاب الطّمأنة والسّيطرة على الوضع الّتي انتهجها في البداية وعدم جديّة أرقام المصابين بالفيروس الّتي وصلت إلى قرابة 600 حالة و 22 متوفّي إلى حدود 6 أفريل 2020، ولعلّ هذا ما يؤشّر أيضا إلى أنّ انتشار الوباء كان أسرع ممّا توقعته بصيرته السّياسية النهضوية الّتي تعتمد على القضاء والقدر ومنطق التّسليم، ولا نستغرب لاحقا عند اشتداد الأزمة تحميله المسؤولية لأبناء الشّعب الّذين لم يلتزموا بالحجر الصّحي وهو ما لامسناه في خطابه هذه الأيّام . فالمُتتبّع للشّأن العام يفهم أنّ هذا الفيروس قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه حكومة “الأحزاب الثّورية” آجلا أم عاجلا خاصّة بعد تسجيل مؤشّرات الاحتقان في العديد من الجهات على خلفية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة الّتي ستتطوّر حتما لاحقا خلال الأشهر القادمة والّتي ستكون نتائجها كارثية على منظومة حكم الرّجعية والعمالة.
كما وقع تسجيل ارتباك كبير لدى رئيس الجمهورية الّذي عوضا أن يعمل بما يقتضيه الفصل 80 من الدّستور بصفته ويُبادر بأخذ زمام الأمور في ظلّ تلكّأ البرلمان ومماطلته وتأخيره بسبب حسابات سياسية ضيّقة في منح سلطة إصدار المراسيم لرئيس الحكومة حسب ما يقتضيه الفصل 70 من الدّستور في تلاعب واضح بمصلحة أبناء الشّعب، زيادة على ما أصدرته رئاسة الجمهورية من توضيح لرجال الأعمال لتفسير فكرة الرئيس فيما يخصّ ما صرّح به خلال ترأّسه لمجلس الأمن القومي في علاقة بالأموال الطّائلة الّتي يجب أن تُعود للدّولة في إطار قانون المصالحة من عند رجال الأعمال الفاسدين والّتي تصل قيمتها إلى قرابة 15 ألف مليون دينار أي ما يقارب نصف ميزانية الدّولة لا يقصُد بها المُصادرة الفعلية، وتوّج الرّئيس ذلك بلقائه بالمكتب التّنفيذي لاتّحاد الصّناعة والتّجارة لطمأنتهم على أموالهم ومُستقبلهم .
فهؤلاء أصحاب رأس المال ومالكي وسائل الإنتاج الّذين “وحّدتنا” معهم الحكومة مؤقّتا إلى حين زوال الوباء ترتعد منهم فرائص النّظام الحاكم ويقرأون لهم ألف حساب ويُحضون بالاهتمام والتّسهيلات الضّرورية على حساب أبناء الشّعب المُضطهد باعتبارهم أصحاب رؤوس الأموال الّذين يملكون الثّروات الطّائلة ويرغدون في نعيم العيش وسيعودون في أي لحظة إلى جلدتهم الأصلية الّتي طبعت فيهم الجشع والاستغلال كما عهدناهم دائما، وسيذهب حُبّهم للوطن وللفقراء بعد الأزمة سريعا، فرأس المال لا وطن له ولا أخلاق له، أمّا أبناء الشّعب المُضطهد فلا خيار لهم إلاّ مواصلة النّضال من أجل وطن حرّ تُكفل فيه كرامتهم وتتحقّق فيه عزّتهم وتزول فيه كلّ الأوبئة ومظاهر الظّلم والاستغلال، من وباء الكورونا المُستجدّ إلى وباء رأس المال المُستبدّ.
أماني سائحي
2020-04-10
إلى الأعلى